كثيرا ما نسمع في الأمثال الشعبية "عادت حليمة إلى عادتها القديمة"، والدالة في مضمونها على أن الطبع يغلب في كثير من الأحيان التطبع ،ومن يمتهن صنعة ومع ظروف الحال، وحتى وإن انقطع عنها سرعان ما يحن إليها ،وهذا هو حال الحكومة الكريمة والمصونة،يبدو أنها اختلط عليها الحابل بالنابل، وغدت تخبط خبطات عشواء،في عودتها إلى اجترار الاسطوانة المشروخة، فذكر إن الذكرى تنفع المؤمنين، لعله يتعظ من لا يتعظ، فاختلطت عليها الأوراق بين التعبئة السياسية والانتخابية والحنين إلى المعارضة والاستعانة بنظرية المؤامرة ولعب دور الضحية، لدرجة احتار فيها كل المتتبعين والمحللين الذين لم تسعفهم نظريات التحليل السياسي في تشخيص هذه الحالة المرضية الحكومية. من الطبيعي جدا أن تلجأ الحكومة في الدول الديمقراطية التي تحترم إرادة الشعب إلى الاستنجاد به والعودة إليه في كل صغيرة وكبيرة ،وبالتالي من الطبيعي أن تجده في صفها لأنها تعبر عن نبضه وهي في اغلب الأحيان والأحايين في حالة من الانسجام والتناغم مع تطلعاته وطموحاته وتستجيب لرغباته وتسير في الاتجاه الذي يعبر عن إرادته وليس سلك السبيل الذي يعاكسها ،فليس من الطبيعي أن تنبع الحكومة من الإرادة الشعبية وتوظف هذه المسالة للاستهلاك الإعلامي والكلامي، والتغني بها، بينما تغرد خارج التيار والسرب وليس من الطبيعي إشهارها كورقة للدفاع كلما تعرضت للانتقاد، وأظن أن الرأسمال الحقيقي للحكومة هي المنجزات وليس التمنيات ومن الطبيعي جدا أن تطلب مساعدته عند الحاجة لكن يختلف الأمر لدى حكومتنا ،حيث لم نعد ندري من هو بحاجة إلى الأخر الشعب أو الحكومة ،ووجه الاستغراب أن يتلفظ ناطقها الرسمي ويطلب من الشعب أن يساند هذه التجربة الحكومية التي تشكل الاستثناء ،كان من الممكن أن يكون هذا النداء لو كان الشعب بكل أطيافه يجدها عندما يستجديها ويستغيثها لكي تنتشله من براثن المعاناة والإحباط المزمن، لكن لا حياة لمن تنادي فالأبواب موصدة في وجوهنا ،فلا تستقيم مسالة مطالبة الشعب بمؤازرة الحكومة في حين تستبخسون نضالاتهم في المطالبة بالحق في الشغل "راكم غالطين وأنا ما كا نخاف منكم"، في كلمة للسيد بنكيران رئيس الحكومة في رده على احتجاجات المعطلين. لا يا سيادة الوزير، فالشعب هو الذي بحاجة إلى الحكومة يسعى دائما في طلبها فلا يجدها، ولا يسمع إلا نداء "المرجو إعادة الاتصال لاحقا"، فالشعب سينساكم كما نسي أرقاما حزبية في معادلات تنسجها السياسة على النمط المغربي، حتى وإن كنتم تتبجحون بقواعدكم ومواليكم. وعن أي حصيلة حكومية ايجابية تتحدثون،ارتفاع الأسعار،صد أبواب الشغل في وجه المعطلين، أزمة اقتصادية، الازدياد في مستويات الفقر، الزيادة في تدني الوضعية الاجتماعية ،ارتفاع مستويات الاحتجاج في كل القطاعات، أعلنوها صراحة على الملأ حتى وان كانت الحقيقة تجرحكم أنكم بكل بساطة، "حكومة تدبير التقشف"، وهي الحقيقة الماثلة أمام العيان. وبالنظر إلى المنجز الحكومي نجد أن الأمر واضح حتى وان اعتمدنا لغة الأرقام نجد أن هناك تراجعات على جميع المستويات والأصعدة ،وهذه المسالة بشهادة كل المتتبعين والمواطنين،فليس هناك منجز ملموس وحتى من تفاءل خيرا بهذه الحكومة بدأ يدخل باب الشك وانحصار الأفق،فمازالت الحكومة تغلب منطق الارتجالية في كل شيء وتخصص وقتها وجهدها في نقاشات عقيمة وتتحدث عن سياق وجود مخطط للإطاحة بها وفرملة عملها ،وهذه الإشكاليات لا يمكن تفنيدها إلا بالعمل الجاد وليس بالكلام ،واعتماد منطق التخوين في الكثير من الأحيان. هل مكتوب علينا أن نقضي كل فترة ولاية الحكومة في دراما رتيبة نحاول فيها شد أي خيط يدلنا السير الصحيح، أم نبقى نحيا على إيقاعات اكتشاف الهوية السياسية لهذه الحكومة ،انه في الحقيقة مسلسل كلما تمعنت في حلقاته وأبطاله يزداد الأمر ضبابية،ويذكرنا السيد "بنكيران" دائما بالعلاقة الجيدة مع الملك وان حكومته نابعة من تمثيلية شعبية حقيقية، واللبيب يفهم طبعا يقصد حزبه بالدرجة الأولى الذي حصل على الأغلبية، مع العلم أن الأمور وبمنطق التمثيلية الحقيقية والحسابات والأرقام تفند هذه المزاعم،والإرهاصات الانتخابية ونسبة المشاركة والأوراق الملغاة والممتنعين عن التصويت. إننا في حقيقة الأمر أمام مشهد "مسرحة العمل الحكومي" حيث تضفى عليه بهارات التسلية والهزل وبمقادير غير معقولة،ويضيع المعقول وترهن مصائر الناس، فالخرجات الجماهيرية لوزراء العدالة والتنمية دائما تستحضر نظرية المؤامرة ولعب دور الضحية فهو الحزب العفيف واللطيف الذي لا يقبل النقد والاحتجاج ،والغرابة أن دائرة الاتهام اتسعت وأصبحت تشمل كل من يحتج على حقوقه حيث يتهم بأنه مدفوع من جهات معروفة أي بلغة العفاريت والتماسيح ،وما الخرجات والقفشات الأخيرة للسيد بنكيران في طنجة وأصيلا خير دليل على ذلك فكل من يحتج يندرج ضمنها معادلة غريبة وغير مفهومة ،إما معي أو مع العفاريت،ونخاف أن تشمل هذه الدائرة الشعب المغربي كله بصغيره وكبيره ،فكل من ينتقد أو يحتج على "حكومة بنكيران "هو من العفاريت والتماسيح. في حقيقة الأمر المشهد يعيدنا إلى مسرحية "الزعيم " للممثل المصري عادل إمام،"أيها الشعب، لكن بصيغة لقد قمنا برئاسة الحكومة من أجلكم....؟؟ ولكم بقية الكلام والمسرحية والحكم.