أسوأَ شيءٍ قد يحصل لامرئ ذِي سلطة هوَ تجريدهُ منهَا على مرأى من عينيه، إذ يستحيلُ الخلعُ بالنسبة إليه إذ ذاكَ ضرباً من التعذيب، لا يتقبلُ معهُ إمساكَ مخلوقِ آخر بزمامِ ما كانَ لهُ بالأمس سيداً. لعلَّ هذا بالذات ما حصلَ لآل الفاسِي وهم يشهدونَ في عامٍ مشؤوم علَى صعودَ ابن البرانس الذي جاءَ من القاع إلَى الأمانة العامة لحزبِ علال. فالنخبة الفاسيَّة لم تتوقع يوماً أن يزاح أبناؤها الناطقون للراء غيناً، عن الزعامة ويأتَى بالبدو الأجلاف، حفاظاً على صفاء النوع، وضماناً لتشكيلة حكومات تجدُ فيها آل الفاسي ابناً وعماً وصهراً. مناسبة هذا الكلام، هوَ انبثاقُ خطٍّ سمَّى نفسه "لا هوادة"، قالَ إنهُ يرمِي إلى الحفاظ على ثوابت حزب الاستقلال"، التي لا يمكنُ صونها حسبَ المتعاطفين مع "زدي عبد الواحد"، إلا بزعيمٍ فاسي، لا سياسيٍّ بزغَ نجمهُ بالأمس بعدمَا كانَ واحداً من أهل الباديَة، الذِينَ كُتِبَ عليهم الحرمانُ من المناصب الساميَة في المغرب، بدعوَى الحفاظ على صفاء النوع، لا كمَا تحدثَ عنهُ علماء البيولوجيا، لكن كما نظرَ لهُ بعضُ الفاسيو- لوجيين، وهنَا نستحضرُ أيضاً تصريحاً شهيراً للمرشح السابق للكتابة الأولى لحزب الاتحاد الاشتراكي، فتح الله ولعلُو، حينَ قالَ عقبَ صعود إدريس لشكر، إنَّ الحزبَ تعرضَ للترييف (ruralisation). إنَّ المسألةَ في عمقهَا لا تتوقفُ عندَ صراعٍ شخصيٍ على منصب الأمين العام لحزبٍ من الأحزابِ، وإنمَا تتجاوزهُ إلى مرضٍ عششَ في عقلية عائلات مغربية كثيرة تحملُ واحداً من الأسماءَ الستة، ترَى أنَّ العلمَ تجسدَ فيهَا، وانصهرَ في أبنائها، أمَّا بَاقِي المغاربة فانقطعَ نسلهمْ وعجزت نساؤهم أن يلدنَ من يضاهي أبناءهنَّ، وكمثال في هذا المضمار، يمكننا أن نستحضرَ صورة إبراهيم الفاسي الفهري وهوَ يتلعثمُ أمامَ القناة الثانية، غيرَ قادرٍ على صياغة جملةٍ مفيدة، بشكلٍ يذَرُنَا نتساءلُ "هل يكونُ إبراهيم الفاسي الفهري خيرَ شابٍ جادَ بهِ المغرب كي يناقشَ قضايا الأمم الأخرى ويخدم صورة المغرب في الخارج؟ أتركُ لكم الإجابة. لقد تركَت النخبُ الماسكة بزمام الأمور في المغرب بالفعلِ قليلاً من الفتات لأبناء الشعب، وتكرمتْ عليهم بالصعود إلى السلمين التاسع والعاشر، وكيْ لا نكونَ عدميّينَ نقرُّ أنَّ كثراً منهم صنعُوا قصصَ نجاحهم بمثابرتهم وجدهم، لكنَّ ارتقاء أبناء الطبقات المسحوقة ظلَّ على الدوامِ صراعاً مريراً، محاطاً بسخريَّة بعضِ اللوبيات التي لا ترَى في المغرب إلاَّ بقرةً حلوبَا في مزرعة الوطن، الذي حفظوهُ وجعلوه بأسمائهم الرنانة، أمَّا أبناءُ الشعب فلهم الرعيُّ، كيفَ لا وهم يرددونَ على مسامعنا بنبرة الواثق "الأرضُ لمن يحرثها". *وبِما أنَّ تيارَ "لا هوادة" للحفاظ على ما أسماها مكتسبات حزب الاستقلال، التي لا يمكنها أن تينع في تربة غير فاسية، أدلِي بدلوي وأفترعُ مصطلحاً جديداً في ساحتنا السياسية التي تخيمُ عليها موجة نحت المصطلحات والنظريات هذه الأيام، وهوَ "ألفسة المغرب"، اشتقاقاً من "آل فاس"، الموجودونَ في الحكم طبعاً، والذين يعتقدونَ أنَّ المغرب قد تحلُّ به النوائب والكوارث، إن غادرَ الواحدُ منهم الكراسيَ الوثيرة للمسؤولية.