نبكي، ونحن نتابع نشرات الأخبار عبر الفضائيات.. نتألم ونحن نرى جثث أطفال ونساء وأطفال مُتناثرة هنا وهناك تبث وقت الغذاء أو العشاء.. قد نُعلق على هذه المشاهد المؤلمة، لكن أبدا لا نتوقف عن مضغ الطعام بتلذذ.. قد لا تهزنا دائما فظاعتها، وفي اليوم الموالي نسأل بعضنا: هل سمعت الخبر؟ وكأننا نتبادل التهاني.. قبل ستة أيام، ضربت قوات الجيش الصهيوني قطاع غزة، يمنة ويسرة، لتنطلق بعدها فصول مسرحية مكرورة، ردود الفعل الدولية المتأرجحة بين الكلاسيكي والداعم للكيان الصهيويني. فهذا "بان كي مون"، الأمين العام للأمم المتحدة يدعو إلى "ضبط النفس"، واوباما "عن كثب" يراقب ما يجري في فلسطين، ويؤكد البيت الأبيض حق "إسرائيل" في "الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب"، وهو ما تدعمه دائما بريطانيا. بيانات وبلاغات من هنا وهناك، من مجموعة من المنظمات الدولية والمحلية، تندد بالعدوان الغاشم، وتدعو إلى حقن الدماء . وبين هذا وذاك، نُخرج "الميكافوانات"، ونخرج معها في مسيرات حاشدة وتظاهرات احتجاجية "صوتية"، لترديد الشعارات طبعا. وفي المساء نعود سالمين غانمين، كعودتنا من أي جنازة، بينما تظل غزة تغرق في برك من الدماء البريئة. قبل ثلاث سنوات في عام 2009 شن الكيان الصهيوني عدوان "الرصاص المسكوب" على القطاع أدى إلى استشهاد وإصابة أكثر من 5 آلاف فلسطيني، وسط إقفال لمعبر رفح من قبل نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك أدى إلى تفاقم الأوضاع في القطاع. واليوم تتكرر نفس المأساة، ولا أدري، هل هي صدفة أن تطلع علينا بعد بث الخبر الأليم مُذيعة بإحدى القنوات التلفزيونية، تقول في غنج بأنه عندما يضحك الإنسان تتحرك فيه 17 عضلة على مستوى الوجه، و80 عضلة على مستوى الجسم بأكمله وتزداد سرعة تنفسه، وتخلص إلى أن "الضحك" تمرين رياضي، وغيرها من النصائح الطبية "الوجيهة جدا". أليست هذه هي "الفْقْصَة" بشحمها ولحمها، التي سيموت بسببها المواطن من الرباط إلى جاكرتا، وفي نفسه شيء من (إلى متى؟) ، مثلما قضى عميد اللغة العربية "سيبويه"، وفي نفسه شيء من (حتى)، نحن كذلك سنموت وفي نفوسنا شيء من " متى تعود فلسطين إلى أصحابها؟". لنترك الموت جانبا، ولنتحدث عن الحياة، فهناك في الدار الآخرة سوف يقف الجميع في يوم الحساب أمام الله عز وجل، حيث لا فرق بين عربي أوعجمي أو أسود أو أبيض أو غني أو فقير أو حاكم أو محكوم إلا بالتقوى.. ونحن نتحدث عن الحياة، اقترح ان نتبع نصائح تلك المذيعة، فنتحدث عن الضحك ألست "كثرة الهم تَضّحك ؟ على الأقل لكي لا نموت بالغدايد، بل نموت ونحن نستلقي على أقفيتنا بالضحك، فقد يكون ذلك قمة "المعقول". إنها السخرية السوداء، التي نحن في حاجة إليها، لأننا في أزمة حضارية عميقة جدا، ولا نعرف مع الأسف الشديد أننا تغرق فيها مثلما تغرق غزة في دماء شهدائها.. فلنضحك، ولكن دون زيادة فيه، حتى لا يقع لنا ما وقع لذلك الفنان الإغريقي "زويكس" الذي رسم لوحة لعنقود، فجاءت العصافير تنقر العنب فأسعده ذلك، لأن تلك الكائنات لم تفرق بين الفن والطبيعة، ثم رسم لوحة لشخص يضحك، فبدأ يضحك، ويضحك...، حتى "دا مول الأمانة أمانتو".. اضحكوا رحمكم الله، فالضحك يطيل العمر، كما تقول لنا تلك المُذيعة التي تستطيع بث الأخبار المحزنة والسعيدة في نفس الوقت دون أن تتورد وجنتاها خجلا، فهما محمرتان بالماكياج قبل أن تدخل الى بلاطو الاخبار..اضحكوا وموتوا بالضحك.. فإن شر البلية ما يضحك.. ملحوظة لا بد منها : عندما أتحدث بهذه الطريقة، أؤكد للذين يسيؤون فهمي خطأ، بأنه ليس لدي أي موقف من المسيرات الاحتجاجية، فقط أدعو إلى وضع مثل هذه الأشكال الاحتجاجية تحت مشرحة النقد الذاتي، لنعمل على تطوير وسائل دعم القضية الفلسطينية طيلة العام، وليس عند حدوث أي عدوان.. أخاف أن نتحول إلى مجرد "ميغافون". [email protected]