نقابة "البيجيدي": فاتح ماي يحل في سياق استهداف الحقوق وضرب القدرة الشرائية والكرامة الإنسانية للمغاربة    قتيل في غارة إسرائيلية على جنوب لبنان    الإكوادور تعلن حالة تأهب قصوى بسبب تهديدات باغتيال رئيس البلاد    "لارام" تبرم اتفاقية شراكة مع الكونفدرالية الإفريقية لكرة القدم    توقعات أحوال الطقس لهذا اليوم الأحد    كيف يمكن التعامل مع الأسئلة الغريبة في المقابلات الشخصية؟    سوء الأحوال الجوية تتسبب في إغلاق ميناء الحسيمة    إطلاق الدورة الأولى من جائزة النجاعة المائية في السكن    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    نبيل باها: الانضباط التكتيكي سر فوز أشبال الأطلس بكأس إفريقيا للناشئين    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    بحضور أزولاي.. الصويرة تحتفي بإبداع الصناع التقليديين    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    متظاهرون ضد ترامب يحذرون.. الديمقراطية في خطر جراء الاعتداء على سيادة القانون    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    دراسة: "الحميمية المصطنعة" مع الذكاء الاصطناعي تهدد العلاقات البشرية    مقتل 56 شخصا في وسط نيجيريا    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    "الجزيرة" حين يتحويل الإعلام إلى سلاح جيوسياسي لإختراق سيادة الدول    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    إعلام جنوب افريقيا يتفاعل مع الاتجاه نحو ادراج البوليساريو على قوائم الإرهاب    الضربات الدولية تتوالي على "الجسد الميت" للبوليساريو    تعيينات جديدة بمصالح الأمن الوطني في عدة مدن مغربية    واشنطن وطهران تحرزان "تقدماً جيداً جداً" في المفاوضات، وتتفقان على المضي نحو اتفاق "دائم وملزم"    سوء الأحوال الجوية يُغلق ميناء الحسيمة    طقس الأحد.. تساقطات ثلجية ورياح قوية بهذه المناطق المغربية    الملك يهنئ أعضاء المنتخب المغربي لأقل من 17 سنة إثر فوزهم بكأس إفريقيا    كلية الآداب ظهر المهراز تخلد خمسينية جامعة فاس بمنتدى النشر العلمي    تتويج المنتخب المغربي بجائزتي أفضل حارس وأحسن لاعب    مجموعة مدارس الزيتونة تُتوج الفائزين بمعرض الابتكار والتجديد Expo 2025    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    اقتحام صادم لثانوية ضواحي طنجة.. ومدير المؤسسة في العناية المركزة    بنعبد القادر يقدم "العدالة والتواصل"    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    "معركة رفع المعاشات" تخرج المتقاعدين مجددا للاحتجاج على الحكومة    انعقاد المؤتمر الجهوي للاتحاد العام للفلاحين بجهة طنجة    سوء الأحوال الجوية يغلق ميناء الحسيمة    بلدان إفريقية تُسقط شرعية تحركات "SADC" الأحادية: دعم متجدد للوحدة الترابية للمغرب ورفض قاطع للتلاعب الانفصالي    الدرهم المغربي ينخفض أمام الأورو    أحكام بالسجن ما بين 13 و66 عاما في حق المتابعين في قضية "التآمر على أمن الدولة" في تونس    السعودية تدشّن مشاركتها في المعرض الدولي للنشر والكتاب بالمغرب 2025    الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة تُبرز أثر وثائقيات "الأولى" في إشعاع المغرب بالمعرض الدولي للنشر والكتاب    علاش الإمارات عطاوها؟ .. لطيفة رأفت تشعل إنستغرام بتعليق ساخر عن رجاء بلمير    إطلاق أول شهادة مغربية في صيانة بطاريات السيارات الكهربائية بشراكة مع رشيد اليزمي    حملة مراقبة في إكنيون بسبب السل    العربية للطيران تدشن خطا جويا جديدا بين الرباط والصويرة    تكريم عمر أمرير بمعرض الكتاب.. رائدٌ صان الآداب الأمازيغيّة المغربية    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    









محنة الأسرة مع التجربة السجنية
نشر في هسبريس يوم 09 - 01 - 2013

قد يغفل الجميع عن كون التجربة السجنية لا تتعلق فقط بالسجين.و هذا ما حاول بعض الباحثين في علم الاجتماع في الغرب دراسته، وذلك منذ سنوات.
كل هذه الدراسات خلصت إلى أن تأثير التجربة السجنية يتجاوز المسجون ليمس كل الأشخاص المحيطين به، من آباء و أبناء و إخوة وأخوات و أفراد الأسرة الكبيرة و الجيران و الأصدقاء و زملاء العمل ... و هذا ما أسماه بعضهم ب"التجربة السجنية الموسعة" أو ب"التجربة السجنية خارج الأسوار".
كل المقربين من السجين يعانون التجربة السجنية، باعتبار التأثيراث السلبية التي يفرضها السجن عليهم. فالسجن يؤثر على المحيط البشري للسجين، في أوقاتهم، في حياتهم العائلية، في علاقاتهم الحميمية .... كما أن هذا المحيط، بسبب هذه التجربة المفروضة، يعاني من سهام الاتهام التي يوجهها المجتمع إليهم. فيصبح هذا المحيط متهما بدوره، و كأنه هو المتسبب الوحيد في دفع أحد أعضائه إلى السجن. و ينسى المجتمع أن هذا المحيط، رغم دفاعه و مؤازرته للسجين، هو أول من يتهم نفسه، و يلقي باللوم عليها، ظانا أنه ربما لم يقم بكل ما يجب كي يجنب عضوه دخول السجن. و بالتالي، لا داعي من مزيد من الاتهام و التنكيل لهذا المحيط.
إن الذي يجالس أحد أقرباء السجين، ليسمع منه كلاما كله آلاما و قصصا تتخللها هنا و هناك مشاعر المعاناة من تعذيب ليست له آثار ظاهرة، إلا أن وقعها يصل إلى أعماق القلوب.
بطبيعة الحال، نحن نعلم أن هناك بعض الأولياء و الأقرباء، ممن يكونون من المتسببين الأساسيين في سجن أحدهم، بسبب إهمال تربوي أو لأطماع مادية، إلا أن هذه الحقيقة لا يجب أن تنسينا حقيقة أهم، ألا و هي أنه لا يجوز لنا أن نعمم الأحكام على الجميع، و نسمح لأنفسنا وسم كل من له علاقة بسجين، خصوصا و نحن نعلم أن أكثر من 40 في المائة من السجناء هم ضمن الاعتقال الاحتياطي، و بالتالي يبقون في حكم الأبرياء.
الوضعية السجنية، إذن، تمس أقواما من غير السجناء، و تأثيرها يمتد إلى ما وراء حيطان الزنازن. فكان لا بد من الاهتمام بهذا المحيط الموازي لوضع السجين، و الذي يجد نفسه حبيسا دون قضبان، ومتهما دون ارتكاب أية جريمة. فيصبح بالتالي كالسجين، لا يتحكم فيما يقع له، و لابد له من دفع ثمن شيء لم يطلبه و لن يأخذه.
إن محيط السجين، عدا كل هذا، يعيش محنة تحمل مسؤولية تدبير كل المشاكل الاجتماعية الناتجة عن تواجد أحد أعضائه بالسجن. و رغم ذلك يبقى هذا المحيط مجهولا لدى المؤسسات التي تتحكم في مصير السجين: الشرطة، العدالة، المؤسسة السجنية ...
ليست لحد الآن بالمغرب احصائيات و دراسات متخصصة (على الأقل في حدود علمنا) لأوضاع محيط السجناء، حتى يمكن أن ندرك مدى تأثير السجن على باقي المجتمع. و بالتالي سوف نلجأ على بعض الإحصائيات الرسمية المتعلقة بهذا الموضوع بفرنسا، حيث قام "المعهد الوطني للإحصاء و الدراسات الاقتصادية" بدراسة سنة 2002تحت عنوان "قصة أسرة السجناء".
ذكرت هذه الدراسة أن حوالي 320.000 من البالغين هم معنيون بتواجد أحد أقربائهم بالسجن، وحوالي 63.200من القاصرين لهم أقرباء من بين السجناء. فالمجموع هو 383.200، وهو رقم مهول، يزداد هولا إذا علمنا أنه لا يتعلق إلا ب 48.594 سجين بفرنسا سنة 2002. فكيف قد تكون هذه الأرقام على ضوء عدد السجناء حاليا، أي حوالي 68.000 سجين؟ و لنحاول أن نتصور الوضع بالمغرب و الذي يعرف تقريبا نفس العدد بالسجون، مع اعتبار فارقين أساسيين، هما:
- عدد السكان بفرنسا يقدر تقريبا بضعف الساكنة بالمغرب.
- المحيط الأسري و الاجتماعي بالمغرب هو أوسع مما عليه الحال بفرنسا (عدد الأطفال بالأسرة الواحدة، طبيعة العلاقات الأسرية و العائلية و التي تعرف تماسكا أكثر...)
فإذا اكتفينا بإضافة نسبة الفارق بين ما كان عليه عدد السجناء بفرنسا سنة 2002، أي حوالي 20 بالمائة، و لنضف هذه النسبة على العدد المفترض أن يكون له قريبا بالسجن، يعني إضافة 20 بالمائة على 383.200، فسوف يصل عدد المعنيين بشكل غير مباشر بالوضع السجني من أسر و أقرباء السجناء إلى حوالي 460.000 مواطن بالمغرب بين بالغ و قاصر. وبالتالي فسوف نكون أمام عدد مهول من الأشخاص. و إذا أضفنا عدد السجناء (تقريبا67.000)، فسيتجاوز عدد المعنيين بالقضية السجنية النصف المليون (حوالي 520.000 مواطن)، أي ما يقترب من عدد سكان جهة مكناس تافيلالت (حوالي 544.000 نسمة).
و هذه الحقيقة لا بد و أن تدفعنا إلى الاهتمام بالمحيط الخارجي للسجون مع اهتمامنا بمحيطها الداخلي. خصوصا و إذا علمنا أن هذا المحيط يحوي عموما الأشخاص الأضعف قوة و الأقل حيلة، ونعني بذلك النساء و الأطفال.
إن هذا الوضع يعتبره المتخصصون في الشأن السجني تحديا ديمقراطيا يواجه الدول الحديثة، بحيث لا يكفي مراعاة الحقوق الإنسانية للسجناء، بل يجب كذلك توفير هذه الحقوق لذويهم و أقربائهم. و إذا كان في أسوأ الأحوال من الحفاظ على المجتمع عن طريق حبس من يضرون به، فما هو ذنب أقرباء السجين، الذين يعانون في أغلب الأحوال من وضعهم كأقرباء للسجين من الضرر المادي (كون السجين هو المعيل الوحيد لأسرته)، والاجتماعي (سهام الاتهام)، و النفسي (كنتيجة للضرر الاجتماعي) ...
أفلا يليق إذن بمجتمع ديمقراطي أن يضمن لهؤلاء الحقوق اللازمة شأنهم شأن كل أفراد المجتمع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.