"صاحبت اعتلاء محمد السادس العرش عام 1999 انتظارات كبرى. كان هناك شعور بربيع مغربي. كان شابا وله طبع مختلف عن والده وصورة مغايرة له (....) ولكن سرعان ما واجهت الملك الجديد تحدياتٌ لم يكن الجواب عنها سهلا. في التطبيق العملي في وظيفته كملك، ظهر أنه أكثر شبها بأبيه". هذا ما جاء في كتاب "تاريخ المغرب" الذي صدر مؤخرا في طبعته الثالثة. جديد هو كتاب شامل وضع في الأساس لتلامذة التعليم المتوسط قبل أن يتحول إلى مرجع لا غنى عنه لأبناء الجالية المغربية الذين يتطلعون لمعرفة المزيد عن وطن آبائهم الأصلي. "عندما ظهرت الطبعات السابقة تلقيت تعليقات مشجعة. كثير من الهولنديين المغاربة لا يعرفون سوى النزر اليسير عن تاريخ بلاد آبائهم"، يؤكد المؤرخ هيرمان أوبداين المشارك في تأليف الكتاب، في اتصال مع إذاعة هولندا العالمية. جديد الكتاب في طبعته الثالثة هو الأهمية التي أولاها للتطورات الأخيرة التي عرفها المغرب وخاصة بعد وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي لرئاسة الحكومة، بالإضافة لفصل كامل خصص لفترة حكم محمد السادس. ويضيف هيرمان أوبداين الذي يعد واحدا من المتابعين الجيدين للتطورات في المغرب متحدثا عن جديد الطبعة الثالثة: "الجديد هو الفصول المتعلقة بمحمد السادس وعن الدياسبورا المغربية فضلا عن أجزاء كثيرة عن علاقة المغرب بالعالم الخارجي وفصل آخر عن الوضعية السياسية والاقتصادية". اغتنى الكتاب بما يربو عن 100 صورة إضافية وخارطة توضيحية وزعت على صفحاته التي وصلت 280 صفحة من القطع الكبير. وبما أن الجالية المغربية القاطنة في هولندا ينحدر معظمها من منطقة الريف، فقد أولى الكتاب أهمية خاصة لشرح وضعية "البربر" (الأمازيغ) في ظل تنامي مد الإسلام السياسي في المغرب، بحسب أوبداين. نظرة غير مغربية يتوجه الكتاب الذي صدر لأول مرة عام 1998 لمدارس التعليم المتوسط من أجل التعريف ب "تاريخ بلدان الهجرة" نحو هولندا وتوفير المعلومات الأساسية حول تلك البلدان. غير أنه سرعان ما تحول إلى مرجع بالنسبة لعدد كبير من أبناء الجالية المغربية المتعطشين لمعرفة المزيد عن بلدهم الأصلي خاصة وأنه نشر باللغة الهولندية التي يجيدونها كلغة أولى. ظهرت الطبعة الثانية عام 2002 بعد ثلاث سنوات من اعتلاء محمد السادس العرش، وهو الحدث الذي تطرق له الكتاب آنذاك باقتضاب شديد وكثير من التفاؤل بدخول المغرب عهدا جديدا يخالف عهد الحسن الثاني. ولكن بعد هبوب رياح "الربيع العربي" والتغييرات التي شهدتها المنطقة ووصول حزب إسلامي لقيادة الحكومة المغربية ارتأى مؤلفو الكتاب إلى العودة بتفصيل أكبر لهذه التطورات. ومع أن الكتاب يتبنى أسلوبا عاما يتفادى التفاصيل والقضايا الخلافية، إلا أنه يتلقى أيضا أصداء انتقادية من مغاربة هولندا وخاصة في ما يتعلق بالنظرة "غير المغربية" للأحداث. "في الطبعة الحالية أدرجت كثيرا من الرؤى الجديدة من زاوية نظر مغربية"، يوضح السيد أوبداين. طبعة عربية لا ينوي المشرفون على هذا المشروع نقل مضمون الكتاب إلى اللغة العربية. "في المغرب هناك ما يكفي من الكتب باللغتين العربية والفرنسية"، يقول أوبداين مضيفا أن هناك اهتماما بالكتاب في بلجيكا حيث تم عرضه في المعرض الأخير للكتاب. وفي جواب حول ما إذا جرت اتصالات بالسلطات المغربية خلال إعداد الكتاب سواء في طبعاته السابقة أو الطبعة الجديدة، أكد أوبداين أنه ليست هناك أية اتصالات مع "المؤسسات المغربية الرسمية"، وإنما مع مؤسسات وجمعيات "غير رسمية" بهدف التعريف بالكتاب. يعتقد أوبداين أن هذا الكتاب يسهم في تعريف مغاربة هولندا من الجيل الثاني والثالث على "غنى تاريخ آبائهم" كما إنه يقول للهولنديين إن "للمغرب تاريخا رائعا". صدر الكتاب عن دار نشر بولاق في أمستردام ودار نشر إيبو في أنفيرس (انتوورب) ببلجيكا. فضلا عن الدكتور هيرمان أوبداين (1938) الذي عمل أستاذا لتاريخ شمال إفريقيا في جامعة ليدن من 1985 إلى سنة تقاعده عام 2003، شارك أيضا في تأليف الكتاب باولو دو ماس (1948) المختص في الجغرافية البشرية وفي تاريخ الهجرة وخاصة من المغرب وبلدان شمال إفريقيا نحو هولندا، كما عمل ملحقا ثقافيا في السفارة الهولندية في المغرب ومديرا للمؤسسة الهولندية في الرباط ما بين 2006 إلى 2009. ويشغل الآن منصب مدير مؤسسة المغرب في لاهاي، وقد سبق أن عمل ضمن فريق من الباحثين – مغاربة وأجانب – تحت إشراف الباحث المغربي الفرنسي المعروف بول باسكون. *ينشر بالاتفاق مع إذاعة هولندا العالمية