ذ أنس سعدون الصورة: قضاة المحكمة الابتدائية بأزيلال يحملون الشارة في سابقة تعد هي الأولى في تاريخ القضاء بالمغرب انخرط أزيد من 3000 قاض (من مجموع 3700 العدد الاجمالي لقضاة المملكة) منضوون تحت لواء نادي قضاة المغرب الجمعية الأكثر تمثيلا للقضاة في ممارسة أولى الأشكال التعبيرية المطالبة باستقلالية السلطة القضائية، وذلك من خلال حمل شارات حمراء احتجاجا على "تعنت الحكومة في تنفيذ الخطب الملكية السامية المتعلقة باستقلالية السلطة القضائية ورفضها مبدأ الحوار"، وهو أول شكل احتجاجي للقضاة من هذا الجحم في تاريخ المملكة المغربية، خصوصا وأنه يأتي بعيد أيام قليلة من إطلاق حوار وطني لإصلاح منظومة العدالة. وقد أكد رئيس نادي قضاة المغرب الأستاذ ياسين مخلي أن القضاة مضطرون لخوض أشكال احتجاجية غير مسبوقة للمطالبة باستقلالية السلطة القضائية بكل تجلياتها خاصة وأن الحكومة الحالية وكذا الحكومات السابقة لم تتفاعل مع محاور الخطاب الملكي التاريخي ل 20/08/2009، ولا سيما في الشق المتعلق بتحسين الوضعية المادية للقضاة، وأضاف مؤكدا أن "نادي قضاة المغرب سبق وأن تقدم بطلب مقابلة رئيس الحكومة من أجل مناقشة الملف المطلبي للقضاة، غير أنه لم يتلق أي رد بخصوص طلبه. كما أنه تم منح الحكومة آجال كافية، ابتداء من شهر يناير إلى غاية 15 ماي الجاري، قصد الرد إلا أنها لم تبادر باتخاذ أي خطوة ايجابية في هذا الصدد"، مذكرا بكون توصيات المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب المنعقد بتاريخ 05/05/2012 بحضور أزيد من 2000 قاض حددت مجموعة من الأشكال الاحتجاجية وفوضت للمكتب التنفيذي صلاحية الشروع في تنفيذها ابتداء من تاريخ 15/05/2012. ويشرح الأستاذ هشام العماري عضو المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب السياق العام لانطلاق حركة احتجاجات قضاة المملكة ويقول: "لقد دشن نادي قضاة المغرب أشكالا احتجاجية في سبيل التسريع من وتيرة إصلاح العدالة و ترسيخ استقلال فعلي و حقيقي للسلطة القضائية، علما بأن دستور 2011 اعترف لأول مرة بالقضاء كسلطة، و قد سبق لنادي قضاة المغرب أن أمهل الحكومة أجلا دام 120 يوما كي تبادر بالاستجابة لمطالب القضاة دون جدوى" . و يؤكد ذ هشام العماري أن نادي قضاة المغرب يعتزم مواصلة أشكاله الاحتجاجية إلى حين تجاوب الحكومة مع مطالبه المشروعة بشكل جدي و مسؤول، لا يدفعه في ذلك أي هاجس نقابي أو هدف سياسي و إنما يحركه هاجس الدفاع عن استقلال القضاء على أرض الواقع بعيدا عن الشعارات السياسية و الأطروحات النظرية التي ظلت حبيسة المزايدات السياسية طيلة عقد من الزمن . ويضيف قائلا: "إن نادي قضاة المغرب سيدافع عن أفكاره رغم التضييق الذي يعاني منه ورغم إقصائه من اللجنة العليا للحوار حول إصلاح العدالة التي شكلتها الحكومة مؤخرا إيمانا منه بأنه مسؤول تجاه المجتمع و المواطن عن أداء رسالته كجمعية مهنية قضائية مواطنة و مستقلة، و قد عبر قضاة المملكة في مختلف أرجائها تضامنهم مع مطالب نادي قضاة المغرب من خلال حمل الشارة الحمراء ابتداء من يوم 15-05-2012 ولمدة أسبوع بعدها سيقرر المكتب التنفيذي بتنسيق مع المجلس الوطني الشكل الاحتجاجي الموالي ما دام أنه إلى غاية الآن لم نرصد تعاطيا إيجابيا للحكومة مع مقترحات النادي". من جهة أخرى يوضح الأستاذ عبد اللطيف طهار عضو المجلس الوطني لنادي قضاة المغرب أسباب هذه الاحتجاجات من خلال توجيه مجموعة من الرسائل الواضحة والمعبرة للمواطنين حيث يقول: "أود أن اوجه رسالة الى الأخوة المواطنين مفادها أن احتجاج نادي قضاة المغرب الذي ابتدأ بحمل الشارة الحمراء هو من أجل المواطن المغربي ومن أجل الوطن . إذ أن هدفنا بناء سلطة قضائية حقيقة كفيلة بتحقيق الأمن القضائي وصون حقوق الافراد والجماعات والدفاع عن كرامتهم . وهدفنا أيضا معالجة الظواهر المرضية التي تنخر جسم القضاة وذلك عن طريق الانخراط الايجابي في مسلسل التخليق وجعل القاضي في خدمة القانون والعدالة بعيدا عن كل ما من شأنه ان يدفعه الى الزيغ عن هذه الرسالة النبيلة" . ويضيف الأستاذ عبد اللطيف طهار "هدفنا ليس الاحتجاج من أجل الاحتجاج ولا نسعى الى تحقيق اهداف أو مصالح شخصية بل احتجاجنا الهدف منه خدمة الصالح العام والمساهمة في رقي بلدنا؛ اما نحن القضاة فسوف نكمل أيامنا ونذهب الى حال سبيلنا في جميع الحالات؛ إنما احساسنا بثقل المسؤولية الملقاة على عاتقنا هو ما دفعنا الى ما نصبو اليه . يجب على المواطن المغربي ان يتفهم أن عملنا من داخل نادي قضاة المغرب يهدف بالدرجة الاولى إلى المساهمة في رقيه وإزدهاره وليس لأجل شيء آخر". وتؤكد الأستاذة حجيبة البخاري رئيسة المكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بمكناس والحاصلة على جائزة المرأة القاضية لموسم 2011/2012 على أن "المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب أعلن عن خطة نضالية ابتداء من تاريخ 15/05/2012 في حالة عدم الاستجابة للملف المطلبي المطروح على طاولة رئيس الحكومة ووزير العدل والحريات، وقد اختار أسلوب التدرج في الأشكال الاحتجاجية، بدءا بحمل الشارة، والإضراب عن العمل، وتنظيم وقفة احتجاجية أمام محكمة النقض، إلى الاستقالة الجماعية، وهي أشكال تعبيرية احتجاجية لا تعد غاية في حد ذاتها، ولا تعتبر تحديا لأي كان، ولا عرقلة لعمل جهة معينة، بقدر ما هي صرخة جماعية لقضاة أحبطهم التسويف، وقتلهم الانتظار، خصوصا بعد الخطاب الملكي السامي الذي صادف يوم 20 غشت 2009، والذي حمل إشارات قوية، واضحة المعالم والدلالات بخصوص ضرورة إصلاح القضاء". ويقول الأستاذ سعد الدحوتي نائب الكاتب العام للمكتب الجهوي لنادي قضاة المغرب بالحسيمة: "إن القضاة اليوم و من خلال ناديهم هم في حالة احتجاج , و احتجاجهم هذا نابع من قناعتهم الخالصة بان اي اصلاح جدري لمنظومة العدالة بصفة عامة و لجهاز القضاء على الخصوص لابد ان يتمخض عن حوار شامل و عميق يضم كل مكونات القطاع بلا استثناء في اطار تشاركي محض يشمل دراسة كل المشكلات العالقة و في مقدمتها اصلاح الوضعية الاجتماعية و المادية للقاضي , و بدون ذلك فان اي تصور اخر لهذا الاصلاح سيبقى مجرد تصور صوري ستستمر معه احتجاجات القضاة من خلال ناديهم المغيب الاكبر من لجنة الحوار لتعرف طرقا احتجاجية اخرى اكثر تصعيدا في المقبل من الأيام". والملاحظ أن قضاة المملكة انخرطوا بشكل كبير في تنفيذ أول شكل احتجاجي يدعو إليه نادي القضاة ووصلت نسبة حمل الشارة ما بين 90 % و 100 % في أغلب المحاكم، إذ حملها القضاة المنخرطون في النادي، فضلا عن القضاة المتعاطفين معه، سواء بالمحاكم العادية أو المتخصصة، الابتدائية أو محاكم الاستئناف أو محكمة النقض، بل وقد امتد حمل الشارة إلى قلب وزارة العدل والحريات إذ انخرط العديد من القضاة الملحقين بالإدارة المركزية في تنفيذ هذا الشكل الاحتجاجي الأول الذي تعرفه الساحة القضائية بالمغرب. وينتظر القضاة بترقب واهتمام كبير اجتماع المكتب التنفيذي لنادي قضاة المغرب يوم السبت القادم حيث من المقرر أن يعلن عن الشكل الاحتجاجي الثاني بعد تقييم حصيلة الأسبوع الأول من هذا الحراك القضائي .