عزيزي عبد الرحمن، "" الجو غائم اليوم. غيوم بيضاء كبيرة تحتها أخرى سوداء شبه شفافة تعبر برشاقة إلى هناك، إلى اللامكان. أشكرك على رسالتك المتحمسة. لازلت صلبا كما عهدتك. الصلابة امتياز. من قال أنه لا ينبغي أن تكون صلبا كي لا تكسر، ولا لينا كي لا تعصر. فماذا نكون إذن؟ يتحدثون كأن الحياة تترك لك الفرصة لتتخذ القرار. كن صلبا أو لينا أو مرن. سيأتي اليوم الذي تدقك الحياة كمسمار بائس إلى حائط. يبقى أمامك بعد أن يحدث ما يحدث أن تتماسك و ترضى بقدر الله. غير هذا، لا تحاول توقع شيء قد لا يحدث أبدا. سيئا كان أم جيدا. البارحة تحدثت مع هدى. قالت لي أنها كانت تمضي أول عطلة في فرنسا. ابنة عمتي هي التي لا أكن لها أي مودة. علاقة عائلية بحتة، لا أقل و لا أكثر. تتحدث بتعال مقيت، و أنت تعلم أن أمنيتي أن أصعد إلى سطح أعلى ناطحة سحاب، و آكل الموز و أرمي بقشوره فوق رؤوس المتكبرين. رغبة حمقاء طبعا. لكنها متعتي التي لن يحرمني منها أحد، على الأقل في خيالي. بتلك الطريقة الكريهة، تقول لي هدى أنها آسفة لأنني لا أستطيع السفر. طبعا، ضمنيا، يمكنك أن تسمعها تقول: تذكرت وقتها ابتسامتك التي حدثتني عنها وتمنيت لو أنني أتقنها لأهديها لها كعربون محبة. بالمناسبة، كم هو ثمن ابتسامتك، شاملة أجور الشحن؟ عبر زجاج النافذة، تبدو لي تلك السحابات وقد قررت التجمع لتلقي بكل شحناتها العاطفية الدامعة هنا. المرئيات المشوهة بفعل المطر المرتطم بالزجاج لم تمنعني من تمييز عاشقين حاولا التماسك وهما يسيران تحت المطر. المارة جميعا أطلقوا سيقانهم للريح. نسأل الله المطر ثم نفر منه. ظرفاء نحن فعلا. العاشقان قررا أن لحظة تصنع الوقار قد انتهت فانطلقا يعدوان أيضا. منظر يثير بداخلك إحساسا عميقا بالوجود فتتساءل: الوغد سبق حبيبته المفترضة واختبأ تحت بروز إسمنتي في حين بقيت هي تتعثر في ثيابها. يشير إليها بيديه أن تقدمي بسرعة. اللئيم. ألا يوجد سوى في الأفلام هؤلاء الفرسان الذين يحملون حبيباتهم على أكتافهم هاربين من جحيم الرصاصات و القنابل النووية و غير النووية؟ الفتاة تحتمي به بعد أن وصلت دون أن تدرك الرسالة الخفية. لو كنت مكانها لركلته بين قدميه و تركته يتلوى. إنه الحب العنيف، وهو نوع من أنواع الحب كما قرأت. لا تثريب عليّ إذن. أشاهد كل هذا وأتذكرك، و أكتشف أنني مشتاقة إليك فعلا. حنين قوي إلى سخريتك، إلى نظرتك اللامبالية ذات الحزن الجميل. إلى صمودك في وجه الإحباطات وتحاملك على نفسك بعد كل ضربة سيف من الحياة. أعترف أنني أحبك حقا دون حاجة لأن تكون بطلا سينمائيا. أحبك هكذا، بالمعنى الوحيد الذي تحمله هذه الحروف الأربعة. وكفى! خطيبتك : سعاد أنقر هنا لقراءة الفصول السابقة من رواية العقرب : الفصل الأول الفصل الثاني الفصل الثالث