(الصورة مركبة :Telquel) "الملكية والإسلاميون في المغرب" عنوان أحدث الأعمال البحثية المغربية التي تشتغل على أحد ملفات الساحة في زمن أحداث "الربيع العربي/ الإسلامي" الذي جاء ببعض الحركات الإسلامية إلى سدة الحكم، أو ساعدها على المشاركة في تدبير الحكم، هنا أو هناك، وضمن هذه الحركات، "التوحيد والإصلاح" الإسلامية المغربية، الحليف الاستراتيجي لحزب "العدالة والتنمية"، أي الحزب الإسلامي الذي يقود حكومة "الربيع المغربي". العنوان الفرعي للكتاب وألفه الباحث عبد الإله سطي، يُلخص بامتياز فصوله وثناياه: "مقاربة لأليات الإدماج والإقصاء في النظام السياسي المغربي من خلال نموذجي: حزب العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان". (صدر الكتاب عن منشورات "وجهة نظر"، العدد 25، نونبر 2012، 192 صفحة من الحجم الصغير)، وجاء موزعا على مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، وجاءت عناوين الفصول كالتالي: محددات آليات الإدماج والإقصاء في النظام السياسي المغربي؛ السلطة السياسية وجماعة العدل والإحسان: تسخير آليات الإقصاء في مواجهة الصورة المتمردة؛ السلطة السياسية وحزب العدالة والتنمية: استثمار آليات الإدماج في احتواء الإسلاميين المعتدلين. وجب التذكير أن العمل لا يرتحل مع أدبيات حركة "التوحيد والإصلاح" وجماعة "العدل والإحسان"، في معرض "تأصيل" أو "شرعنة" خيار الانخراط في اللعبة السياسية أو مقاطعتها، وقد أكد الباحث في هذا الصدد، وتحديدا في ثنايا الفصل الثاني من الكتاب، والمخصص للترحال مع تسخير آليات الإقصاء في مواجهة الصوفية المتمردة (الإحالة هنا على جماعة "العدل والإحسان")، أنه يشتغل أساسا على طبيعة الصراع الذي يربط الجماعة بالسلطة السياسية ويربط السلطة السياسية بها، بمعنى فعل الجماعة في المجال السياسي ورد فعل السلطة حولها، ولا يشتغل على أدبيات الجماعة. (ص88)، مضيفا في مقام آخر، أن فهم خطاب الجماعة يستعصي إن تم فصله عن أدبيات الشريعة والفقه، حيث إن رسائل "النصيحة" أو مشروع "القومة" لها الجماعة مرجعيات في القرآن والسنة. (ص 99). مضامين الفصل الثاني (المخصص لتعامل السلطة مع جماعة "العدل والإحسان")، ومعها مضامين الفصل الثالث (المخصص لتعامل السلطة مع حزب "العدالة والتنمية"، وبالتالي حركة "التوحيد والإصلاح")، ليست أمرا مستجدا، لنقل أنها تُجسّد قراءة الباحث في قلاقل التضييق على هؤلاء وإدماج أولئك، اعتمادا على قراءات العديد من الباحثين المغاربة، ممن رسخوا أسماؤهم في هذا السياق، كمحمد ضريف ومحمد الطوزي ورشيد مقتدر..)، في حين تختلف الأمور مع مضامين الفصل الأول من الكتاب، لجدية المجهود النظري الذي تضمنه هذا الفصل، ويتضح ذلك من طبيعة الترحال مع محددات آليات الإدماج والإقصاء في النظام السياسي المغربي، وتفرع على مبحثين: آليات تقليدية (حقل إمارة المؤمنين، وحقل التحكيم)، وآليات حديثة (آليات معيارية وآليات سياسية). ومن مفاتيح هذا الفصل بالتحديد، تأكيد المؤلف أنه إذا كانت الآليات التقليدية التي يتأسس عليها سلوك الإقصاء والإدماج في النظام السياسي المغربي تتجلى من خلال إمارة المؤمنين وحقل التحكيم، فإن النظام السياسي المغربي يدمج هذه الأخيرة بآليات حديثة ومعاصرة تؤدي نفس الوظيفة تجاه المنافسين السياسيين، حيث مَكّن إبراز هذه الآليات في آليات معيارية دستورية وقانونية، ثم آليات أخرى سياسية تتمثل في قنوات الحوار والتراضي التي لجأت إليها السلطة السياسية في مخاطبة الفاعلين المنافسين لها، إضافة إلى آليات المشاركة السياسية التي تعبر القناة الأكثر أهمية لإبراز فعالية السلوك الإدماجي والإقصائي في إدارة الصراع السياسي. (ص 59). عصا الإقصاء وجزرة الإدماج يرى الباحث أن ثنائية الإدماج/ الإقصاء شكلت موضوعا هاما وتقليديا دائما في العلم السياسي الغربي، إذ تخترق هذه الثنائية، بشكل معلن أو مضمر، دراسة الأنظمة، منذ أرسطو مرورا بمكيافيل ووصولا إلى عصر الأنوار وما بعده. كما اكتست في السياق العربي الإسلامي غموضا كبيرا، تجلى في التمييز بين "الخاصة" و "العامة" إذ ليس من المؤكد دائما أن تتسم إحدى هاتين الفئتين بالهامشية، معتبرا أن مصطلح الإقصاء يُحيل في الفكر السياسي، حسب اجتهادات عالم الاجتماع البريطاني الكبير أنطوني غيدنز، إلى حرمان المرء أو إبعاده عن المشاركة في الأنشطة السياسية في المجتمع. وتشيع هذه الظاهرة في المجتمعات غير الديمقراطية التي لا تتاح فيها للناس الفرص الكافية لفهم القضايا السياسية المطروحة في المجتمع وإبداء رأيهم والإدلاء بصوتهم، معارضة أو موافقة، على المواقف والسياسات والأنشطة التي تمس حياتهم. كما أن الأفراد في هذه الحالة لا يستطيعون الاتصال بممثليهم المنتخبين أو المشاركة في العملية السياسية على مختلف مستوياتها للتعبير عن همومهم ومطالبهم. فيما يتعلق بمفهوم الإدماج، فالإشارة هنا إلى إدماج أشخاص من ثقافات مختلفة (الإدماج الثقافي)، أو من أجناس مختلفة (الإدماج العرقي)، أو من أعمار وأجيال مختلفة (الإدماج المتعدد الأجيال)، ويرتبط المصطلح أيضا بإدماج المعوقين في الأوساط المختلفة تربويا أو مهنيا ويدعى ذلك الإدماج الاجتماعي. ويشير مفهوم الإدماج أحيانا إلى إثراء نظام بضم عضو جديد إليه. ثم يوجد الإدماج الاقتصادي والسياسي الذي يتضمن مفهوم الإدماج من منظور فكرة التبعية بين مختلف العناصر المتبادلة التي تود إدماجها ويتم ذلك بإبراز النقط المشتركة. بين هذه العناصر والكشف عنها ومن ثم تمتين روابطها وتقريب بعضها لبعض، حتى يتم إدماجها في الحقل السياسي الرسمي، والسماح لها بخوض المنافسة السياسية من خلال المشاركة السياسية وفق الشرعية القانونية والمؤسساتية. من خلال هذين التحديدين يثار تساؤلين مركزيين: هل هناك لثنائية الإدماج والإقصاء السياسيين موقع في بنية النظام السياسي المغربي؟ وإذا كان كذلك ما هي طبيعة توصيفاتها في فضاء الأبحاث والدراسات الأكاديمية؟ ويضيف عبد الإله سطي أن النظام السياسي المغربي يحوز على آليات من خلالها يقيم سلوك سياسي تجاه القوى المضادة، تحكمه آليات تتسم بازدواجية المعايير بين الإدماج والإقصاء: الإدماج تجاه المكونات التي تقبل بشروط اللعبة السياسية، وبشرعية النظام السياسي؛ والإقصاء تجاه القوى التي لا تقبل بقواعد اللعبة السياسية، وتتمرد على شرعية النظام السياسي بل وتنافسه فيها. فرضيات الدراسة يُقدم الباحث أيضا فرضيات تنطلق من تحديد مميزات آليات الإدماج والإقصاء في النظام السياسي المغربي، ثم تقسيماتها وأشكال توظيفها. مع إبراز مدى توظيفها في إدارة الصراع السياسي مع المعارضة الإسلامية، من خلال نموذجي حزب "العدالة والتنمية" وجماعة "العدل والإحسان": تفيد الفرضية الأولى أن النظام السياسي المغربي يحوز على آليات للإدماج والإقصاء، تتوزع إلى آليات فكرانية (إيديولوجية) وأخرى قمعية وعنفية. توظيف هذه الآليات يأتي في إطار إدارة لصراع السياسي لصالح المؤسسة الملكية وشرعيتها الرسمية، تجاه مكونات تنظيمية تحاول أن تؤسس لنفسها حقولا مضادة للنظام؛ وتفيد الفرضية الثانية أن النظام السياسي في تصريفه للصراع السياسي مع المعارضة الإسلامية الصاعدة، وَظفَ الآليات الفكرانية والقمعية، لإدماج المكون الذي أبدى استعداداه بقبول قواعد اللعبة السياسية وشروطها، وتوزيع الأدوار بالشكل الذي يضمن التوازن السياسي لصالح المؤسسة الملكية. وواضح أن هذه الفرضية تقوم على كون السلطة السياسية تأخذ بازدواجية المعايير تجاه القوى المعارضة لها، بإدماج التي تقبل بممارسة اللعبة السياسية من داخل النظام، وفق الاعتراف بالشرعية السياسية والفكرانية للنظام. والإقصاء تجاه التي تفتتي على شرعية النظام و"لا تقبل بممارسة اللعبة من داخل النظام بل تمارس اللعبة على النظام" بتعبير عبد الله ساعف. نأتي إلى أهم خلاصات العمل، كما تضمنتها خاتمة الكتاب، ونوجزها كالتالي: يحوز النظام السياسي المغربي على مجموعة من الآليات، التي يدير بها الصراع السياسي تجاه الحقول المضادة لشرعيته، أو التي تحاول تشكيل حقول مضادة في ذات الإطار. وهذه الآليات تؤدي إلى التمييز بين مستويين في سلوك النظام السياسي: المستوى الأول: وهو السلوك الإقصائي الذي يطبع أشكال تعاطي السلطة السياسية مع التنظيمات الراديكالية، التي تشكل حقولا مضادة للشرعية التي يقوم عليها النظام السياسي، أما المستوى الثاني، فيتجلى في السلوك الإدماجي الذي تتخذه السلطة السياسية تجاه القوى التي كانت تشكل قوى مضادة، أو تحاول تشكيل تنظيمات تنافس الشرعية الرسمية للنظام. بيد أنها تبدي اعترافا بالثوابت الأساسية للنظام، وتبدي استعدادا للعمل تحت الشرعية القانونية والمؤسساتية للنظام. خلاصات أولية يخلُص الباحث أيضا إلى أن النظام السياسي المغربي في خضم الصراع السياسي الذي دار في تاريخ المغرب منذ الاستقلال، صنع لنفسه آليات محصنة تجاه القوى والنخب المضادة له، سواء من معارضة الحركة الوطنية، التي آل بها المآل إلى الاندماج في الحقل الرسمي، أو القوى الصاعدة من معارضة الحركة الإسلامية، التي حاولت هذه الدراسة أن تتخذها كنموذج لمقاربة آليات الإدماج والإقصاء الذي يطبع سلوك السلطة السياسية تجاه منافسيها السياسيين، والتي تؤدي إلى الخروج بنتيجتين: النتيجة الأولى: أن تفعيل آليات الإقصاء تجاه "جماعة العدل والإحسان"، جاء كرد فعل على حسابات وتصورات الجماعة تجاه السلطة السياسية، والتي تقوم في أصولها على خلق حقل مضاد يعكس فكرانية النظام، بل ينازعها ويسحب عنها شرعيتها، مما يستدعي زحفا تربويا تكون وجهته نحو تحقيق "القومة"، التي ترى فيها الجماعة "المنهج والخلاص من نير التخلف والاستبداد الذي تقبع فيه البلاد". مميزات سلوك الإقصاء تجاه الجماعة، طبعته تسخير الآليات الفكرانية التي تجعل من "أمير المؤمنين" ذي النسب الشريف، المالك الوحيد في الجمع بين الدين والسياسة، وضبط الحقل الديني وهيكلته، بالشكل الذي لا يسمح بأي جهة أخرى من منافستها فيها أو توظيفها كآلية للتعبئة ضدها، وإلى جانب الآليات الفكرانية، وَظفت السلطة السياسية الأسلوب القمعي تجاه الجماعة، حتى تحد من قدرتها على الامتداد وخلق القواعد التعبوية، مما قد يزيد في قوة الجماعة واكتساحها للمشهد العام برمته. النتيجة الثانية: أن تفعيل آليات الإدماج من طرف السلطة السياسية تجاه نخب "حزب العدالة والتنمية"، رغم أنها تنهل من ذات المرجعية الدينية للمؤسسة الملكية، جاء في سياقات ذاتية وموضوعية، مغايرة للسياق الذاتي والموضوعي الذي جاءت فيه وبه "جماعة العدل والإحسان"، حيث ستقوم السلطة السياسية في مقاربتها لهذا السياق بتوظيف آليات الإدماج بشكليها الفكراني (الإيديولوجي) والرمزي. فدخول حزب "العدالة والتنمية" للحقل السياسي الرسمي، خضع لصيرورة طبعتها مجموعة من الاختبارات والضغوطات، حتى التيقن من "إيمان" نخبته بالثوابت الرسمية، واستعدادها التام بقبول الشرعية الدينية والسياسية للمؤسسة الملكية، والالتزام بعدم منافستها أو تشكيل حقول مضادة لها. وهكذا كان ولوج حقل المنافسة السياسية الرسمية للحزب، عبر قناة "عبد الكريم الخطيب" أحد أبرز المقربين إلى القصر، [ومعه إدريس البصري، وزير الداخلية الأسبق]، ولو أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أن صانعي القرار لا يرغبون في الكشف عن بعض تفاصيل حقبة ما قبل إدماج إسلاميي "التوحيد والإصلاح" في اللعبة السياسية، وذلك لاعتبارات عدة، منها استحقاقات توظيف حزب "العدالة والتنمية" في تغذية حالة "الاستثناء المغربي" في أحداث "الربيع العربي"، تقاطعا للمفارقة التاريخية، مع انخراط إسلاميي المؤسسة في تفعيل مقتضيات أثر صوفي شهير جاء فيه أن "حُب السلطة آخر ما يُنزع من قلب المريد". ولا بد أن نأخذ بعين الاعتبار أيضا أن إكراهات الساحة المغربية، تطلبت صرف النظر عن بعض المعطيات المؤرقة التي مَيّزت الاستحقاقات الانتخابية ليوم 25 نونبر 2011، بشكل جعل من نتائج هذه الاستحقاقات مفاجأة حتى لأكثر المتفائلين في الحزب الإسلامي، تماما كما تطلبت معطيات الساحة عدم الكشف عن بعض تفاصيل الانتخابات الجزئية الأخيرة التي عرفتها طنجة ومراكش (4 أكتوبر 2012)، تعيد الأوضاع إلى نصابها بخصوص طبيعة مشروع حركات "الإسلام السياسي البراغماتي" ومعالم "الاشتباك" معه مؤسساتيا.. ومعطيات أخرى، ليس هذا زمن التفصيل فيها، فلكل مقام مقال، ومقام اليوم، يتطلب التنويه بأحدث الدراسات التي تتطرق لملف الحركات والأحزاب الإسلامية في الساحة المغربية، بقلم الباحث عبد الإله سطي.