حالات رعب كبيرة عاشتها بعض المدن المغربية مؤخرا جراء الإطلالة الموسمية لأمطار طالما يدعو المغاربة أن تأتي "على قدر النفع"، لكن البنيات التحتية الهشّة لهذه المدن لم تكن لتصمد مع أولى الزخّات المطرية، التي أغرقت الشوارع والسيارات واقتحمت منازل ومحلات تجارية من دون استئذان.. أثناء وبعد زيارة أمطار الخير لبلادنا، تعلن الشركات والوكالات المستقلة المكلفة بتدبير الماء والكهرباء والتطهير السائل بالمدن حالات استنفار غير عادية في صفوف عُمّالها من أجل ضخ المياه وإعادة الوضع إلى حالته الطبيعية، وهو السيناريو الذي يتكرر في أكثر من مرة، ليطرح السؤال بالواضح حول متى ستظل المجالس المحلية المنتخبة تنهج سياسة "النعامة" وتغفل عن مشكل مُتقادم طالما تصرف فيه ميزانيات تضخ في صناديق شركات أجنبية من دون نتيجة. مُدن تتنفس ماءً.. في طنجة كما في بني مكادة والعرائش ووزان ومراكش وسلا ومدن أخرى، السيناريو هو نفسه لحالة كارية واحدة هي الغرق في الماء.. حيث أغرقت الأمطار الغزيرة التي تهاطلت مؤخرا، عدة شوارع المدن الرئيسية والثانوية، وهو ما أدى إلى حدوث خلل في حركة السير بأهم المحاور الطرقية، بسبب اختناق مجاري الصرف الصحي وعجز البالوعات عن تمرير مياه الأمطار. وتحوّل مشهد أزقة وشوارع تلك المدن إلى أنهار ومستنقعات من المياه والأوحال، لتغرق معها السيارات وتخترق المياه المحلات التجارية والمنازل المحادية لها، فيما تضررت ساكنة الأحياء الشعبية والعشوائية جراء انسياب المياه والسيول الطينية، كما هو الحال في منطقة بني مكادة والعرائش. ارتفاع منسوب المياه بِوادي مغوغة المحادي للمنطقة الصناعية بنفس المقاطعة يهدد باستمرار السكان والمنازل كما الشركات والمصانع.. وهي الصور التي ألفها الطنجاويين وتعيد للأذهان الفيضانات الطوفانية التي عرفتها المنطقة قبل 4 سنوات، مع استمرار نفس البنيات التحتية التي تؤثث شوارع وأزقة وأحياء أهم قطب اقتصادي في المغرب. أما في العاصمة الاقتصادية، فقد تسببت الأمطار وكالعادة في شلّ حركة السير في أهم محاور الطرق بالمدينة القديمة، بما فيها إغراق قاطرات الطرامواي، حيث أدى منسوب مياه الأمطار المرتفع إلى إقفال مجاري صرف المياه و بالتالي إغراق عدة أحياء وشوارع الدارالبيضاء في مياه وأوحال اقتحمت عدة منازل ومحلات تجارية من دون استئذان. واضطرت العديد من الأُسَر البيضاوية إلى المبيت خارج منازلها خوفا من تكرار سيناريو السنة الماضية الذي أدى إلى مقتل 10 أشخاص على إثر انهيار 3 منازل متفرقة بالمدينة القديمة، التابعة لعمالة الدارالبيضاء آنفا، بسبب التساقطات المطرية الغزيرة. تدبير فاشل لوكالات مغربية وأخرى أجنبية.. مع بداية القرن الواحد والعشرين، اختار المغرب تفويت تدبير الماء والكهرباء والتطهير والنفايات المنزلية والنقل الحضري، إلى شركات أجنبية، من أجل تدبير أفضل مقابل الاستفادة امتيازات قانونية وضريبية.. حيث تمّت الاستعانة بكل من الشركة الفرنسية "فيوليا" وفرعها "أمانديس" بكل من مدينتي طنجة وتطوان، وكذا الرباط تحت اسم "ريضال"، إضافة إلى شركة ليونيز للمياه بالدارالبيضاء أو "ليدك"، التابعة ل"سويز للبيئة" الفرنسية. وارتفعت مؤخرا أصوات من داخل المجالس البلدية وكذا المجتمع المدني منتقدة غياب الجدية لدى هذه الشركات وعدم احترامها لبنود دفاتر التحملات، من قبيل التماطل في إنجاز العقود والبنود المتفق عليها مع السلطات، أشهرا قليلة بعد بداية اشتغالها، بذريعة "الصعوبات المالية".في وقت أكدت فيه مصادر إعلامية تخلي مؤسسة "فيوليا" الفرنسية عن إدارة عقد تفويض المياه والصرف الصحي والكهرباء ومياه الشرب ببعض المدن ببيع حصتها إلى شركة "أكتيس" البريطانية بمبلغ مالي يقدر بحوالي 3,5 مليار دولار. في المقابل، وفي الوقت الذي أعلنت فيه جل تلك الشركات الأجنبية فشلها في تدبير مجالات حيوية كبرى كمجال "الصرف الصحي" الذي تعري الأمطار ضعف بنياته التحتية، تبقى فيه المسؤولية ملقاة على عاتق الوكالات المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء، التي تُتهم بدورها بالتهاون في أداء مهامها في مراقبة وتنقية قنوات الصرف الصحي، إضافة إلى التماطل في إنشاء قنوات لصرف مياه الأمطار للوقاية من الفيضانات.