سَتُبدي لَكَ الأَيّامُ ما كُنتَ جاهِلاً وَيَأتيكَ بِالأَخبارِ مَن لَم تُزَوِّدِ أحببت في هذه المقالة المتواضعة بأن أفتتحها بهذا البيت المشهور لطرفة ابن العبد(543ه-569ه)، والذي احتفظت به ذاكرة التاريخ الواسعة قبل أن تحفظه ذاكرة بنو الإنسان الضيقة و التي لا تفتأ تنسى كل شيء، ولعل بعض "السياسيين" بموجب ضيق ذاكرتهم قد نسوا دروس الربيع الديمقراطي رغم أنه لم تمر عليه سوى دقائق بالنظر للزمن الحضاري. ابتدأت بتلك المقولة الشعرية الخالدة لأبرز أن مقولة التاريخ هو الحكم صادقة بالفعل ليثبت الزمن و التاريخ القريب على أنه هو المتكفل بالإجابة على عدد من الوقائع، مما يتوجب علينا نحن عدم الاشتغال بها وعدم إيلائها أكثر من حجمها فكم من لاشيء أرجعناه شيئا لكن في ميزان التاريخ و الحق هو لاشيء. هذه المقدمة أردتها توطئة لما يجري في حقل السياسة المغربية اليوم وأردت من موقعي المساهمة فيه لعل ذاكرة التاريخ تحتفظ لنا بشيء، وإن نقاشي سيتمحور على الانتخابات الجزئية التي شهدتها كل من طنجة ابن بطوطة و مراكش ابن تاشفين، وكيف أن الشعب الذي بوئ العدالة و التنمية المرتبة الأولى قد كان خير مجيب على معطلي الحضارة و الإقلاع السياسي أقول و ليس الإصلاح، لأن روح الثورات لم يقم من أجل تضييع الوقت في ترقيع البالي من التصور و الممارسة ، بل سعىت إلى نحت الجديد، ولعل النتائج التي أفرزتها العملية الانتخابية يوم 4أكتوبر تشكل أرضية خصبة للقراءة السياسية المسددة التي تستنبط تحلل وتستشف الفوائد لاستثمارها، وتقف على المطبات لاستيعابها ثم لتجاوزها والتي أفرزت لنا مداخل أساسية توجب الوقوف عليها من أجل بناء التراكم أجملها في: "حزب الدولة" عنوان استبداد وتخلف لقد شكلت المفردة أحد أهم المفردات المتداولة في القاموس السياسي المغربي في فترة ما بعد 2009، وإن قراءتنا اليوم لحزب "الأصالة و المعاصرة" لن تتم باعتباره تنظيما حزبيا بقدر ما سنتناوله كثقافة و كيم ناظمة لأن تأسيسه لم تكن لحاجة مجتمعية أو قلق فكري أو سؤال أفرز لنا تنظيما حزبيا جديدا كما يحاول البعض أن يوهمنا به، بقدر ما تأسس لحاجة مخزنية لاحتواء ثلة من الأعيان وليكون لبنة أساسية في التخلف الحزبي و الاستبداد السياسي، وليكون مدخلا أساسيا من أجل إفراغ المؤسسات الحزبية و المشهد السياسي من كل معنى و من كل القيم ليتسنى مصرنة وتونسة المغرب، والسؤال الذي يطرح في هذا الصدد هو: هل المخزن بالفعل في حاجة لحزب لتنفيد مخططاته؟ وجوابي المتواضع عليه هو صحيح المخزن بحاجة له لأن الفساد من داخل الشيء صعب الظهور و يحقق نتائج أفضل لأن التنظيمات الحزبية هي التي لها دور حماية الدولة وإرساء الحكامة داخل مؤسساته تلعب فيه هذه التنظيمات الدور المحوري وأية حالة كانت عليه ينعكس على الدولة إيجابا أو سلبا، وأنا لست ضد أي حزب سياسي بقدر ما أنا ضد قيم و ثقافة تحاول أن تتموقع وتجعل لنفسها مكانة. العدالة و التنمية :ضرورة الإرتباط بالشعب-الأمة- لعل الدرس الآخر الذي نستقيه من هاته النتائج هو أن العدالة و التنمية أصبح عليها لزاما الإنكباب أكثر على الاهتمام بقضايا الشعب الذين هم قطب الرحى في عملية الانتقال بدل السعي وراء السراب، وأن الأمة هي الأصل كما قال الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني، و السعي الحثيث نحو معالجة تركة الفساد و الاستبداد التي كانت حصيلة نصف قرن، وز التحلي بالجرأة الكاملة في محاربة الفساد و اجتثاته من أصوله بدل الدوران حوله وأن تترك الشعب يتكفل بالإجابة عن مثقف مغرض وكل سياسي انتهازي ماضوي، لكن في المقابل الحذر من السقوط في فخ النشوة و الفرح بالنتائج وتحسب الأمر على أنه شيك على بياض من الشعب، في حين أن الأمر هو إشارة شعبية لمزيد من الإصلاح و الإنجاز و لا شيء غير الإنجاز و التحلي بالشجاعة و التبات على المواقف و المبادئ. كما أعطت النتائج الأولية إجابة عميقة مفادها أن المغاربة عازمون على المضي قدما للأمام و أن احتمال الرجوع للوراء غير وارد لديهم مهما كان من انتدبوا أنفسهم من أجل فرملة عجلة التقدم بغض النظر عن مواقعهم، مما يحتم على شرفاء البلد استثماره من أجل التأسيس لقاعدة ثقافية فكرية من أجل التأطير السياسي الرصين و التي ستنتج لا محالة نخبا جديدة، ورب ضرة نافعة. ومن الأمور التي أفرزتها هاته النتائج هي اضمحلال بعض الأحزاب التي ما فتئت تتشدق بالشرعية التاريخية و النضالية(حالة الاستقلال- الإتحاد الاشتراكي و التقدم و الاشتراكية) مما يدل على أن الشعب قد أصبح يمتلك آليات تحليل جديدة و مقاييس معيارية محكمة مما يتطلب تثمينها و تجويدها في سبيل التأسيس لمجتمع الكرامة و مغرب الريادة. الكتلة التاريخية: مدخلا للتأسيس لمجتمع الثقافة إن نصف قرن من الزمن أو يزيد من تاريخ المغرب بعد الاستقلال ورثنا خلالها تخلفا مركبا قيض التمفصلات الكبرى لنهضة المغرب، وقد تجسد هذا التخلف في التقهقر السياسي الذي أنتج لنا نخبا انتهازية وصولية وأحزابا سياسية هي أقرب ما تكون إلى تجمعات نفعية همها الأساس الاغتناء ولو على حساب المبادئ و القيم التي من المفترض أن تكون دائما و أبدا بوصلتنا خيارتنا السياسية في بحر السياسة العاتية أمواجه، وقد تمظهر أيضا هذا التخلف و الجهل المركب في الانحطاط الثقافي الذي أورث لنا تركة ثقيلة من العقلية الخرافية المتجمدة، وخلق في غالبا الأحيان نخبا علمانية استيقظت على حين غرة على ثقافة الآخر مما خلق لها نوعا من الانبهار الزائد والمفرط تارة، و تارة أخرى نخبا إسلامية متقوقعة على ذاتها متناسية عالمية رسالتها. هذا الجهل المركب و التركة الثقيلة أفرزت لنا في النهاية حالة من التردي على أصعدة مختلفة. وأفرز لنا أزمة مناهج على جميع الأصعدة التربوية والثقافية والسياسية والاقتصادية، وما اقتصاد الريع و التخلف العلمي و التربوي و التردي السياسي إلا نتائج طبيعية لها، ولقد أضحى العنوان البارز لفترة ما بعد الربيع الديمقراطي هو التقهقر السياسي و الاستبداد و الفساد و الإفساد في كل مناحي الحياة، هذا مقابل صمت أشباه المثقفين وزعماء سياسة الانتفاع بل أكثر من ذلك الهرولة نحو المصالحة مع هذا الواقع السياسي، وقد جسد حزب العدالة و التنمية عنوان المقاومة و التصدي و الوفاء للمبادئ و القيم، إلى أن هبت رياح الربيع الديمقراطي و التي انطلق معها الحراك المغربي في 20 فبراير و الذي كان كذلك لبنة أساسية في طريق الانفراج السياسي ، وما تصدر العدالة و التنمية للمشهد الحزبي ما بعد الربيع إلا وفاء من المغاربة الأحرار لقيم و مبادئ و تضحيات العدالة و التنمية في زمن صمت النخب و خذلانها. مما يحتم الآن علينا كغيورين على هذا البلد التكتل و التأسيس لكتلة تاريخية على حد تعبير المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي من أجل التصدي لكل محاولات الرجوع إلى الوراء أو فرملة التحول المجتمعي و إرساء قيم الكرامة و الحرية و العدل كقيم فلسفية لازمة لتشكل الوعي الجمعي لأي مجتمع ولنأخذ من أردوغان قولته في المؤتمر الأخير لحزبه "إننا نحيى الإنسان حتى تحيا الدولة". ولتؤطر هاته المقولة دائما لتحليلنا السياسي وهاته المقولة التي لطالما رددت على مسامعنا وهي لغرامشي:"تشاؤم الواقع وتفاؤل الإرادة". عود على بدأ إن الحاجة الآن للتكتل و الوحدة الوطنية بين الإسلامي المبدئي و اليساري المناضل و العلماني الوطني أضحت أحد أهم مظاهر الوفاء لأرواح المقاومين و جيل التحرير و لروح الربيع و لشهداء 20 فبراير و تضحياتهم، وأشير إلا أن تحليلي رغم ورود أسماء تنظيمات سياسية فمقاربتي لها ليس كأحزاب بقدر ما قاربتها من منطلق القيم و المبادئ الناظمة لها. وأنا أتمنى أن أكون قد وفقت في إيصال أحاسيس شاب وطني غيور على مستقبل بلاده. (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) التوبة105. *طالب باحث