تنبيه منظمة "هيومن رايتس ووتش" إلى وضعية مأساوية تعيشها خادمات البيوت بالمغرب، ممن تقل أعمارهنَّ عن الثامنة عشرة، لا ينبغي أنْ يمرَّ مرور الكرام إن كانَ هناك حقاًّ وعيٌ بقيمة النائشة بالنسبة إلى مستقبل البلاد، فستة وستون ألف سجينة في بيوت الرق، ليسَ بالرقم العادي، ويحيل إلى ظاهرة، متجذرة، ومتمكنة من عقلية وممارسات المغاربة؛ التي لا ترى في طفل الابتدائي سوى رجلاً ذا ساعدين يستطيع إعالة والديه، ولا تنظر إلى فتاة لا زالت تعشق الدمَى إلا زوجة وربة بيت، يمن عليها رجلٌ ما بالستر خشية أن تخلف موعدها مع القطار. لا زالَ الجميعُ يذكرُ، كيفَ أقيمت الدنيا ولم تقعَدْ حينَ خاطب وزير التعليم محمد الوفا، طفلة بمراكش ناصحاً إياها بالزواج، واعتبر كلام المسؤول وقتئذ مساساً خطيراً بالحق في التعليم، بل وصلَ الجدل إلى قبة البرلمان، وكبريات الصحف العالمية، لكنَّ الفضيحة التي فجرتها "هيومن رايتس ووتش" مؤخراً، ستخمد نارها سريعاً، لأن المسألة لا تتعلق بوزير، بل بعائلات مغربية كثيرة، تجدَ من بين أفرادها الحقوقي والمحامي، لكنَّك تجدُ في بيوتها أيضاً طفلةً من المغرب العميق، جارَ عليها الزمان، فسيقت إلى بيوت المهانة، حيثُ العملُ من فجر اليوم إلى مسائه، مقابل أجرٍ زهيد، يمرُّ عبرَ يد السمسار إلى يدِ إنسان سمي مجازاً بالأب. حين نطق الوفا ولامهُ الناس، نسوا أو ربما تناسوا أنه يعبِّرُ عن نسقٍ ثقافي قائم ومتجذر، لا يعتبرُ الطفولة مرحلةً للتحصيل المعرفي والتربية بقدرِ ما يرى الصغير مؤهلا لدخول غمار الحياة، بمجرد ارتفاع طوله قليلا، وبروز قدرته على القيام ببعض الأشغال، وكثرٌ هم في بلدنا للأسف، من يسلبون الطفولةَ حقَّها بما يعتنقون من أفكار ويأتون من ممارسات. الكثيرون يقترحونَ من باب السعي إلى حل المعضلة، تطبيق القانونِ بصرامة معَ كلِّ من يتم ضبطه متورطاً في تشغيل طفلة لم تبلغ بعدُ سنَّ الرشد، وإنْ كانَ النداء ذا مشروعية كبيرة في أنْ يطْلَقْ، سيمَا أنّ متاجرة قذرة تتمُّ في صغيرات الوطن كما لو كنَّ سلعةً من السلع، إلَّا أنَّ السؤال ما ينفكُّ يطرحُ نفسه على عجل؛ هل تكفِي الصرامة في العقاب لاستئصال الظاهرة وقطع دابرهَا؟ أمْ أنَّ أسباباً أخرى تعقِّدُ الحيلولة دونَ استمرارهَا؟ الإجابة عن السؤال تبدو جد معقدة، فإن أردتَ أن تمنعَ أبًا من تشغيل طفلته ملزماً إياهُ بإرسالها إلى المدرسة، فإن عليكَ أنِ توفر له أدنَى شروط العيش الكريم، لأنَّ الكثير من المناطق المصدرة لخادامات البيوت تعاني فقراً مدقعاً، ويظطرها العوز مشفوعاً بالجهل إلى الزجِّ بفلذات أكبداها في غياهب المجهول، وإنْ نحنُ لمنَا تلكَ الأسر على التمادي في الإنجاب إلى درجة بلوغ عدد أبنائها نصاب تشكيل فريق كرة قدم، برزَ إشكال التوعية الصحية وضعف التحسيس بأهمية تنظيم الأسرة، كمَا لا ينبغي أن ننسى دوري الثقافة والدين في هذا المنحى. مغربنَا الذي نعيشُ فيه معاً مغربان في الحقيقة بالنسبة إلى أطفالنا؛ مغربُ ناعم معَ أبنائه المدللين، الذينَ ولدوا بملاعق من ذهب في أفواههم ، فوجدُوا الحدائق والبوكيمون، والسيارات الفارهة تقلهم كلَّ صيفٍ إلى شواطئ الوطن للاستجمام بالعطلة. كمَا أنَّ هناكَ مغرباً قاسِياً مع صغارٍ لم يكن لهم من الطفولة سوى الاِسم، ولدوا وقطعان الغنم تنتظرُهم في الحقول، وأقدامهم المتشققة تنتعل حيلاً مطاطية بائسة، أمَّا المدرسة فردحٌ من الوقت في فصول مهدمة البنيان، وحينَ يشتدُ عودهم، يكون المصيرُ إمَّا زواجاً في عمر الزهور، أو هجرةً إلى المدينة، حيثُ العمل في بيوت الأسياد، واستيقاظ ابنة المغرب القاسي مع السابعة صباحاً، كي تعد الفطور لابنة المغرب الناعم قبل ذهابها إلى المدرسة، لأن الطفولة طفولتان والمغرب مغربان؟