روّجت بعض وسائل الإعلام إشاعة مفادها أن شبكة التلفزيون العمومي تستعد لإطلاق قناة أو برنامج باللغة العبرية. و قد نفى وزير الاتصال هذه الإشاعة0 لكن ما أثارني و حثّني على كتابة هذه المقالة، التي لم يكن موضوعها من ضمن مشاغلي الحالية، هو ردود القراء0 فمنهم من دافع عن الفكرة باعتبار أن في المغرب يهود مغاربة وأن من حقهم الاهتمام بلغتهم و بثقافتهم؛ و منهم من حبذ المشروع باعتبار وجوب تعلُّم لغة العدو! و منهم كذلك من شجب الفكرة و شجب الصحافة التي أثارتها. ولكن كل الردود مشحونة إيديولوجيا وتنِم عن جهل بموضوع اللغة العبرية و رافدها الثقافي. إن اللغة العبرية لم تعُد لغة التواصل للعبريين منذ عدة قرون0 فقد انحصر استعمالها في المجال الديني. بل حتى على هذا المستوى، عرفت في حقبة طويلة من تاريخها منافسة وهيمنة اللغة الآرامية واللغة الإغريقية0 فاللغة الآرامية، التي كانت لغة التخاطب السائدة في الشرق الأوسط خلال أكثر من سبعة قرون قبل الميلاد ، كانت لغة التداول عند اليهود كذلك و كُتبت بها أجزاء من التوراة و التلمود0 أما اللغة الإغريقية، فقد هيمنت كذلك في الشرق الأوسط إلى جانب الآرامية من القرن الرابع قبل الميلاد إلى ظهور الإسلام و انتشار اللغة العربية0 وعندما استوطن اليهود في أوروبا و في شمال إفريقيا، تكلموا لغات البلدان التي عاشوا فيها كالأمازيغية و العربية و الإسبانية و الإيطالية و الفرنسية و الألمانية و الروسية و اللغات السلافية الأخرى0 و في كل هذه الحالات كانت هذه اللغات هي لغاتهم الأولى أو لغاتهم الأم0 فاليهودي المغربي مثلاً كان إما ذي أصل أمازيغي أو أندلسي0 و لغته الأم في الحالة الأولى هي الأمازيغية و هي العربية في الحالة الثانية0 وقد تميز اليهود في كل هذه اللغات بلهجة لها بعض الخصوصيات على المستوى الصوتي و المعجمي، لاشك أنها من رواسب العبرية والآرامية، خاصة و أن تديُّنهم استمر أساساً بهاتين اللغتين0 ولكن هذا الحضور ظهر جليّاً و تطوّر في اللغة الألمانية و لغات أوروبا الشرقية فأنتج لغة الايديش التي ظهرت في القرون الوسطى والتي اعتُمِد عليها في بداية القرن العشرين لتصبح أحد المكوِنات الأساسية و التأسيسية لاللغة العبرية الحديثة التي هي لغة إسرائيل الرسمية إلى جانب اللغة العربية0 خلاصة القول إن لغة اليهود المغاربة هي اللغة العربية و اللغة الأمازيغية؛ و اللغتان حاضرتان في القنوات المغربية ! أما إدخال العبرية إلى هذه القنوات، فسيكون فقط من باب مجاملة الدولة التي أحيتها و جعلتها لغتها الوطنية و الرسمية0