من قال إن الربيع الديموقراطي، قد انتهى وذبلت أزهاره، وصمتت طيوره عن التغريد، واصفرت أوراق أشجاره اليانعة ؟ بعد نتائج الانتخابات الجزئية بمراكشوطنجة، لن يكون أي عاقل قادر على الادعاء أن ورود الربيع الديموقراطي قد ذبلت، بعدما هزت عروش رؤساء كادوا يخلدون في مناصبهم رغم أنف الشعوب في الوطن العربي، إلى أن هبت رياح التغيير، فشطبتهم إلى مزبلة التاريخ. وبعدما وضع الناس أيديهم عل قلوبهم، سيما بعد حديث بعض المسؤولين في الحكومة عن عودة التحكم والضبط، برهنت نتائج اقتراع 4 أكتوبر الجاري للانتخابات التشريعية الجزئية، عن وعي كبير لدى المواطنين في تلك المدينتين، لإعادة الحقوق لذويها، فصوتوا في طنجة بنسبة أكثر من النسبة المسجلة في انتخابات 2011. انتخابات طنجةومراكش، كانت امتحانا حقيقيا لحزب يدعي البعض أنه فقد شعبيته، و"ترمومتر" لأصحاب الحال لقياس درجة حرارة الشعب المغربي، سيما في مدينتين مثل مراكشوطنجة. قبل أيام كتبت على صفحتي بالفيسبوك "أحن إلى نقاشات شباب 20 فبراير في شارع محمد الخامس، واشتقت إلى البرامج التلفزية التي كانت تخصص لمناقشة المراجعة الدستورية لسنة 2011، كما اشتقت أيضا إلى متابعة آخر خطابات الرئيس المخلوع بن علي، وحسني مبارك، والقذافي على القنوات الفضائية". فيأتي اقتراع 4 أكتوبر الجاري، ليخلق الحدث ويُعيد من جديد مرشحي حزب المصباح إلى مقاعدهم بالبرلمان، بعدما قضى المجلس الدستوري بإلغائها، وكأني بهذا اليوم من أيام ذلك المخاض العسير الذي خرجت منه بلادنا بمولود أطلقت عليه الاسم الثلاثي التالي "الإصلاح في إطار الاستقرار"، فعشنا ربيعا ديموقراطيا جُزئيا بكل من طنجة مدينة وزير الشؤون العامة والحكامة، أو وزير صندوق المقاصة كما أحب أناديه محمد نجيب بوليف. فبعدما راهن البعض على فقدان حزب رئيس الحكومة لشعبيته في عاصمة البوغاز ومدينة البهجة بسبب الزيادة في أسعار المحروقات وغيرها من الاجراءات التي وصفها المناوئين باللاشعبية، جاء جواب الناخبين الذين يميزون بين الأشياء، ويعرفون جيدا من يقف إلى جانبهم رغم قسوته عليهم، ومن يقف بجانبهم من أجل قضاء مصالحه الخاصة - كما عبر عن ذلك فيسبوكي من مدينة طنجة. ويكتب فيسبوكي آخر، على صفحته "نريد مهرجانا بساحة الأمم التي منعت فيه سهرة الشبيبة في ملتقاها الثامن"، ومن الفيسبوكيين الذين لم يناموا إلى ساعات متاخرة من ليلة الجمعة 05 أكتوبر 2012 من يُهدي لمنافسي الحزب مقطعا من أغنية عبد الهادي بلخياط التي جاء فيها "الصدمة كانت قوية". ومن هؤلاء الفيسبوكيين الظرفاء، من وضع صورة لتراكتور مقلوب، وكتب تحتها تعليقا مضحكا " الجرار مقدرش يحرث فطنجة لأنها عالية"، ليجيبه فيسبوكي بمكر "سيطعن (البام) في النتائج بسبب عدم تعبيد عزيز رباح، وزير النقل والتجهيز، الطريق أمام عربة مثل (الجرار) فأصيبت بجروح وكدمات بعد تعثرها في المطبات الكثيرة". ويكتب عضو في العدالة والتنمية، ولج لتوه العالم الافتراضي، بعد انتهاء المعركة في الواقع "لن أستمع لليائسين بعد اليوم، فما ظل يروج له من تراجع شعبية العدالة والتنمية مُجرد كذبة سخيفة، لأن الحزب أحرز في هذه الانتخابات التشريعية الجزئية 53 % من عدد الأصوات المعبر عنها، مقابل 42 % خلال انتخابات 25 نونبر الماضي. ووصلت الأصداء إلى الدولة العثمانية (تركيا)، فهذا طالب مغربي مقيم في أنقرة، يكتب في صفحته على الإنترنت "بلغني -من هناك يقصد المغرب- حيث عروس الشمال "طنجة"، وحمراء الجنوب "مراكش" أن أجواء من الفرحة العارمة تعم المكان احتفاء بفوز حزب الإسلاميين على المفسدين، كم تمنيت أن أحضر هناك". وفيسبوكي آخر، يضع صورة رئيس الحكومة عبد الإله ابن كيران، متمايلا على إيقاع أغنيته المفضلة "صوت وارتاح" للمبدع الشاب حميدة من مدينة جرسيف. لا أخفيكم، أعجبتني كثيرا هذه الانتخابات الجزئية،وتابعتها مثلما يتابع عشاق الديربي الاسباني "ميسي" وغيره من نجوم كرة القدم الاسبانية، تابعتها لسبب واحد فقط "كونها تعيد الروح إلى جثة هامدة لسيدة اسمها السياسة"، وتمنيت في قرارة نفسي أن تقترف بعض الأحزاب السياسية بعض الأخطاء عمدا " لتُعيد الامتحان من جديد بحثا عن ميزة حسن جدا". في مثل هذه الحالات أجد أن المنطق يقول بأن الذي كان أولى بهذه المقاعد الهيئة السياسية التي تتولى تدبير الشأن المحلي بكل من طنجةومراكش، نتيجة التصاقه بهموم المواطنين محليا، فيكون قادرا على كسب أكبر نسبة من أصواتهم في هذه الانتخابات الجزئية، غير أن النتيجة عكسية، فالحزب الذي يترأس بلديتي المدينتين لم يحصل مرشحيه على أصوات معقولة، وفي ذلك دليل على كسل وخمول منتخبيه في حاضرتين مهمتين في حجم طنجةومراكش، وابتعادهم عن المواطنين، وضعف فعاليتهم. على الراسبين في امتحان الديموقراطية، البحث عن شغل آخر غير السياسة، وليجربوا شم أزهار الربيع الديموقراطي، عوض استعمالها في عملية كنا نقوم بها ونحن صغار قبل إعلان نتائج الامتحان "ناجح.. ساقط". قوموا للعمل يرحمكم الله، ويصلح حالكم، وانصتوا عميقا لنبض الشارع. [email protected]