أصدر نادي قضاة المغرب مؤخرا وثيقة "المطالبة بالكرامة والاستقلال الحقيقي والفعلي للسلطة القضائية" في بادرة جديدة تدخل ضمن سلسلة من المبادرات أعلن عنها نادي القضاة الذي يعتبر الجمعية المهنية القضائية الأكثر تمثيلية في المغرب، حيث عممت الوثيقة على كل وسائل الاعلام الوطنية والدولية قبيل أيام قليلة من تنظيم أول وقفة وطنية للقضاة ببذلهم الرسمية أمام محكمة النقض بالرباط في السادس من أكتوبر من العام الجاري. السياق العام والخاص للوثيقة: يأتي الاعلان عن هذه الوثيقة في إطار سياق عام يتمثل في الظرفية الدقيقة التي يمر منها المغرب في طريقه نحو الانتقال الديمقراطي بعد المصادقة على دستور فاتح يوليوز 2011 الذي تضمن عددا من المقتضيات القوية في هذا المجال في مقدمتها الاعتراف بالقضاء كسلطة مستقلة وتكريس حقوق القضاة وحريتهم في التعبير والتجمع وتأسيس جمعيات مهنية قضائية والانخراط فيها. ويتزامن اصدار الوثيقة أيضا مع الحراك الشامل الذي يعرفه المغرب عبر كل المستويات سياسيا واجتماعيا وحقوقيا، وهو ما تعزز أيضا على الصعيد القضائي بميلاد نادي قضاة المغرب كأول جمعية مهنية قضائية ترفع مند تأسيسها شعار الاصلاح وتعلن استقلاليتها عن السلطة التنفيذية، إلى جانب المتغيرات الاقليمية والدولية والمتمثلة بالأساس فيما يعرف بالربيع العربي والمطالب المتعددة بالإصلاح وسؤال حقوق الانسان بين الكونية والخصوصية. أما السياق الخاص للوثيقة فيتزامن مع استعداد مئات القضاة المنخرطين في نادي قضاة المغرب لتنفيذ شكل جديد من الأشكال التعبيرية للمطالبة باستقلالية السلطة القضائية من خلال الوقفة الوطنية للقضاة المزمع تنظيمها بالبذل الرسمية أمام محكمة النقض في صبيحة يوم السبت 06 أكتوبر 2012، وذلك بعد خوض سلسلة من الأشكال التعبيرية التي قررها المجلس الوطني للنادي في اجتماعه المنعقد بتاريخ 05/05/2012، كان من أبرزها حمل الشارة لمدة أسبوعين، وتأخير الجلسات مدة 15 دقيقة، والتوقف عن طباعة الأحكام ومقاطعة كل أنشطة وزارة العدل، وذلك قبل موعد الوقفة المقبلة. كما يأتي توقيت اصدار الوثيقة مع الدخول القضائي الجديد واستئناف جلسات ما يعرف "بالحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة" الذي يستمر تحت إشراف وزير العدل والحريات رغم اقصاء فعاليات واسعة معنية بالموضوع من بينها نادي قضاة المغرب. مضمون الوثيقة: تنطلق الوثيقة من الاجابة على أربعة أسئلة محورية تحدد الجهة الصادرة عنها، والجهة الموجهة إليها ، والهدف من اصدارها والمرتكزات التي تستند عليها. فالوثيقة من جهة صادرة عن المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب وتعبر عن رأي كل الأعضاء المنخرطين في هذه الجمعية المهنية القضائية كما يستشف من عبارة "نحن أعضاء نادي قضاة المغرب"، وهي موجهة بالأساس إلى "الرأي العام، الوطني والدولي"، قصد "التوضيح والبيان" لأسباب الأشكال التعبيرية أو الاحتجاجية التي يخوضها النادي منذ 15/05/2012، والتي ستتعزز مؤخرا بالوقفة الوطنية للقضاة للسادس من أكتوبر من العام الجاري. من جهة ثانية تحدد الوثيقة "منطلقات لا بد منها" وهي مرتكزات تؤسس للمسيرة النضالية التي يقودها نادي قضاة المغرب منذ تأسيسه بحيث تشكل ثوابت تؤطر عمل النادي وتتمثل بالأساس في: - التشبث بتوجيهات المؤسسة الملكية باعتبارها الضامنة لاستقلال السلطة القضائية عملا بمقتضيات الفصل 107 من الدستور. - الالتزام بالمقتضيات الدستورية ذات المرجعية الحقوقية والديمقراطية ولا سيما ما يتعلق بضرورة التشبث بمبادئ التجرد والحياد والاستقلال طبقا للمادة 111 من دستور فاتح يوليوز التي اعترفت للقضاة بحق تأسيس جمعيات مهنية والانخراط فيها لكن ضرورة "احترام واجبات التجرد واستقلال القضاء"، ولا شك أن هذه المقتضيات هي التي عبر عنها واضعوا الوثيقة بشكل صريح بقولهم: "إذ نعلن، جهارا نهارا، أننا لا نتحمل أية مسؤولية إن تقاطعت أهدافنا المنصوص عليها في المادة 4 من القانون الأساسي للنادي -عن طريق الصدفة- مع أهداف أية جهة كانت، سواء على صعيد المنظمات النقابية أو الأحزاب السياسية ". وتؤكد الوثيقة من جهة أخرى على أن احتجاجات القضاة المعبر عنها في إطار "نادي قضاة المغرب"، ليست هدفا بحد ذاته، وإنما هي اضطرار طبيعي نابع من طريقة تعامل الحكومة مع ملفه المطلبي، والتي يطبعها أساسا الاستهتار واللامبالاة، بدل الجلوس إلى طاولة الحوار حسب ما تقتضيه روح المسؤولية المواطِنة ؛ كما أن الهدف من هذه الاحتجاجات لا ينحصر فقط في تحسين الوضعية المادية المزرية للقضاة كما يتصور البعض، وإنما يتمثل أيضا في الدفاع عن: "الكرامة والاستقلال الحقيقي والفعلي للسلطة القضائية"، باعتبارها امتيازا للمجتمع والمواطن وليس للقاضي فقط. من جهة ثالثة وفي سبيل التوضيح والبيان الموجه للرأي العام الوطني والدولي تحدد الوثيقة أسباب الوقفة الاحتجاجية التي سينظمها قضاة المغرب في السادس من أكتوبر فيما يلي: - المطالبة باستقلال حقيقي وفعلي للسلطة القضائية :وهو ما لا يتأتى إلا بالتنزيل الحقوقي والديمقراطي للباب السابع من الدستور الجديد، لاسيما في شقه المتعلق بالقوانين التنظيمية المتعلقة بالمجلس الأعلى للسلطة القضائة، والنظام الأساسي للقضاة، من خلال: أ- مبدأ اشتغال المجلس الأعلى للسلطة القضائية وفق معايير: الشفافية والمساواة وتكافؤ الفرص ؛ ب- مبدأ عدم قابلية القضاة للنقل، وعدم استعمال هذا الأخير تحت أية ذريعة لاسيما ما يسمى ب"المصلحة القضائية" أو التكليف بمسؤولية ؛ ت- مبدأ استقلال جهاز المفتشية العامة عن وزارة العدل، مع جعلها مستقلة ينتخب أعضاؤها من طرف القضاة لمدة معينة ؛ ث- مبدأ إلغاء نظام تنقيط القضاة من قبل مسؤوليهم المباشرين، وإلغاء التفتيش التسلسلي وتعويضه بنظام التأطير القضائي ؛ ج- مبدأ استقلال قضاء التحقيق عن النيابة العامة، وعن وزارة العدل في التعيين وإنهاء المهام، وتكريس مبدأ عينية التحقيق، وذلك بعدم تقييد سلطة قاضي التحقيق في توجيه الاتهام بملتمس النيابة العامة ؛ ح- ضرورة إخضاع جهاز الشرطة القضائية بكل مكوناتها لسلطة النيابة العامة بشكل مباشر وحصري، وذلك بالنسبة لتنقيطهم وترقيتهم ونقلهم، وللغرفة الجنحية فيما يتعلق بتأديبهم. وضرورة مراعاة مبدأ الفصل بين السلط في كل جزئياته، وذلك بتكريس استقلال حقيقي لسلطة النيابة العامة عن السلطة التنفيذية، ضمانا لسمو القانون وتأمينا لمساواة الجميع أمامه، 2- المطالبة بعدم انتهاك حرمة القضاء والانتقاص منه 3- المطالبة بعدم الإجهاز على الفصل 111 من الدستور المتعلق بحق القضاة في التعبير 4- المطالبة بالكرامة اللائقة بالسلطة القضائية والقضاة. والواضح من المقتضيات السابقة أن الوثيقة استفادت من عدد من المرجعيات التي أطرت لعمل النادي خلال السنة الأولى من تأسيسه ولا سيما توصيات الدورة الأولى لمجلسه الوطني المنعقد بالمعهد العالي للقضاء في الرباط بتاريخ 26 و 27 نونبر 2011، والندوات الوطنية والجهوية التي نظمها والتي تجاوز عددها 22 ندوة أسهمت كلها في بلورة التصورات المقدمة في هذا المجال. دلالات الوثيقة: لا شك أن اصدار هذه الوثيقة بالنظر إلى توقيتها ومضمونها يؤشر على التحول الذي وقع في طريقة عمل نادي قضاة المغرب الذي يخطو خطوات ثابتة نحو مزيد من التنظيم والتنظير جنبا إلى جنب مع العمل الميداني، إذ تعد وثيقة المطالبة بالكرامة والاستقلال الفعلي والحقيقي للسلطة القضائية إحدى أهم أدبيات النادي بل و إطارا مرجعيا من شأنه تقديم أجوبة على أسئلة الفاعلين في منظومة العدالة والمهتمين بسؤال الاصلاح، وكذا المواطن العادي الذي من حقه أن يفهم ويتفهم أسباب هذه الحركة الاحتجاجية أو التعبيرية التي يقوم بها القضاة ليعرف الجهات التي تتحمل مسؤوليتها، حتى لا يظن ولو على سبيل الخطأ أنها موجهة ضده أو لا تراعي مصلحته إذ تبقى حقوق المواطنين وحرياتهم أولى الأولويات التي يرفعها نادي قضاة المغرب، حيث ستؤول حسب مضمون الوثيقة "للعبث والتلاعب والضياع كلما كان القضاء ذليلا غير كريم، وتابعا غير مستقل"، وتجيب الوثيقة أيضا بكل وضوح عن اعتقاد لطالما راود بعض الفرقاء أو المهتمين ممن اعتبر احتجاج نادي القضاة خلال اللحظة الراهنة موجها بالأساس للحكومة الحالية فلكل من طرح التساؤل الآتي: لماذا لم يتحرك القضاة قبل مجيء الحكومة الحالية؟ ترد الوثيقة بأن "الإرهاصات الأولى المؤَسِّسَة لنادي قضاة المغرب، لم تكن وليدة اليوم أو اللحظة، وإنما برزت للوجود لما أنشأ قضاته الأوائل صفحة على مواقع التواصل الاجتماعي في خضم الحراك الشعبي المتنسم بالربيع الديمقراطي العربي، وحتى قبل الإعلان عن الإصلاحات الدستورية ... ناهيك عما استتبع ذلك من منع لجمعهم التأسيسي في ظل الحكومة السابقة، والذي يعتبر، وبلا شك، أول خرق لروح الدستور الجديد من لدن جهات غير معلومة "، وهو ما يؤكد أن وقفة السادس من أكتوبر مجرد حلقة في مسلسل احتجاجات وأشكال تعبيرية يخوضها النادي للمطالبة باستقلالية السلطة القضائية. من جهة أخرى تعكس الوثيقة تحول النادي إلى قوة اقتراحية فمن الدعوة إلى استقلالية النيابة العامة عن وزارة العدل، إلى رفع شعار التخليق من الداخل عن طريق الاعلان عن البرنامج الوطني لنادي قضاة المغرب لتخليق منظومة العدالة"، تحت شعار: "محاكم بدون رشوة" والذي يستهدف بالأساس المواطن وكل مكونات منظومة العدالة وهي المبادرة التي يجب وضعها في سياق مبادرات أخرى مماثلة أهمها مبادرة التصريح بالممتلكات. إن وثيقة "المطالبة بالكرامة والاستقلال الحقيقي والفعلي للسلطة القضائية" التي صدرت مؤخرا بقدر ما تفيد في فهم طبيعة وأسباب احتجاج القضاة إلا أنها تسائل أيضا الوزارة الوصية على القطاع خلال هذه الفترة الانتقالية وهي وزارة العدل والحريات إذ تطرح أكثر من استفهام حول الجهود التي بدلتها من أجل ثني القضاة عن احتجاجاتهم أو تفهم مطالبهم، إذ لم تتمكن الوزارة المذكورة وللأسف من الاستفادة من مبدأ التدرج في الأشكال التعبيرية التي أعلنها نادي قضاة المغرب والمساحة الزمنية التي أتيحت بهذا الخصوص وإنما على العكس من ذلك استهترت من هذه الأشكال "الرمزية" واعتبرتها غير مؤثرة، ولم تفهم أنها مجرد أداة أولية يرجى منها فقط دق ناقوس الخطر، بل و فشلت في تفهم موقف القضاة أو تقديم أي ضمانات حقيقية لهم للجلوس إلى مائدة الحوار، وظهرت وكأنها لا ترحب أصلا بهذا الحوار من خلال أسلوب الاستهتار والمماطلة وتعمد الإقصاء. وهو ما دفع نادي قضاة المغرب للانتقال لخوض جيل جديد من الأشكال التعبيرية أكثر حدة وقوة وذلك بالإعلان عن تنظيم وقفة وطنية للقضاة في سابقة تعد الأولى من نوعها في تاريخ المملكة من أجل المطالبة بالكرامة والاستقلال الحقيقي والفعلي للسلطة القضائية. عضو نادي قضاة المغرب بأزيلال