على بعد أيامٍ من انبلاجِ سنة وليدةٍ، تمحُو سابقةً انقضتْ من أعمارٍ تذوي دونَ شعورٍ منَّا، أنشأ أربابُ محلاتٍ أنيقة يوزعونَ ابتساماتهم على أناسٍ جاؤوا طلباً للحلوى، يدفعونَ المال، ويتناولونَ علباً كرتونية بيضاء فيقفلونَ راجعينَ، ليستريحُوا في عجلةٍ من أمرهم، وقد ودعُوا زمناً من الركض المتواصل، وأنين الناس فوقَ الكوكب لم يخرس، والضمير في أعماقهم لم يرَ النور بعد. لا أدرِي كيف تكونُ الحلوى سائغة في الفم، وأشقاءٌ في سوريا اختلطَ دمهمْ بالرغيف والعجين، فِي حمص الجريحة، حينَ كانُوا واقفينَ في طابورِ انتظار طويل، وأخذهمْ قصفُ حماة بشار على حين غرة، وما كانَ يطلُبونَ سوَى ما يسدُّ رمقَ أطفالٍ أضناهم الجوع، وشقَّ عليهم صمودُ جبانٍ بعثيٍّ، جعلَ كرسيَّه، أثمنَ من الشعب والبلد. لا أعلمُ كيفَ نجسرُ على تزيينِ بيوتنا بالورودِ الباهتة والشجر المزيف، بعدَ دفعِ ثمنها باهضاً، وفي أبوابِ مستشفياتنا يغتالُ الإهمال المرضَى كلَّ حين، والألمُ يحفر في إحساسهم عميقاً، والناسُ من حولهم يمضونَ وما رأواْ، وإن رأواْ ما دروا حجم المأساة، ولا هيَ الشفقة تملكتهم ردحاً من الزمن. تَرى كيفَ يأمل البعضُ من الناسَ ثلجاً يؤثث جوَّ الاحتفالِ، ويهبهُ بكسو الدنيا رونقاً، وفِي ربوع أخرى من البلاد السعيدة، سئمَ الناسُ بصغارهم وكبارهم حلة البياض القاتلة، وقد نالت من رضعهم الذين لقُوا حتفهم في القرن الحادي والعشرين، في دولةٍ يسكنُها أناس، ندرَ أن تجدَ بينهم الإنسان، كما صاحَ أحدُ الكتاب الأفذاذ، قبلَ زمنٍ مضَى. وفي حمأة الناس وتأهبهَا، في البال سؤال عمَّا إذَا كانت الشمسُ ستشرقُ من موضعٍ آخر، وإذَا كانَت الدنيا ستتشحُ بلبوسٍ مختلفٍ، أمْ أنَّ الانتقالَ إلَى سنة جديدة لعبةٌ فحسبْ، عمدَ بهَا البشرُ إلى تقسيمِ أيامهم إلى إثنين وأحد، ووسمِ نورهم وظلاهم بالنهار والليل، فمَا الناسُ إلَّا عبيدٌ لمَا حاكوهُ في خيالهم، ونسجوهُ عنهُ من قصصٍ صارُوا يقدّْسُونها أنَّى تأتَى لهم التقديس، ويحفلُونَ بها كلمَا دقَّ كوزُ آلاعيبيهم في جرة عاداتهم البالية. لسنَا نستكثرُ على الناسِ فرحاً، ولا نحنُ نطردهُ من خواطرهم وقد تسللَ إليها خلسة في أوجْ انشغالهم، ولا هيَ حراسةٌ للأختام تذرنا ننبري تحريماً وتحليلا، فما لذلكَ موضعٌ من نفس سليمة، أو لدَى إنسانٍ يخلد إلى نفسه ويدعُ الناسَ وشأنهم، لكنَّ انقضاء سنةٍ من عمرنَا، لم نعمدهَا بغير أنانيتِنا المقيتة، وانشغالاتنا البائسة، تجعلُ منَ منى السعادةِ التي نغدِقُها في رسائلنا طويلة وقصيرة، مفرغة من معنىَ ثاوٍ بين كلماتها. وعندَ الختامِ أغتنم أسطرِي المتبقية، لأجددَ أملِي في إنسانيةٍ أخرَى لا تقتلُ فيها الشعوب لقاءَ الحفاظِ على الكرَاسي، وأعربَ عنْ حلمِي بوطنٍ لا يبكي فيه محروموه، فيقولُ الكثيرونَ إنها دموعُ تماسيح وكل شيءٍ على ما يرام ، كل عام وأنتم بخير. [email protected]