قدَّم الدكتور محمد الغالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، ثلاث ملاحظات أساسية من خلال قراءته لما بين سطور الرسالة المفتوحة التي بعث بها عبد الله الشباني، القيادي البارز في جماعة العدل والإحسان وصهر مرشدها الشيخ عبد السلام ياسين، إلى عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة. وكانت هسبريس قد انفردت بنشر رسالة الشباني إلى بنكيران و"إخوانه" في العدالة والتنمية، والتي جمعت مقامات تتأرجح بين النصيحة والدعوة والنقد والتأريخ لبعض مراحل الحركة الإسلامية في البلاد، وطالب فيها القيادي في "الجماعة" رئيسَ الحكومة بالتوبة إلى الله بتقديم استقالته، مقترحا عليه أن يفر بجلده من "مكر" المخزن وألاعيبه، وحثه على أن يقترح على الملك تحويل قصوره إلى معاهد ومستشفيات، وبأن تُحول أسهم شركاته العملاقة إلى الفقراء والمعوزين. نصائح إلى الملك الغالي اعتبر أنه من حيث الشكل، فالرسالة تحمل توقيعا شخصيا للسيد عبد الله الشباني لا بصفته عضوا في الأمانة العامة للدائرة السياسية لجماعة العدل والإحسان، ما يعني رسميا أن هذه الرسالة لا تعكس موقفا رسميا صريحا للجماعة يمكن أن تحاسب عليه رغم أن صاحب الرسالة مثقل برمزية مصاهرته مع المرشد الأول الجماعة. أما الملاحظة الثانية، وفق الغالي، فتكمن في موضوع الرسالة التي تعكس من حيث بنائها المفاهيمي الخلفية المرجعية لجماعة العدل والإحسان، ومواقفها الثابتة من النظام السياسي القائم من خلال العبارات البليغة الموجهة إلى بنكيران بصفته أخا لا بصفته رئيسا للحكومة، حسب تعبير الشباني. وهذا يعني، بحسب المحلل ذاته، أن "الرسالة رغم كونها لا تحمل توقيعا رسميا لجماعة العدل والإحسان إلا أنها تتقاطع موضوعيا مع مواقفها الثابتة ومرجعيتها المؤطرة لتصورها للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، والتي يجب أن تؤسس أولا انطلاقا من مبادئ التوبة العمرية التي تعكس علاقة الشورى والعدل بالإحسان، الذي هو أعلى مراتب الإيمان، وغير ذلك يؤسس في حكم الباطل". أما الملاحظة الثالثة، يُكمل الغالي، فتتجلى في كون الرسالة تحمل نصيحة إلى الملك عبر مخاطبة السيد بنكيران من خلال اعتبار كون ثورة الملك والشعب يمكن أن تكون حقيقة من خلال اتباع مجموع النصائح التي ختم بها الشباني رسالته، والتي تلتقي كلها في استرداد أموال الشعب التي أُخذت وتُؤخذ من دون حق حسب منظور الجماعة، وهو ما يحيل مرجعيا إلى المذكرة التي رفعها مرشد الجماعة في غشت 2009 إلى الملك محمد السادس تحت عنوان "رسالة إلى من يهمه الأمر"، والتي خاطبه فيها بملك الفقراء. 3 مواقف ثابتة وحدد الدكتور محمد الغالي، عقب قراءته المتأنية لرسالة الشباني التي وجهها أخيرا إلى بنكيران، ثلاثة مواقف ثابتة بشكل صريح أو ضمني؛ الأول أنه حسب الشباني "لا يمكن اعتبار التجربة الحالية التي يقودها بنكيران النموذج الاسلامي الأمثل في الحكم"، على اعتبار أن هذا الأخير كما ورد في الرسالة سقط في تطبيع مع المخزن لعدم تورعه في تصدر جماعة شباب صادق طاهر وسوقهم إلى خدمة الملكية والمخزن، دون التسلح لذلك بسلاح العلم والصدق والإيمان، حيث إنه بتعبير الشباني لم يرق إيمان بنكيران إلى مستوى إمامته (أي درجة الحكم التي يتقلدها)، مما لم يساعده في تقويته وكبح أهوائه، والسقوط في الانخداع بابتسامات العفاريت ودموع التماسيح. والموقف الثاني، يضيف المحلل السياسي، يكمن في الدعوة الصريحة لبنكيران بالتوبة بدل التهافت على الأبواب المؤدية إلى البرلمان والحكومة، والتخندق في خدمة أجندة المخزن وإطالة أمده من خلال الاستقالة الصريحة والفورية من المسؤوليات الحكومية الحالية، لأنه حسب الشباني يأذن الله بزوال الملك الجبري بكل أشكاله الجاثم بكلكله على صدر الأمة، وأن لا يحرمكم أجرها (يعني السيد بنكيران)، ويضيف مخاطبا بنكيران كيف به تجرأ على تحمل هذه المسؤولية العظمى! ويا ليته فر بتدينه الفردي من الفتنة الأولى كما فعل آخرون وفعل أحمد الريسوني عندما بدأ يصطدم بالخطوط الحمراء "المقدسة". أما الموقف الثالث، بحسب الغالي، فهو أن الشباني يبعث برسالة مفادها أن جماعة العدل والإحسان تبقى متماسكة ومتشبثة بمواقفها المبدئية من النظام السياسي القائم (ملكية، برلمان، حكومة، أحزاب..) بناء على قاعدة أن الملك الوراثي ليس من الإسلام. وخلص الغالي إلى أنه بناء على ما سبق فإن تشخيص الوضع يجعل الجماعة أمام مسؤولياتها في تقديم النصيحة من خلال رجال محسوبين عليها، مما يعني تحين الفرص مستقبلا للتعبير عن المواقف من خلال أشكال وصور ميدانية، وليست دلالية منحصرة في النصيحة النصية"، وفق تعبير أستاذ العلوم السياسية بجامعة مراكش.