بات من الواضح أننا نحتاج في المغرب اليوم إلى طرح تساؤلات شرعية حول مصير مشروع "بناء دولة ديمقراطية يسودها الحق والقانون" الذي وضعه دستور يوليوز 2011 ضمن الاختيارات الكبرى لتوجه المملكة المغربية ، و تساؤلات أخرى عن مبادئ الحكامة في بناء هذه الدولة. كما انه بات من الضروري التساؤل عن دور بعض المؤسسات الدستورية والقانونية في المغرب كالمجلس الدستوري الذي تقول بعض المعلومات انه يستشار ويقدم فتاوى وأراء بطريقة لا شكلية الى الحكومة والبرلمان في بعض القضايا، ودور الأمانة العامة للحكومة بصفتها المستشار القانوني للحكومة ، او دور الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني التي يفترض أنها تتابع أعمال البرلمان وتسهل الحوار والتواصل بين الجهازين التنفيذي والتشريعي . ورغم وجود هذه المؤسسات، فان فالصورة الموجودة أمامنا في مجلس المستشارين والمتمثلة في استمرار ثلث المستشارين في حضور الجلسات العمومية وطرح الأسئلة والاحتجاج أحيانا على الحكومة رغم فقدانهم للصفة القانونية بانتهاء مدة انتدابهم ،هي صورة تثير الدهشة والاستغراب عن ما يجري في هذه الدولة ،وتطرح تساؤلات قانونية عن الجهة المؤسساتية صاحبة الاستشارة التي بررت تمديد انتداب ثلث من المستشارين فقدوا الصفة بعد افتتاح الدورة الخريفية ؟ وتساؤلات سياسية عن سر هذه "القوة " التي يملكها مجلس المستشارين داخل مؤسسات الدولة ؟ . لا وجود لنص دستوري او قانوني "يشرعن" استمرار ثلث الأعضاء في مجلس المستشارين بنى المستشارون المعنيون بقضية فقدان الصفة التمثيلية حججهم على قراءة الفصل 176 من الدستور، الذي جاء ضمن باب الأحكام الانتقالية والختامية بنصه على انه " إلى حين انتخاب مجلسي البرلمان ،المنصوص عليهما في هذا الدستور ،يستمر المجلسان القائمان حاليا في ممارسة صلاحيتهما ،ليقوما على وجه الخصوص ،بإقرار القوانين اللازمة لتنصيب مجلسي البرلمان الجديدين ،وذلك دون إخلال بالأحكام المنصوص عليها في الفصل 51 من هذا الدستور " ،هذا الفصل يتناول مؤسسة مجلس المستشارين واختصاصاتها ولاشيء يبين أن مقتضياته تنظم حالة الثلث المنتهية مدة انتدابه ،ورغم أننا لا نتوفر على الأعمال التحضيرية للدستور، فلا اعتقد أن أحدا من أعضاء لجنة الأستاذ "عبداللطيف المنوني" كان يتوقع هذا الوضع الذي وصل إليه مجلس المستشارين، باستمرار ثلث من أعضائه خارج الزمن الانتخابي التمثيلي او استمرار مؤسسة مجلس المستشارين مدة زمنية تفوق السنة خارج ضوابط الدستور الجديد ، لذلك فان الفصل 176 واضح ،ولو استعملنا جميع مناهج التأويل المتعارف عليها عالميا في القانون الدستوري، فان هذا الفصل لا يبرر نهائيا استمرارية ثلث أعضاء مجلس المستشارين بدون صفة داخل هذه المؤسسة ،بل أن استمرار هذا الثلث من المستشارين يضرب مبدأ التمثيلية والانتخابات المنصوص عليه في الفصل الثاني من الدستور . يضاف الى ذلك ،ان الفصل 176 من الدستور،كمجموعة مقتضيات انتقالية يجب أن يقرا في علاقته بالفصل 63 من دستور يوليوز 2011 نفسه، الذي يحدد طريقة توزيع التمثيلية داخل مجلس المستشارين و يحيل على نص قانون تنظيمي يكمله ، ،هذا القانون التنظيمي الذي تم وضعه (القانون التنظيمي رقم 28.11 المتعلق بمجلس المستشارين ) لا يتضمن في أحكامه الانتقالية ما يشير إلى استمرار هذا الثلث في ممارسة عمله ،فالمادة 98 من هذا القانون التنظيمي تنص على أن يؤهل مجلس المستشارين القائم في التاريخ المذكور لممارسة الصلاحيات المسندة إلى مجلس المستشارين بموجب دستور يوليوز 2011 وفق الشروط والكيفيات المحددة فيه ،بمعنى أن هذه المادة لا تنظم حالة الثلث المنتهية مدة انتدابه ،وإنما تتناول صلاحيات مؤسسة مجلس المستشارين ، وتحيل مقابل ذلك على الدستور الذي لا يتضمن اية مقتضيات انتخابية من شانها شرعنة استمرارية ثلث المستشارين ،لان فصول الدستور نفسها المنظمة لقواعد اشتغال مجلس المستشارين وصلاحياته مرتبطة بقواعد التمثيلية والانتخابات مستمدة من ماتسميه الدساتير ومنها الدستور المغربي "سيادة الأمة" ،فهل يمكن لثلث من المستشارين الاستمرار في العمل ضد "سيادة الأمة" مانحة التمثلية ؟ وهل يمكن لجهة دستورية في المغرب ان تتخذ قرارا دستوريا يبيح هذه الاستمرارية ضد "سيادة الأمة"؟ رئيس مجلس المستشارين بدون صفة قانونية وإذا كان الثلث يوجد اليوم في وضعية غير قانونية، فان رئيس مجلس المستشارين بات بدوره يمارس رئاسة بدون أساس قانوني ، فالرئيس محكوم بقواعد الدستور الجديد لأنه لا يمكنه الاستمرار في الاشتغال بقواعد دستور منسوخ (دستور 1996) ولا يمكنه في نفس الوقت ممارسة مهامه بدون مرجعية دستورية ،وبالتالي فالمجلس مطالب بتنظيم انتخابات رئاسة المجلس وأعضاء المكتب لان الفصل 176 من الدستور لا يمكنه أن يعطل مقتضيات انتخاب رئيس مجلس المستشارين وأعضاء المكتب المنصوص عليها في الفصل 63 من الدستور، فالمجلس يوجد اليوم في منتصف ولاية تشريعية لاعلاقة لها بحالة مجلس النواب،واستمرارية الرئاسة القديمة في المجلس بحجة عدم تجديد الثلث غير صحيحة ،ومن الممكن ان يشتغل مجلس المستشارين برئيس انتقالي منتخب بمعنى أن تجرى انتخابات داخلية في المجلس بالثلثين المتبقيين لان نهاية المدة الانتدابية للثلث، الذي دخل المجلس في سنة 2003 وأصبح اليوم ميتا بحكم القانون ،لا تؤثر على اختصاصات وطريقة اشتغال المجلس وتنظيمه لانتخابات رئاسته ومكتبه . ويلاحظ، أن مجلس المستشارين ظل يشتغل بنظام داخلي قديم لازالت نصوصه تشير الى مواد دستور 1996 ولم يستطع المجلس أن "يبيض دستوريا" نظامه الداخلي ، هذا النظام الداخلي نفسه الذي يجعل الرئيس الحالي بدون صفة قانونية ، وبذلك ،فالرئيس وقرارات مكتبه تعتبر غير قانونية ،لان الرئيس محكوم بالدستور الجديد ولا يمكنه ان يبقى في حالة من الانتظارية الى حين إجراء انتخابات الجماعات الترابية وانتخاب جسم جديد من المستشارين . حالة عدم الدستورية في جلسة عرض مشروع قانون المالية بحضور ثلث المستشارين بدون صفة قانونية وبعد افتتاح الدورة الخريفية، تابع المغاربة احتجاج المستشارين على أعضاء الحكومة خلال جلسات الأسئلة الشفوية، ولم ينتبه الكثير إلى ان بعض المحتجين او طارحي الأسئلة ليست لهم الصفة القانونية ،وبعد ذلك تعاقب وزيرا لاقتصاد و المالية والوزير المنتدب في الميزانية على منصة البرلمان وهما يعرضان مشروع قانون المالية السنوي في جلسة مشتركة للمجلسين (النواب والمستشارين) وفق ما ينص عليه الدستور في فصله 68 ولكن بحضور مستشارين من الثلث الذي فقد صفته القانونية،و إذا كانت الحكومة تعتبر هذه الجلسة سليمة من الناحية الدستورية بحضور ثلث فقد صفته القانونية ،فإنها مطالبة بتكليف الوزيرين بإلقاء نفس العرض أمام الجامعات والإدارات وفي مقرات الأحزاب والنقابات وفي الشارع العام ، وان البرلمان يجب ان يفتح أبوابه أمام العموم بكافة مكوناته للحضور في حالة استمرار حضور ثلث انتهت مدته الانتدابية ولا يتوفر على اي نص قانوني يشرعن حضوره . فنحن اليوم ، امام جلسة عامة غير دستورية يمكن الطعن فيها من طرف المعارضة ،ويبدو انه لم يقع الانتباه إلى هذه الحالة، وسوف يشارك هذا الثلث غير القانوني في مناقشة مشروع قانون المالية امام مجلس المستشارين في جلسته العامة وداخل لجنه ،وبالتالي ففي الحالتين معا ،نحن اليوم أمام مشروع قانون مالي غير دستوري لعيب شكلي في مساطر تقديمه ، وقد يصبح عيبا في مضمونه بتعديلات مجلس المستشارين،وهو ما يفتح فرصة امام المعارضة للطعن امام المجلس الدستوري ،ولا اعتقد ان المجلس الدستوري سيجد مخرجا قانونيا لهذه الحالة يبرر فيها حضور مستشارين فقدوا صفتهم التمثيلية إلا إذا كان سيغلب السياسة على القانون . رئيس الحكومة له حق عدم الحضور أمام مجلس المستشارين وبالمقابل ،اذا كانت السنة التشريعية الماضية قد شهدت صراعا كبيرا بين رئيس الحكومة ومجلس المستشارين حول التوزيع الزمني للحصص في الجلسة الشهرية للإجابة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة ، فانه بإمكان رئيس الحكومة اليوم عدم الحضور أمام مجلس المستشارين في حالة استمرار وجود الثلث غير القانوني ، فاستمرار هذا الثلث غير القانوني يعطل تطبيق الفصل 100 من الدستور وليس هناك ما يلزم رئيس الحكومة بالحضور أمام مجلس المستشارين والإجابة على رسائل رئاسته ومكتبه الحالي مالم يقع تجديده ،وإلا فان رئيس الحكومة،بصفته الممثل القانوني للدولة المغربية ، سيصبح يتعامل و"يشرعن" عمل مؤسسة ثلث أعضائها غير قانونيين ، بل إن الوزراء يمكنهم الامتناع عن الإجابة عن أسئلة الثلث الذي فقد الصفة التمثلية او عدم الحضور أمام مجلس المستشارين في حالة حضور الثلث غير القانوني . وعليه ،فنحن اليوم أمام ثلث غير قانوني يستمر في الحضور داخل مجلس المستشارين ويفتح المجال أمام إمكانيتين قانونيتين : الأولى، للمعارضة في مجلس النواب ،التي يمكنها الطعن في كل مايتم تداوله بالتتابع بين مجلس النواب ومجلس المستشارين من مشاريع ومقترحات قوانين أولها مشروع قانون المالية موضوع المناقشة البرلمانية في الدورة الخريفية الحالية . والثانية ،للحكومة، بامتناعها عن الحضور أمام مجلس المستشارين في حالة استمرار ثلث غير قانوني في الحضور وعد تجديد رئاسته ومكتبه . استمرار ثلث المستشارين بصفة غير قانونية ومخاطر استمرار السياسة بدون قانون وبالرجوع الى استرجاع مشاهد وصور خلال الزمنية الممتدة بين سنة انطلاق النقاش حول الإصلاحات الدستورية واستمرار حضور ثلث المستشارين الفاقدين للصفة القانونية خلال الدورة الخريفية الحالية ، يبدو ان مجلس المستشارين حقق مجموعة مكاسب لم ينتبه إليها الكثير، وهي مكاسب تقوض الممارسة الديمقراطية ،فالأعمال الأولى لدستور 2011 أوصت بجعل النقابات خارج مجلس المستشارين لأنه لا يمكن ان تكون خصما وحكما تشرع وتراقب الحكومة وتتفاوض وتنتزع المطالب على طاولة الحكومة، لكن النقابات عادت الى المجلس بتنصيص دستوري، ولما بدأت النقاشات حول الانتخابات الجماعية تذرع العديد من المستشارين بحجة "القروض او" السنة الدراسية ومدارس الأطفال في الرباط "،فسايرت الدولة هذا الاتجاه ،رغم ان قضية الانتخابات الجماعية هي قضية دولة مرتبطة بالرسائل السياسية التي يقدمها المغرب الى المنتظم الدولي حول الإصلاحات الدستوري والى الأممالمتحدة نفسها حول النمط الترابي للجهوية، فالقارئ لمضمون تقرير الأمين العام الاممي الأخير حول الصحراء (ابريل 2011) سيلاحظ انه أعاد مرارا تكرار فكرة تبني المغرب للجهوية في إصلاحاته الدستورية،وبالتالي ، فان تأجيل الانتخابات الجماعية وتأجيل تنزيل مشروع الجهوية بمبررات وحجج وحسابات انتخابية داخلية قد يجعل الدولة أمام حالة انحصار دستوري في شقه الترابي، و قد يجعل المجتمع الدولي ينسى تدريجيا فكرة الحكم الذاتي، لسبب بسيط هو إمكانية خروجه بفكرة مفادها أن الدولة غير القادرة على تبني الجهوية لن تكون قادرة على تبني الحكم الذاتي . فالأمر، يتجاوز حضور ثلث فقد صفته القانونية ويخلق نوعين من المخاطر المرتبطة بقياس حالة الإصلاحات الدستورية والسياسية: الأول، ان استمرار الثلث في مجلس المستشارين هو ضرب لفكرة التمثيلية ،ففكرة الانتداب في مجلس المستشارين تتجاوز اليوم تسع سنوات ،وبذلك يتجاوز البناء الدستوري المغربي فكرة التمثيلية والانتداب ويتحول في حالة استمرار الثلث إلى نوع من الانتخاب الدائم ،ولو اتخذ قرار في هذا الاتجاه يشرعن استمرارية هذا الثلث الفاقد للصفة القانونية ، فانه ينهي مع التمثيلية ويجعلنا أمام ما يسمى في المعاجم الدستورية ب"مجالس ذات امتياز" . الثاني ،مالي يرتبط بالحكامة التي ترفعها الحكومة كشعار "للموت او الحياة " ، وتثير التساؤل حول الأساس القانوني للتأشير والأمر بصرف تعويضات هؤلاء المستشارين ،مادام فقدان الصفة التمثيلية يجعلنا أمام نفقة بدون سند قانوني . لكن، دعونا نتأمل هذه الصورة ،لنفترض أن رئيس دولة معينة زار المغرب وقرر إلقاء خطاب على ممثلي الأمة في البرلمان ،وهو ما يقتضي دستوريا حسب الفصل 68 جمع المجلسين في جلسة مشتركة للاستماع إلى خطب رؤساء الدول والحكومات والحكومات الأجنبية ،فماذا سيكون الوضع وثلث أعضاء مجلس المستشارين حاضرون في هذا النوع من المناسبات وهم فاقدون لصفتهم التمثيلية ،وكيف يمكن تبرير أزمة دبلوماسية قد تحدث في هذا النوع من المناسبات نتيجة حضور ثلث فاقد للشرعية القانونية أمام رئيس دولة او حكومة أجنبية جاء ليخاطب ممثلي الأمة ؟ إن قضية الثلث غير القانوني تتجاوز جدران مجلس المستشارين لتمس بصورة إصلاحات دستورية في مرحلة يسعى فيها المغرب إلى تسويق نموذجه مقارنة بباقي دول العالم العربي ،انه صورة مؤسسة دستورية "تعتقل "الدستور بحجج سياسية ذات سقف محدود غير قادرة على قياس المخاطر النفسية وخلق السوابق،فتطبيق القانون يمتص حالات تراكم الاحتقان في الشارع حول طريقة اشتغال المؤسسات وأدائها. *رئيس المركز المغاربي للدراسات الامنية وتحليل السياسات [email protected]