هذه الرسالة في الميزان الشرعي تعتبر نصيحة، بغض النظر عن شكلها، والنصح واجب شرعي أمر به الشرع الإسلامي، قال عليه الصلاة والسلام: (لا خير في قوم لا يتناصحون، ولا خير في قوم لا يقبلون النصيحة)، وبدل أن نناقش الرسالة وما وراء سطورها ونحاكم النيات، علينا أن نعطي البديل بدل الاقتراحات. السفينة التي نركبها جميعا وهي المجتمع المغربي الذي تعيش فيه كل الأطياف بكل ألوانها: حركات إسلامية، وأحزاب، وجمعيات … وشعب، تغرق؛ قال تعالى: (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة)، فلو أن كل واحد بدل أن يزيد الطين بلة، أخلص النية وتجرد من ردود الفعل، وأدلى باقتراح موضوعي، لوفقنا الله للوصول إلى الحل والمخرج، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل)، فيكفينا من المراء والجدال العقيم، فالشأن ليس هو وصف وتشخيص الداء الذي يوجد في المجتمع ويتألم من جرائه الجميع ويراه الكل، وإنما الشأن هو إيجاد حلول لأدوائنا، وليأخذ العبرة كل وصولي من العاقبة الوخيمة التي تنتظره من الله عز وجل الحكم العدل الجبار المنتقم، وليحذر من الانتهازية المقيتة، التي ترجع بوبالها على المنتهز قبل غيره، وما هذه الرسالة بالإضافة إلى ماسبق ذكره إلا وسيلة لفضح ما تخفيه الصدور، ولتمييز الصادق من الكاذب، والصديق من العدو، والغيور من الانتهازي، والمُجِد من الخامل، والفطن من الغبي،... يقول ويليام شكسبير(1564 - 1616): (إننا بحاجة للخلافات أحيانا لمعرفة ما يخفيه الآخرون في قلوبهم، قد تجد من يجعلك في ذهول! وقد تجد من تنحني له احتراما)، وهذا الشافعي رحمه الله من الأئمة الأعلام قال له أحد العامة أمام الناس بكل تجرؤ ووقاحة: يا أيها الفاسق فكان رد فعله هو الرجوع إلى نفسه لا الوقوف على كلام الشخص، فقال بعد أن رفع يديه إلى السماء: (اللهم إن كان صادقا فيما يقول فاغفر لي، وإن كان غير ذلك فاغفر له) ولسمو تربيته لم يتجرأ أن يتهم الرجل، فيقول: وإن كان كاذبا مراعاة لشعور الآخر، وكلا ينفق مما عنده.. فيا أيها المغاربة أما آن لنا أن ندع الخلافات جانبا ونتعاون على إيجاد حل لمعضلاتنا، ونبتعد عن محاكمة النيات، فالرسول صلى الله عليه وسلم قال: (إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان)، أي أنه الكلمة السواء بيننا هو الصلاة، فمن أقامه أقام الدين، ومن هدمها هدم الدين، والجامع لنا هو المسجد، سواء كان دخولك ابتغاء وجه الله أو طلبا للسمعة، أو الرياء، كل هذا نكل أمره إلى الله، ونحن نحكم حسب الظاهر، والله يتولى السرائر. *أستاذ العلوم الشرعية وعضو رابطة علماء المغرب