1) تخيّلْ عزيزي القارئ، أن تكون قاطنا بإحدى القرى النائية وسط جبال الأطلس، أو في أي قرية أخرى من قرى "المغرب غير النافع"، التي يعيش سكانها هذه الأيام في جحيم البرد القارس، في غياب أبسط شروط العيش الكريم، بما في ذلك حطب التدفئة، وتقرأ في الصحافة أنّ مسؤولا عموميا صرف ما يقارب أربعين مليون سنتيم في شهر واحد، لاقتناء الشكولاته الفاخرة، لتقديمها بعد ذلك كهدايا، كما فعلت السيدة فتحية بنيس، التي فضحتها الصحافة قبل أيام. من المؤكّد أنك ستغضب وتثور، وأنت ترى الملايين من المال العامّ تُصرف في اقتناء الشكولاته، فيما أنت لا تملك حتى ثمن حطب التدفئة. 2) لكنّ غضبك سيحتدّ أكثر، وسيصل إلى ذروته، وأنت ترى خبرَ فضيحة كهذه يمرّ مرور الكرام، بعد أن نشرته الصحافة، دون أن تجرؤ الحكومة على توجيه ولو مجرد سؤال أو استفسار للسيدة التي تصرف كل هذه الملايين من المال العام على شراء علب الشكولاته، "بْحالا شايطين علينا الفلوس". بينما لو حصل أمْر شبيه بهذا في دولة ديمقراطية لسارعت السيدة بنيس إلى الاعتذار للشعب، وتقديم استقالتها الفورية من منصبها بعد ذلك، طوْعا، أو تحتَ الضغط. المؤلم أكثر، هو أن فضيحة صرْف ما يناهز أربعين مليون سنتيم من طرف السيدة بنيس في اقتناء الشكولاته، تمّ كشفها في عهد حكومة حزب العدالة والتنمية، الذي رفع شعار محاربة الفساد، وترشيد النفقات العمومية، فإذا بنا نكتشف أن كل هذه الوعود ليست سوى مجرد فقاعات هوائية، سرعان ما انفجرت في أوّل امتحان، لذلك فعندما نقول إنّ حكومة السيد بنكيران، لا فرق بينها وبين الحكومات السابقة، فليس في ذلك أيّ تجنّ على حزب العدالة والتنمية، لأن الواقع هو الذي يثبت ويؤكّد ذلك. 3) فما معنى أن ينادي السيّد بنكيران بنهج سياسة التقشف، ويوجّه مذكرات إلى وزراء حكومته بهذا الخصوص، وبعد ذلك تأتي السيدة فتحية بنيس وتدفع كل هذه الملايين في شراء الشكولاته، دون أن تجد حتى من يقول لها "شحال فالساعة"؟ معنى ذلك بكل بساطة هو أنّ المسؤولين العموميين سيضربون بمذكرة السيد رئيس الحكومة عُرض الحائط، ما دامَ أنهم غير معرّضين للمحاسبة ولا المساءلة. إنّ المسؤولية في هذه الحالة لا تقع على عاتق السيدة بنيس لوحدها، بل تقع في المقام الأول على الحكومة، وتحديدا وزارة العدل، التي يتولاها حزب العدالة والتنمية، في شخص السيد مصطفى الرميد، والذي من المفروض فيه، باعتباره رئيسا للنيابة العامة، أن يأمر بفتح تحقيق في كل ما يرتبط بتبذير المال العام، لكننا لم نسمع لحدّ الآن عن فتح أيّ تحقيق، ولا نعتقد أن ذلك سيحصل يوما، والدليل على ذلك هو أنّ ملف تعويضات وزير المالية السابق، صلاح الدين مزوار، والخازن العام للمملكة نور الدين بنسودة، ما زالت تراوح مكانها. لذلك على الذين كانوا يحلمون بأن تقطع حكومة السيد بنكيران مع عهد الفساد وتبذير المال العامّ أن يستيقظوا من سباتهم، فجميع المؤشرات تدلّ على ألاّ فرق بين الأمس واليوم. 4) لقد كنت أتوقّع أن يكون ردّ السيدة فتحية بنيس على ما جاء في تقرير صادر عن أحد مكاتب الدراسات، والذي يفيد بأنّها قامت باقتناء ما يقارب أربعين مليون سنتيم من الشكولاته في ظرف شهر واحد فقط، بالنفي، فإذا بها تؤكّد أنّ ما جاء في التقرير الذي نشرته الصحافة صحيح! المثير للدهشة هو أن السيدة بنيس برّرت صرف هذه المبالغ الطائلة على شراء الشكولاته بكون المؤسسة التي تديرها (هيأة الإيداع المركزي للأوراق المالية بالمغرب)، بكونها تتلقى هدايا في رأس السنة، متسائلة: أليس من حقنا نحن أيضا أن نقتني الشكولاته؟ نتفهّم جيدا حرص السيدة بنيس على أن تردّ الهدية بأحسن منها، لكن عليها أن تستحضر أنّ الأموال التي تنفقها على شراء تلك الهدايا الفاخرة مستخلصة من الخزينة العامة للدولة، أي أنّ تلك الأموال هي أموال المغاربة، لذلك فنحن لا مشكل لدينا في أن تقتني ما شاءت من الهدايا الفاخرة، شريطة أن يكون الدفع على حسابها الخاص وليس من جيوب المغاربة. 5) أما السيد عبد الإله بنكيران، فلا يسعنا أن نقول له سوى أنّ عمر حكومته يمرّ، ولم نرَ لحدّ الآن ما يبرهن على أنه قادر على تطبيق الشعارات الكبيرة التي رفعها حزبه قبل أن يصل إلى رئاسة الحكومة، وتحديدا شعار محاربة الفساد. فقدْ مرّ أكثر من سنة على تنصيب حكومة السيّد بنكيران، وما زال المغرب كما هو، لا شيء تغيّر ولا شيء يوحي بأنّ الأمور ستتغيّر. قد يقول البعض إن هناك بعض الانجازات، لكنّ الذي ينساه هؤلاء هو أنّ أي حزب جاء إلى "السلطة" في تلك الظروف التي وصل فيها حزب العدالة والتنمية إلى رئاسة الحكومة قادر على تحقيق هذه "الانجازات"، فليس الحزب هو الذي حقّق ما تحقق، على قلته، وإنما الوضع الإقليمي والدولي هو الذي فرَض ذلك. إنّ قصة مدَام بنيس مع الشكولاته ليست الأولى من نوعها، فقد سبق أن قرأنا أنّ وزيرا في حكومة إدريس جطو كان يصرف المال العام على اقتناء الشكولاته والورود التي تصل إلى مكتبه كل صباح، وانتهت ولاية حكومة جطو، ولم يُحَاسَب الوزير، بل لم يستفره أحد حول هذه القضية حتّى، وها هي قصة تبذير المال العام في اقتناء الشكولاته تطفو على السطح من جديد، فهل ستكون حكومة بنكيران مختلفة عن حكومة جطو، وعن باقي الحكومات السابقة، في طريقة تعاطيها مع تبذير المال العام؟ الواقع يقول لا، في ظل غياب أيّ مؤشرات تدلّ على قدرة هذه الحكومة على أن تكون مختلفة، وقد مرّ أكثر من عام على تنصيبها، وهي مدّة كافية لكي تظهر ملامح المستقبل، وكما قال أجدادنا "النهار الأول كايموت المشّ".