ربما أن كل واحد منا يقطن بداخله جلاد لا يجد راحته إلا في مص دماء إخوته لازال صدى صيحات العربي باطما يتردد بين الاحياء والازقة والمداشر والقرى والمدن المغربية "" ما انا وحداني ما انا براني أنا مواطن والسمطة عليا والجنوي ماضي يجرح يديا كناية عن الحرمان والفقر والاحتياج ، والظلم والاستبداد في مغرب ووطن الأمس . مغرب الأمس هو نفسه مغرب اليوم، إلا أنه بأشخاص وصباغة وألوان وأشكال مختلفة، فلا جديد تحت شمس المغرب. بالأمس كان سوط الجلاد قاسيا، وطعنات سكينه الحاد أكثر غدرا، إلا أن جيل ذلك العهد كان أكثر تضحية وعطاء وعناقا للوطن، والجميل هو أن الكل كان يحلم بغد أفضل، وبأنهم يوما ما سيستيقظون على شمس وطن جديد، لا مكان فيه للجلاد، يكون الناس فيه سواء في الواجبات والحقوق، ويتحسن فيه حال الفقراء وينعمون بالرخاء ولو لبضعة أيام ، ويتم تعويض العمال عن زهرة حياتهم بعد مسح عرق جبينهم اعترافا لهم بالجميل، وتتم العناية بالفلاح، ويحظى الفنان والمثقف بالمكانة اللائقة، وبعبارة أدق يصبح الناس فيه أحرارا، بدل أن يكونوا رعايا وخداما وعبيدا، فمن أجل كل هذا ضحى الناس بأموالهم وأجسادهم وأرواحهم، واختفى الكثير من مجهولي المصير المفقودين فلم ينفع النبش في الأوراق السرية المبعثرة داخل دهاليز مخافر الشرطة، ولا النبش قي التراب، قصد العثور على أثر من آثارهم أو عظم من عظامهم . بكل الأسى و الأسف، اختفى مع هؤلاء الوطن، والحلم بالوطن ، فقدر أجدادنا هو أن يحملوا البندقية في وجه المعمر ويعفروا وجوههم في التراب من أجل هذا الوطن ، ليسرقه منهم الجلاد ، هكذا نحن اليوم مواطنون لكن بدون وطن ، لعنة الله عليك ياوطني مادمت على هذه الحال، اجتمع فيك النقيضان رغم أنف أرسطو، أحبك وأكرهك في الوقت ذاته . مع الأسف استيقظ الناس على وطن اتسعت فيه دائرة السلب والنهب وكل أشكال الرشوة والزبونية والمحسوبية والمكر والاحتيال وضيق لقمة العيش، لاحلم لدينا اليوم إلا مفارقة هذا الوطن بدل المكوث فيه، فمن الطبيعي أن تكون أجسادنا هدية لأسماك البحر الأبيض المتوسط، في الطريق الى الفردوس الأوربي، لم تعد لدينا ملكية في هذا البلد ،الأرض بما فيها ملك لهم، البحر والشاطئ كذلك، فعلينا أن نكسر أشرعتنا الصغيرة، يوما ما سنأدي الضريبة على إنارة الشمس المشرقة رغم ظلمة الدروب والأزقة التي نحن فيها ، وربما نؤدي الضريبة على الأكسجين رغم تلوث أحيائنا، حتى الموت ليس من حقنا أن نموت موتة طبيعية مريحة والطبيب الى جانبنا، ليس من حقنا العلاج فالدواء بأيديهم، وفي أحلك و أسوء الأحوال نفقد أحبة لنا ، موتى تحت ركام و أوراش البناء المنهارة ، أو داخل نيران المصانع، المهم عندهم هو أن نموت أما السبب فلا يهم، أطفالنا مدرستهم هي تجارب ومعاناة الزمن، أما أن يتلقوا دروسهم بنوع من العناية والاهتمام فهذا أمر غير متوقع ، ومن كان نصيبه استكمال الدراسة فقدره المحتوم هو هراوات المخزن داخل الجامعة وخارجها . لا أدري لماذا يكره المخزن الجامعة والعلم والمعرفة كرها خبيثا، فهي آخر ما يفكر فيه، المراقص والحانات الليلية ربما أفضل عنده من مراكز العلم والمعرفة، ولهذا تجده يعبد لها الطرق ويوفر لها الخدمات الخاصة وغير ذلك . شيء واحد نملكه هو الفقر لا أحد ينافسنا فيه ، وحتى هو الآخر لم يتركوه بريئا بل جعلوا منه محورا أساسيا لأيديولوجياتهم وسياساتهم الكاذبة ، وأصبحت له مكانة وقيمة عالية، قصد محاربته وإجلائه، والحقيقة هي محاربة وإجلاء الفقراء، أمر غريب بأن يزداد الاغنياء غنا و المحتاجون تعاسة ، تحت شعار مكافحة الفقر، نعم الفقر بدوره أنواع وأشكال، فقر من حيث الأشياء والاحتياجات، فقر المبادرة والتفكير والعزيمة والإرادة، فقر من حيث الرؤيا والاستراتيجيا وبعد النظر، فقر في التسيير وتدبير الشأن العام، فقر في الإحساس والضمير واستحضار محن الآخرين، الكل فقير، الضحية والجلاد ، الحاكم والمحكوم و المضحك والغريب في هذا الوطن ، أن يجعل الضحية جثث رفاقه وأحبته مصعدا ليعانق الجلاد ويتحول بدوره الى جلاد، مقابل دراهم معدودة ، فأعداء مغرب الأمس هم أصدقاء مغرب اليوم، ربما أن كل واحد منا يقطن بداخله جلاد لا يجد راحته إلا في مص دماء إخوته. صحيح أن مغرب اليوم أكثر عمرانا من الأمس، وأكثر كثافة سكانية من ذي قبل، و أطره وكفاءاته لا تعد ولا تحصى، وخطى خطوات في طريق التمدن، وشق الطرقات وبناء السدود ، وأبدى جهدا كبيرا في تغيير دور الصفيح بدور إسمنتية ، وغير ذلك من القيل والقال، ولكن مع كل هذا هل ربحنا الوطن ؟ لعنة هذا الوطن مصاحبة لنا ، أقول مع نجيب الشرادي مجموعة وشم المغربية يا وطن كن ما تريد أن تكون ولكن كن لنا وطن لازال المخزن هو نفسه بدستوره و مساطره القانونية التي تحميه، فكلمته هي البداية والنهاية، يعلو ولا يعلى عليه، يزور و يتلاعب بأصوات الناس في الانتخابات وغيرها، فقبة البرلمان لا يملؤها إلا ذويه وأقربائه من الأحزاب التي تكاثرت بتكاثر المغاربة، لقد تجاوزت الثلاثين حزبا، نتيجة إفراط المغاربة وإدمانهم على السياسة، إنه العبث في مغرب العبث والعابثين، فحتى جذور القبائل المغربية عبر سرمدية التاريخ لم تبلغ هذا العدد. في مغرب الأمس يطول الحديث حول انطلاق الأوراش والمشاريع الكبرى، ولا يرضى المخزن لنفسه كلمة الفقر وإذا خرج الناس إلى الشوارع احتجاجا عن غلاء المعيشة لا يرضى المخزن بذلك، ويسخر من المحتجين والضحايا بأنهم (شهداء الكوميرا ) أما اليوم فسخرية المخزن هي توزيع الحريرة أيام رمضان . مغرب اليوم هو نفسه مغرب الأمس، والذي يزيد الطين بلة أنه لا أحد يعول عليه ، الساسة ، رجال المال والأعمال، النقابات ، المثقفون ، المجتمع المدني، ...هذه هي إشكالية مغرب اليوم ، أما نحن لن نسمح في الوطن فكلنا ننتظر غده المشرق، تصبحون على وطن ، يسعد صباحك يا وطني ذ مولاي أحمد صابر