1) لا يجادل اثنان في أنّ الميزانية السنوية التي تُخصّص للقصر الملكي ضمن الميزانية العامة للدولة مرتفعة جدا، ويتجلى ذلك بوضوح أكبر عندما نقارن هذه الميزانية الضخمة بميزانيات القصور الملكية في البلدان الديمقراطية المتقدمة (إسبانيا نموذجا)؛ ففي جارتنا الشمالية، لا تتعدى الميزانية السنوية المخصصة للقصر الملكي 10 ملايين أورو، ما يعادل تقريا 11 مليار سنتيم، بينما تصل ميزانية القصر الملكي عندنا إلى ما يزيد على 257 مليار سنتيم، أيْ أنّ مجموع الميزانيات التي تخصص للقصر الملكي الاسباني على مدى 25 سنة (ربع قرن)، يستهلكها القصر الملكي المغربي في ظرف سنة واحدة فقط! 2) الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، بل يمكن أن نقارن أيضا بين الراتب السنوي الذي يستفيد منه الملك محمد السادس مع الراتب السنوي المخصص للعاهل الاسباني خوان كارلوس، هذا الأخير لا يتعدّى مرتّبه السنوي 272 ألف أورو (ما يقارب 300 مليون سنتيم)، بينما يصل الراتب السنوي للملك محمد السادس إلى 600 مليون سنتيم، أي ضعفَ راتب العاهل الاسباني، رغم أن الناتج الداخلي الخام لاسبانيا، كما اقتصادها، رغم الأزمة، لا يمكن مقارنتهما بالناتج الداخلي للمغرب، لذلك فالذي كان يجب أن يحصل هو أن تكون ميزانية القصر الملكي عندنا أقلّ من الميزانية المخصصة للقصر الملكي الاسباني، وليس العكس. 3) عندما نعقد هذه المقارنة البسيطة، بين ميزانية القصر الملكي عندنا، وميزانية القصر الملكي الإسباني، نصل إلى خلاصة واحدة، وهي أن الميزانية التي تخصصها الحكومة للبلاط الملكي مرتفعة جدا، خصوصا في هذه الظرفية الاقتصادية الصعبة التي يجتازها المغرب، والتي جعلت السيد عبد الإله بن كيران يدعو وزراء حكومته إلى نهج سياسة التقشف في المصاريف، وهذا جميل، لكن المثير للدهشة والاستغراب هو أنه في الوقت الذي يدعو فيه رئيس الحكومة إلى نهج سياسة التقشف نجد أنّ ميزانية القصر الملكي قد ارتفعت في القانون المالي لسنة 2013 بأكثر من سبعة ملايير! وهذا لا ينسجم أبدا مع قدرات بلد قال تقرير صادر عن منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" مؤخرا، بأنّ مليونين من سكانه مهددون بالجوع. 4) لهذه الأسباب وغيرها، خرجت عدّة أصوات تنادي بضرورة وضع ميزانية القصر الملكي تحت مجهر النقاش العمومي، ما دام أن الأمر يتعلق في نهاية المطاف بالمال العامّ، وهو مطلب لا يستطيع أحد أن ينكر مشروعيته. الداعون إلى عرض ميزانية القصر للنقاش العمومي ليسوا من المعارضين فقط، بل هناك أصوات من داخل حزب العدالة والتنمية، الذي يقود الحكومة، تدعو بدورها إلى ذلك، مثل السيد عبد العزيز أفتاتي، الذي دعا في تصريحات صحفية إلى "التطبيع مع نقاشات كتلك التي تهم ميزانية القصر بكل هدوء وفي إطار الاحترام والتوقير للمؤسسات بما فيها المؤسسة الملكية"، لكن يبدو أنّ الدولة لا رغبة لديها في فتح أي نقاش حول هذا الموضوع، وتفضل أن تمرّ ميزانية القصر في البرلمان بالإجماع، والدليل على ذلك هو أنها، أي الدولة، لم تجد من حلّ للتعامل مع بعض نشطاء حركة 20 فبراير، أثناء الوقفة التي كانوا يعتزمون القيام بها أمام البرلمان للمطالبة بتخفيض ميزانية القصر سوى نهج سياسية "دْوي ترعف"! 5) أين يكمن المشكل إذن؟ المشكل الأكبر يكمن في كون الدولة تتعامل مع الشعب بتناقض قاتل، فهم يريدون إيهامنا بأننا نعيش في دولة المؤسسات، في الوقت الذي لا يستطيع فيه البرلمان حتى مناقشة ميزانية القصر، فأيّ دولة مؤسسات هذه؟ ونسمع أن السيد رئيس الحكومة ينادي بنهج سياسة التقشف فيما ميزانية القصر ترتفع بالملايير وليس الملايين، وعندما يطالب الناس بمناقشة هذه الميزانية تلجأ الدولة إلى العنف والقمع. هل هذا يعني أن ميزانية القصر الملكي مقدّسة؟ ليس هناك ما يثبت ذلك، لا في الدستور ولا في قوانين البلاد، ما دام أن ّ الدستور الجديد نزع القداسة عن الملك شخصيا، فكيف تكون ميزانية القصر مقدّسة؟ ورغم أن ميزانية القصر ليست مقدسة، إلا أنه لا أمل في عرضها للمناقشة قبل المصادقة عليها في البرلمان، لسببين، الأول وهو أن البرلمان المغربي لم يكتسب بعد الجرأة على التطرق لمثل هذه القضايا ومناقشتها، والسبب الثاني هو أنّ حزب العدالة والتنمية، الذي كان كثير من المغاربة يعوّلون عليه لرمي الحجارة في بعض البرك الراكدة، صار مثل سائر الأحزاب، بعدما فضّل أمينه العامّ، أن يظلّ عدد من الصلاحيات التي خوّلها له الدستور مجرّد حبر على ورق! [email protected]