المخزن فعل.. المخزن لم يفعل. المخزن متهم.. المخزن بريء. المخزن ارحل.. المخزن ابق. المخزن هو الأمن.. المخزن هو مصدر الرعب. المخزن هو الدولة.. المخزن عبء على الدولة. المخزن هو السلطة.. المخزن ثقافة. المخزن مات.. المخزن حي لا يموت... لا توجد كلمة سحرية أكثر إغواء في القاموس السياسي والحزبي والأكاديمي المغربي مثل مصطلح المخزن. الجميع يستعمله، لكن لا أحد قادر على الإمساك به، وتعريفه وحصر رقعة وجوده، وأخذ بصمات يديه ورجليه. إنها كلمة يرددها المعارض والموالي. رجل الدولة وابن الشعب. اليساري والإسلامي. مغني الراب والباحث الجامعي. مصطلح يتردد صداه في البادية والمدينة، لكن لكل «مخزنه». المخزن في البادية هو القانون وسلطة الدولة والقضاء والدرك. المخزن في المدينة هو البوليس والقوات المساعدة التي تطارد الباعة المتجولين. المخزن في في حكايات الجدات والأمثال الشعبية قرين بالبحر والنار وجب القرار منه واتقاء لعنته، والمخزن في عرف السياسيين هو القصر وما يحيط به من مدنيين وعسكريين، وشبكة العلاقات المعقدة التي تحرس تركيبة السلطة حتى تبقى يد الملكية هي العليا، ويد ما دونها هي السفلى. المخزن، في تعريف الباحثين في الجامعة، هو الموروث السلطوي والثقافي والبروتوكولي القادم مع الدولة المغربية منذ كانت «تخزن» المؤن وقوت العيش في مخازن تسيطر عليها، وتعيد توزيعهما على الأهالي بما يخدم هيبتها وسلطتها، والمخزن هو الجغرافيا التي يحكمها السلطان، والسيبة هي الجغرافيا التي تمردت على نفوذه، وصارت خارج الحكم، ولهذا فإن السلطان يجهد لطلبها إلى بيت الطاعة بكل وسيلة في يده. في الاقتصاد، المخزن هو إرادة السلطة في التحكم بعالم «البزنس»، فالبعض ينظر إلى هذا المخزن بعين الرضا لأنه سبب ثرائه المشروع أو غير المشروع، والبعض يرى فيه نبتة سامة تقتل المنافسة وتمس باقتصاد السوق. في الإعلام، المخزن هو تلفزات الدولة التي تصرف خطاب الدعاية للسلطة.. هو الصحافي الشهير مصطفى العلوي، الذي يصدح بقوافي الولاء والبيعة والرفاهية وأمطار الخير، ومعجزات المغرب، وخليفة رسول الله، وممثل السماء في الأرض. المخزن في الإعلام كذلك هو الخطوط الحمراء التي تسيج حرية الرأي والتعبير. المخزن في القضاء هو التعليمات التي تعطى لبعض القضاة في الملفات الحساسة. هو تركيبة وزارة العدل التي يوجد فيها وزير يتعايش مع عدة «وزراء» في البناية نفسها، لكن، في الوقت ذاته، المخزن هو سلطة العفو «الرحيمة» التي تصلح أخطاء الأحكام، والتي تخرج المسجونين من الزنازين إلى أرض الله الواسعة... المخزن في الحكومة هو وزارة الداخلية وملحقاتها الأمنية. هو وزارة الخارجية وعلبتها الدبلوماسية المغلقة. هو وزارة الأوقاف ودورها في تثبيت الشرعية الدينية. هو الأمانة العامة للحكومة، ودورها في الرقابة على الإنتاج القانوني... يمكن، والحالة هذه، أن نرسم المخزن بالأسود والأبيض. استعمالات لفظة المخزن ليست كلها سيئة، بل في بعض الأحيان تسعف المتكلم بخدمة جليلة لانتقاد الدولة والسلطة دون مغامرة... لعقود كثيرة، كانت أحزاب المعارضة لا تستعمل، في كل خطاباتها، إلا لفظة «مخزن» لتفادي الاحتكاك بالقصر، وكان الملك يفهمها وكانت هي تفهمه... المخزن هو الوجه التقليدي للدولة والمجتمع. هو المرآة التي نرى فيها ضعف المؤسسات وضبابية القرارات، وتداخل الصلاحيات، وتعايش الدستور المكتوب مع الدستور غير المكتوب... ومادامت كلمة المخزن بكل استعمالاتها لم ترحل عن لغتنا فإن الحداثة لن ينبت لها غصن في شجرتنا. يوم كان محمد اليازغي، الكاتب الأول الأسبق للاتحاد الاشتراكي، منتشيا بالمشاركة في حكومة اليوسفي بعد وفاة الملك الراحل الحسن الثاني، أعلن في التلفزة أن المخزن مات، وكان يقصد بالمخزن الملك الذي حكم 38 سنة. اليوم مازال ابن عم الملك وابن شقيق الحسن الثاني مولاي هشام يدعو المخزن إلى الرحيل حتى تبقى الملكية في أمان... من نصدق؟