على هامش لقاء بن كيران وبنصالح نزل منسوب ثقة رجال الأعمال في حكومة بن كيران إلى 53 في المائة، وظهر لقاء رئيس الحكومة واتحاد المقاولات "سريا" وبه مطالب مباشرة من الطرفين، لكن دون أفق استراتيجي، ببساطة لأن إدارة الأزمة بمساطر مرنة يمكن وصفها بالامتيازات إدارة غير ناجحة، فنحن أمام ضياع عنصري: الثقة والفعالية. يقول فوكوياما في كتاب حول الثقة أن عاملها جزء صلب وواسع في المعادلة الاقتصادية، وبدون فعالية لا يمكن وجود دينامية تفكر في الحل تقول كريستنا رومر رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين لأوباما، حيث دعت في آخر مقال لها في نيويورك تايمز إلى الاستعانة بالشفقة عاملا ثالثا وواقعيا لمواجة الأزمة. وفي انعدام عوامل: الثقة والشفقة والفعالية نتساءل، هل يجسد تحركنا البطيء قوة، أم شرخا إضافيا في هيكلنا المالي ؟ فمن جهة، التقى رئيس الحكومة النقابات ولم يعط شيئا، وعندما التقى القطاع الخاص لم يأخذ شيئا، لأننا أمام من يريد أن يأخذ من الحكومة ولا يعطي للشعب، وعندما تتكرر المعاناة تضعف القدرة، والمسألة تتعلق بغياب القدرة على المغامرة وتحمل المخاطر والالتزامات الطويلة الأمد، وكلها أفكار حديثة كي لا نشعر بأن المغرب مسطح بتعبير توماس فريدمان واليوم كلنا سطحيون إلى أبعد حد، فالنقابة سطحية، لأنها لا تصنع الصبر لتجاوز أزمة الرأسمال، والرأسمال مسطح يكرر الأفكار ولا يخرج عن العقار، كذلك لا يعرف الصناعة، أي لا يصنع الحق قبل الجهد لانجاح المقاولة، و" الدولة المغربية " مسطحة، لإفلاس صناديق أفكارها وصناديقها المالية في خطوة واحدة، ومتفق عليها. إن أكبر شئ يمنعنا أن نكون حداثيين، في غياب ليبراليتنا هو عدم ابتكارنا لافكارنا، وهو الشيء الضروري والحتمي لزيادة الدخل، والغريب أن يقول فريدمان إن الفقر ليس سوى تضاؤل مستوى الثقة في المجتمع. من المدهش، أن نرى تجمعا هائلا من رجال المال والأعمال يخط برنامجه بشكل جيد، وينشره في الصحافة لقراءة المواطن له كأي برنامج انتخابي، وعندما يجلس رجل الأعمال في الكواليس يطلب "امتيازات وحوافز" ولا يهتم لبناء استراتيجيا، فأغنياء المغرب مجرد "سماسرة" بين الدولة والمواطن، أو سماسرة صفقات أو أهل صفقات مع الدولة. وكشفت 2012، بعد تأخر قانون المالية كيف تعيش المقاولة من الصفقة العمومية، ولا تتمكن أن تنطلق بديناميتها، فالمقاولة المغربية فقدت الثقة في نفسها، كي تسحب ثقتها في الحكومة أو النقابة، ونجد أن سحب ثقة الكل من الكل صناعة محلية وأفق ضبابي لن يحول إيجابيات الانفتاح على أوروبا من خلال وضعنا المتقدم معها أو على أمريكا بعض رفض تعديل واشنطن للاتفاق الحر إلى واقع ببساطة، لأن مقاولتنا تعيش في كنف الدولة، والدولة حاليا تتحول إلى مقاولة كبرى لإنقاذ اتفاقياتها مع الدول الصديقة، وهذه المقاولة كبيرة ومسطحة أو مخزنية وإقصائية أو عائلية ونافذة، أو فقيرة ومتقدمة في الفكرة، وفي مربع الأزمة المذكور، لا توجد تجربة "تنقلنا بشكل متقدم"، لأن المقاولة محافظة كما هي الحكومة ومحيط القصر، والنقابة تعيش في التوافقات، والعامل يضطر في هذا المناخ المحافظ أن يعطي عمله ميكانيكية زائدة. نعيش هذه الأجواء في عالم يقول فيه الصينيون لنيويورك تايمز: الحدود الوطنية لن تقدم لنا أي حماية، لكن ليبراليينا يطلبون حماية الحكومة وصفقاتها وأمومتها، وعندما نقرأ فقاعة العقار نجد أرباحه ب 30 في المائة في المملكة، إن كان في فرنسا من 3 إلى 5 في المائة، مما يعني أن سلوكنا الربحي في هذا القطاع من دون معنى اقتصادي، والاستثمار في القرن الواحد والعشرين، ربح أقل ومهارة فائقة في توسيع العمل، وليس الأعمال بالضرورة. وفي هذا الصدد لسنا مختلفين عن تخلفنا في الشرق الأوسط الكبير، فالخليجيون يستثمرون في العقارات من جدة إلى لندن، ويعلن الصينيون عن استثمارات في التكنولوجيا ببريطانيا بملياري دولار من خلال شركة "هياوي تكنولوجيز"، ببساطة لأنها مركز ابتكار في نظر البعض ومركز سمسرة فقط عند القادمين من الريع النفطي أو المخزني أو ريع أي دولة أخرى. هذه الرؤية تكشف بوضوح، أن خطط المقاولة بدون حلول، ومرتبطة بالخدمة العمومية، ويصعب انتقالها إلى معنى بديل في المقاولة دون خبرة واستفادة من التنافسية الدولية يقول جون ديفي الأستاذ في كلية إدارة الأعمال بجامعة لندن ، وفي الواقع ظهرت عورة مقاولات كبرى، لأنها لم تتمكن من مواجهة الاتفاقين الدوليين مع أوروبا وأمريكا، وعادت لتطلب إغاثة الدولة، وعندما تجمع المزيد من الأرباح لا تعرف هذه الشركات كيف تسثمرها في واشنطن أو باريس، بل تضع ودائعها هناك، لتعود وتستنزف مرة أخرى من الصفقات أوالعطايا... من جانب آخر، شهد السلوك "المقاولاتي" الكثير من الذاتية والانغلاق، والحوار من أجل تحقيق "أرباح" وليس بناء اقتصاد وطني تنافسي، لأن التنافسية لا تقبلها "المقاولة المدجنة"، وفي المغرب نحن ضحايا استحواذ مكشوف من خلال الأبناك التي لا تقبل أن تجدد نفسها، كما لا تقبل بأي إصلاح، والدولة توزع "الصفقات" كعطايا، فتحولت اللوبيات إلى شركات، وعندما ينحل اللوبي تنحل الشركة. ولا ندري كيف لدولة لا تتحكم في وضع الأبناك تحت القانون، وتبشر في وضع الصفقات تحت هذا المسمى، أن يتقرر معها التقدم، لأن خلط القانون والثروة السيادية ومنطق الاستحواذ، يزيد عن خلطة القرون الوسطى في بعض الجوانب. وعلى امتداد السوق، نجد السماسرة مهيكلين لأثمان العموم، وقد تفاجأ بن كيران عندما زاد في المحروقات، فتضاعفت الزيادات إلى 500 في المائة قبل أن تستقر عند 250 في المائة حسب دراسة دولية وظهر أن المواطن البسيط والمتوسط يدفع ثمن كل شئ، كما لا يدفع الارستقراطي شيئا للدولة، لأن الغني متملص من الضريبة ويأكل امتيازات الدعم، وجزء من مقاولته تعيش على ريع الصفقات الكبرى أو المتوسطة، ويعلن استثماراته في صالح الدولة. وإن استثمارات "الريع" لا تشكل "استثمارات بناءة" أو صناعية أو مهيكلة لاستثمارات أخرى، وبالتالي، هي عبأ واسع على أي هيكلة أو إعادة هيكلة تقوم بها الدولة، والمغرب يفقد ما بين 37 و 45 في المائة من تمويل إصلاحاته عن طريق القروض. هذا الوضع كارثي بكل المقاييس، لأن دولتنا ترغب أن تبقى مسطحة، ولصالح لوبيات نافذة والحكومة "مسهلة" لتدبير قروض جديدة تضمن صفقات "موجهة" بأرباح مضمونة لأصحاب الشأن، يقول جون ديفي في هذا الشأن: لا بد من امتداد سوق عقارات "ناضج" بالحرف وليس مسطح وربحي وغير متطور، إلا من خلال توازنات التضخم، فالعقار يكشف التضخم، ويأكل جزءا منه، ولا يعطي مؤشرا إلى أي سياسة طويلة المدى. وإن كان الأمر كذلك في دراسة البروفسور المذكور في لندن، فكيف يمكن أن تبني بنصالح كل آمالها على المقاولة العقارية، وهي لا تمثل " التقدم "، وانطلاقتنا لن تكون دون عملية نشوء اقتصادي وارتقاء، تضمن ليس صناعة الربح، إنما تحقيق القيمة المضافة. إننا أمام تفاصيل مؤلمة: لذلك ينبغي أن نقر خطة شاملة، قوية خاصة بعجز الموازنة في أسرع وقت ممكن، وأن تكون النقابة المواطنة والشركة الحقيقية والدولة غير المسطحة أسسا داعمة لانطلاقة جديدة ومتفق عليها. لابد أن يتعافى المغرب أو أن يحترق: هذه المقولة صادمة لكنها الأكثر واقعية، حيث الأزمة شرسة، وتأكل توازننا الماكرو اقتصادي بشكل يذيب معه أي هندسة مالية سريعة وقادرة على تعزيز النمو الاقتصادي، فنحن ننخرط بسرعة أكبر في الانكماش، والعالم يخرج منه، ونحن لسنا جاذبين للمشروعات الكبرى، لأن الحيتان تفرض إيقاعا خاصا كي لا يتحرر المغرب من ريعه، والاستثمارات الأجنبية لا تريد امتيازات، وترغب في مناخ عادل ومستقر. الخطأ الأول الذي ارتكبناه، أن نحكم في كل قضية لصالح الأجنبي، وعندما توفرت الأسباب لرفض ذلك انقلبنا على هذا الامتياز، والخطأ الثاني، نحن المغاربة لا نبدع في الشراكة بيننا، وننظر دائما إلى موطئ أقدامنا وقد نصحنا البروفسور ستيفن هوكينغ وفي لحظة باكية وعالية بافتتاح دورة للألعاب البارا ألمبية لندن 2012 قائلا: أنظر إلى النجم الأعلى ولا تنظر إلى قدميك إلى الأسفل. هذه القدرة وحدها يمكن أن تطور أسلوبنا الذي يجب أن يكون مقدمة لأسلوب جديد، لأننا أمام ناس معولمين، لا يؤمنون بالحدود والدول، وفي المستقبل القريب سيكون الاجتياح عنيفا أكثر، والمقاولات مضطرة أن تنهض أو تموت، لأنها لا تبدع ولا تصنع، وليس لديها خطة خدمة في التجارة أو خطة عمل متقدم في الصناعة، أو رؤية جديدة لضمان أن تكون الحوافز أسلوبا عصريا ليس من الدولة، إنما من حالة المصاحبة، لأن كل مقاولة تخسر إن لم تبدع طاقتها الذاتية وتتخطى الأزمة من خلال جعل الفكرة قادرة على منح أسلوب جديد في المقاربة أو في العملية نفسها. وفي كلمة الرئيس الصيني في " أبيك " بفلاديفوستوك الروسية ما يعطينا بعض التقدير لما دعاه سقاية "البراعم الخضراء"، أي الخطوات الإصلاحية للخروج من الأزمة، فهل يتمكن المواطن المغربي وحكومته من سقي هذه البراعم ؟ والجواب سيكون أوروبيا، لأن ألمانيا زادت من قيمة العمل، لأن الإنسان الاقتصادي التزام بشروط أو باتفاق، واليوم على حكومة بن كيران واتحاد بنصالح أن يحولا كل خطواتهما إلى اتفاقات. وهذه الطريقة ناجعة، لأننا بدون تغيير الصورة التي تجمع الالتزام الديني لأن العمل عبادة، والالتزام المقاولاتي، الذي يجعل العمل ربحا، يكون الوضع أسوأ، فالاستثمارات المشتركة قادرة أن تكون حقيقية، وغير محققة، وبينهما يعيش الالتزام كطاقة تجمع الشبكة لإنتاج فعل. يقول ديفيد سيغال في مقال له: تلح الشركات على الحاق ضمانات مع بضائعها، لأن الشركة التي لا تعرف كيف تبيع، لا تعرف بالأصل ماذا تبيع، لكن عدما تصنع الشركة تعرف أين تبيع، وقدرة الدولة على معرفة الشركات يجعلها بصيرة، وعندما تدعم ما تريده بيروقراطيتها تكون عمياء، وكل دولة عمياء ومسطحة تذهب إلى تقطيع أوصالها من أجل لوبياتها. يقول ستيفن راتنر ( مسؤول في وول ستريت )، هناك آلية للثراء توازي آلية لإنتاج الفقر، وتدميرهما واجب لحل المشاكل، ولابد في مغربنا من تدمير الآليتين معا، ليكون القانون سيدا، لأن الأغنياء يمتلكون دولة في الدولة والفقراء يمتلكون مجتمعا في المجتمع، وفي هذا الواقع يسعى الجميع إلى كفاءة المقاولة ومواطنة النقابة وعدالة الدولة، في ترتيب واحد، لا يمكن فيه أن نلعب بالأولويات، فالنقابة سلمت سلما اجتماعيا طويلا بدون مردود واضح، حيث ذهبت المعالجة لزيادة الأجور بنصف معدلات التضخم، وقررت المقاولات أن تعيش تحت السلم المعلن لا تديره، بل ستفيسد منه. وفي هذه التقديرات نقرأ تخفيضات ضريبية حولت كل الشركات إلى العقار، وأصبحت الأرباح "الرأسمالية" تزيد كلما سمحت الدولة ببعض المرونة، فتدخل الجميع في عرقلة بيع أراضي معينة وسيطر آخرون، لتصبح الدولة مجرد سمسار عقاري، من الجماعة الترابية وإلى أعلى دوائر القرار. وقدرتنا على توفير صناعة قديمة في العقار يكشف إلى حد يصعب معه التحكم في معدل استهلاكنا واستيرادنا، وكيف يمكن أن يكون إجراء معدل ضريبي على الشركة المتعددة الرؤوس الهولدينغ نافذا وغير شاملا. نتيجة لذلك، زاد ثراء الأثرياء بطريقة ممنهجة، تحكمها التسهيلات والإعفاءات وسلطة النفوذ والريع، وتقرر أن يزيد الفقر، بموازاة ذلك، من خلال سياسات عدم المساواة، لأن "الدولة المسطحة" تصنع ثراء فاحشا وفقرا شديدا لترتيبات المعادلة الخطية، والأفقية، العميقة السوء. ومن شأن سياسات من هذا النوع أن تزيد من تمويه العدالة، لأن المساواة ليست قيمة خاصة ومتداولة كحق من الحقوق ومطلب من المطالب. ومن المؤكد أن حزمة الإجراءات التي يقدمها بن كيران غير كافية، لأن عدالة الأجور، من مساواة العمل على الأجر، والعمال مع الأداء، تخلق سبيلا لحل المشكلة، هذه الفكرة من برنامج أوباما، ومن فريقه الاقتصادي، لاكتشاف أمريكا الأكثر ليبرالية أن قيمة العمل لن تكون دون منظومة قيم متكاملة تشد المساواة إلى العدالة والرؤية إلى العمل، والصناعة إلى الزراعة، وإلا فالموقف الاقتصادي لن يكون مستقرا، لأن الارتقاء دفعة أخرى، وليس بالضرورة درجة قد لا تتمكن من الوقوف عليها !