بحلول الاثنين فاتح أكتوبر٬ تكون مدونة السير على الطرق قد استوفت سنتها الثانية دون أن تنجح في تحقيق السلامة الطرقية المنشودة والتقليص من المآسي التي تخلفها حوادث السير بالمغرب. فحرب الطرق مازالت متواصلة مخلفة خسائر بشرية ومادية٬ أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها فادحة. واقع الحال يؤكد أيضا أن إدخال تعديلات جوهرية على هذه المدونة أضحى ضرورة ملحة٬ يقرها المسؤولون عن القطاع أنفسهم بعدما لم تستطع هذه الترسانة القانونية الحد من نزيف الطرق٬ وبالتالي لم تزحزح المغرب عن تصنيفه في مراتب متقدمة عربيا وعالميا من حيث عدد حوادث السير. وإذا كانت حصيلة السنة الأولى من المدونة "إيجابية" حيث انخفض عدد حوادث السير خلال الفترة الممتدة من أكتوبر 2010 إلى شتنبر 2011٬ بنسبة 6,16 بالمائة٬ فإن حصيلة هذه السنة وإن لم يكن قد تم الإعلان عنها بعد٬ تنذر بارتفاع في عدد هذه الحوادث٬ ولا أدل على ذلك حادثا الناظور والصويرة في يوليوز الماضي اللذان خلفا 27 قتيلا ونحو 43 جريحا في يوم واحد٬ وحادث إقليمالحوز أوائل شتنبر الجاري والذي أودى بحياة 42 شخصا. وحسب وزير التجهيز والنقل عزيز رباح فإن الكلفة الاقتصادية والاجتماعية لانعدام السلامة الطرقية في المغرب٬ بما في ذلك الخسائر في الأرواح وصعوبات إعادة تأهيل الضحايا٬ تبلغ حوالي 12 مليار درهم. ولمواجهة هذه الوضعية٬ أعلن الوزير مطلع الشهر الجاري عن إحداث خلية تتولى بحث السبل الكفيلة بمواجهة إشكالية حوادث السير٬ لاسيما من خلال اتخاذ تدابير ذات طبيعة استعجالية في أقرب الآجال٬ وأخرى هيكلية تتعلق بتكريس مهنية القطاع٬ وذلك في أفق جعله قطاعا استثماريا تنافسيا يقوم على الجودة والامتثال لمختلف معايير السلامة. وأوضح الرباح في تصريح للصحافة٬ عقب انعقاد اجتماع اللجنة الاستعجالية المكلفة بتدارس التدابير المزمع اتخاذها من طرف الحكومة لمواجهة إشكالية حوادث السير٬ برئاسة رئيس الحكومة٬ وذلك على خلفية الحادث المأساوي الذي وقع مطلع الشهر الحالي بإقليمالحوز٬ أن هذه الخلية ستنضاف إلى كل من اللجنة الوزارية المشتركة التي يرأسها رئيس الحكومة٬ واللجنة الدائمة للسلامة الطرقية برئاسة وزير التجهيز والنقل. الوزير أقر٬ وفي عدد من المناسبات٬ أنه بعد الشروع في تطبيق المدونة ظهرت إشكاليات تتعلق ببعض البنود "الجيدة" التي لم تطبق٬ وبعدم توفير ما يكفي من الوسائل التقنية كالرادارات٬ وبمعالجة الذعائر٬ وتحديد المسؤولية في حوادث السير المؤدية للقتل. كما أقر بأن بعض البنود المتعلقة بالذعائر والعقوبات الحبسية وسحب رخص السياقة تعتبر "قاسية" بالنظر إلى أوضاع المهنيين والمواطنين٬ خاصة أن رخصة السياقة هي وسيلة العيش الوحيدة بالنسبة للمهنيين. من جهة أخرى٬ قال الوزير إنه لن يتم الاكتفاء فقط في مجال النقل بالنص القانوني٬ وإنما سيتم الاشتغال مع جميع المتدخلين كوزارتي التشغيل والداخلية للتنزيل الأمثل لبعض بنود هذه المدونة٬ خاصة في شقها الاجتماعي وما يتعلق بالمراقبة والسلامة الطرقية. وأضاف أنه "في إطار التفاعل مع الشركاء من مهنيين ومجتمع مدني ومنتخبين ارتأينا الاستماع لآرائهم حول مدونة السير على اعتبار أنها كانت ولا تزال موضع جدل٬ حيث هدد المهنيون بإضرابات ونفذوها أكثر من مرة"٬ على أن تكون للمؤسسة التشريعية "كلمة الحسم" في ما سيقترح من تعديلات٬ مبرزا أن الوزارة تبنت منهجا حواريا مع هؤلاء الفاعلين لمناقشة مقترحاتهم وأيضا انتقاداتهم لهذا القانون. وفي انتظار التنفيذ الأمثل لمدونة السير على الطرق وتجاوز بعض النقائص التي ظهرت بعد دخولها حيز التنفيذ٬ يبقى الحد من الحوادث السير مسؤولية مشتركة بين جميع مكونات المجتمع من حكومة ومهنيين ومجتمع مدني دون أن ننسى الجانب التربوي والتحسيسي للحد من هذه الظاهرة التي تكلف الدولة غاليا على المستويين البشري والمادي.