هل إلياس العماري ناطق رسمي باسم تيار في الدولة يريد نهاية العدالة والتنمية، ويدعو إلى الالتفاف حول الملك ومؤسسته كما يقول محسن الأحمدي في حواره مع أخبار اليوم. والجواب واقع بين أزمتين: أن يعلن النظام حالة الاستثناء في وجه الدستور الجديد، وإدارة المعركة أمنيا إلى حين مرور آخر نسمات الربيع العربي أو تجريب سيناريو " التأزيم " المستمر بين رئيس الحكومة ومحيط الملك كي لا يضع الإسلاميون " بصمتهم " بالمطلق على الإدارة، ويتمكن البيروقراطيون الحاكمون لنصف قرن ونيف من حماية أنفسهم ومصالحهم وريعهم باسم سياسي خادع: الاصلاح. قد يكون الحاكم مرتاحا للقضاء على حركة 20 فبراير، والأمنيون الكبار أصحاب القرار في المغرب يمسحون آثار الخضرة من جلباب المخزن، ولا تستدعي السيرورة في نظرهم إدارة حالة الاستثناء بتكلفتها الكبيرة. ويبقى الاختيار الأخير، إعلان إدارة " استثنائية " للمرحلة تستثمر " شعبوية " بن كيران المزعجة للطبقات الوسطى، وهي تنزل بردا من الألفاظ ونارا من الأسعار على القاع الاجتماعي، في مقابل التصريحات النارية لإلياس العماري التي تغطي اشتباك بن كيران والقصر بعد اعتذار رئيس الحكومة للملك باشتباك آخر بديل بين الاصالة والمعاصرة دون ذكر علي الهمة، كما صرح في مراكش بين مائدتين دسمتين جدا. وتحويل الصدام بين بن كيران ومحيط الملك إلى صدام بين الإسلاميين وما يسمى الحداثيين، دفع حزب الأصالة والمعاصرة إلى إعلان فصيل يقوده القاعديون " التائبون " من الجامعات إلى الشارع في استراتيجية تقودها دولة وليس حزبا قريبا جدا منها. والأمر بعيد عن القصر، لأن إلياس أخطأ في خبر تكاليف عمرة بن كيران، التي تحملها الملك، ونسبها العماري للسعوديين، كما أخطأ في حسن أوريد، لأسباب تدفعه إلى خدمة الهمة، ودائما بعيدا عن مصالح العرش، وفي كل الحسابات يخاف النظام ولا يزال من نقل السيناريو الأردني إليه، ونزول الإسلاميين إلى الشارع سيؤجج المعركة نحو حسمها على الأرض. والدليل على هذا الرعب، تداعيات استجواب بن كيران ل " لافي إكونوميك " حيث ساءل القصر بن كيران إن كان " يحاول تحريض الشعب "، فما كان من رئيس الحكومة سوى إصدار بيان اعتذار، ونقلت وكالة المغرب العربي للأنباء إقالة الصحافي الذي أجرى الحوار فاضل أكومي. وفي هذا الباب يأتي تقرير أمريكي ليؤكد أن التوجه المتبع قد ينقل ما يقع في الأردن إلى المغرب، ويظهر أن خوف بن كيران أكبر من خوف محيط الملك في الانزلاق إلى الأسوأ. ويمكن اختزال الاتهامات في اتجاهين: بن كيران يحرض الشعب ضد محيط الملك، وعلي الهمة يستقوي بالملك على العدالة والتنمية، الآن كما في السابق، ومحاولة عزل الهمة عن الملك، لأن رئيس الحكومة لم يرغب في الحديث إلا مع رئيس الدولة، يقابلها محاولة عزل العدالة والتنمية عن الشعب، كقرار من أعلى إلى آخر سلطة محلية أصدرت قرار منع رئيس الحكومة من مخاطبة شبيبة حزبه في ساحة عمومية. الراغبون في صدام الملك وبن كيران، كما يمثلهم إلياس العماري، يردون بقوة على عمل الإسلاميين لعزل علي الهمة عن الأصالة والمعاصرة، والهمة عن الملك كما تصرح كواليسهم وفي هذه المعارك الجزئية المقصودة يستثمر النظام في: تمييع معركة الاصلاحات وتنزيل الدستور بأقل الصلاحيات لرئيس الحكومة، بما يكرر في المغرب منصب " الوزير الأول ". حصار بن كيران بما يؤدي إلى بقاءه على رأس الحكومة دون السماح له بالعمل، فهل نحن أمام شلل " مبرمج " لعمل الدولة، وهل يصطدم النظام مع أطرافه، لتعدد خطط العمل الرئيسة والبديلة، ويمكن في أي لحظة ترك واحدة والانتقال إلى أخرى. وخطورة سيناريو إلياس العماري، أن يعود الاصطدام إلى الشارع فيخلق ربيعا مغربيا قد يؤثر على الملكيات العربية الأخرى، أو ينتظر المغاربة تجربة الأردن لنقلها إلى ملكية مشابهة في المغرب، لوحدة النسب والرؤية والسيناريو الاصلاحي. وفي هذا الاطار، سيكون تجاوز الخطوط الحمراء وإطلاق شعارات " مناوئة للملكية " صيغة ممكنة، رغم أن أغلب التيارات التي تدعو إلى الجمهورية ضعيفة، وقد تخلت الداعية في صفوف العدل والإحسان إلى الجمهورية نادية ياسين عن موقعها في الجماعة. ويمكن في ظل الوضع الحالي أن يعمل الجمهوريون على استراتيجيات مختلفة تؤدي إلى انهيار النظام من تزكية الصراعات في داخله، خصوصا بعدما دخل الصحراويون الانفصاليون على الخط وقرروا تعزيز هذا السيناريو ( تقرير استخباري فرنسي ). وبين أن يكون سوء التفاهم بين العدالة والتنمية " مصطنعا " ويخدم مصالح الطرفين، وبين صراع المواقع بين رئيس الدولة ورئيس الحكومة في ترسيم الصلاحيات والحدود، يقع المغرب في موقع لا يواجه فيه مشاكله الحقيقية، حيث يدافع القصر عن مصالحه كما يدافع رئيس الحكومة عن مصالح حزبية، وفي الحالتين ما يعمق الأزمة، لأن الصراع على السلطة " الموجود والموهوم " يموه مطالب الشعب لمحاكمة الفاسدين، ولأن العودة إلى الشارع لن تدار بنفس الآليات، فالجماهير ستطالب غدا بما طالبت به جماهير الربيع العربي، ويبدو واضحا أن الشعارات " الثورية " تزيد في شوارع الأردن والمغرب، وهو ما يضع أمام الحاكمين تحديات جمة وحاسمة. لا ينكر المتابع أثر الجوار السوري على الأردني، والشامي يدفع ثمنا غاليا للوصول إلى أهدافه، لكن الأردني، ملكي آخر يرغب في الإصلاح " الجدي "، والملك عبد الله الثاني الذي صرح أنه لا ينام، سيصاب بالأرق بعد الآلاف الذين تظاهروا لإسقاط النظام. ولا يعدو المشهد أن يكون واحدا: أمير يصرح بالتغيير ( الحسن بن طلال في الأردن ومولاي هشام في المغرب ) وحكومة عاجزة، والمحيط يعرقل عملها، والشعب يضيق ذرعا بما يجري. ومن غريب ما يتركه المغاربة لحاكميهم أن يقبلوا بزيادة المحروقات، في وقت رفض فيه الأرادنة أي زيادة لأن آخر المرونة يتحول إلى صعوبة مركبة في تدهور الوضع. لم يسمح النافذون أن يقدم بن كيران " إنجازا واحدا " يصون به حقه في الاستمرارية، وتلقى ضربات أكثر من أي وزير أول سابق، لأن اليوسفي الذي اضطر الحسن الثاني في آخر عمره إلى قبول حكمه لتأمين انتقال العرش، كما قبل بعبد الله إبراهيم في بدايته لتجاوز مرحلة محمد الخامس، والشبه موضوعي وبين اليوسفي وبن كيران القادم من انتقال دستوري، وإن شكلي، وربيع عربي جرف أنظمة إلى الأبد. محاربة رئيس حكومة جزء من استراتيجيات القصر من عبد الله ابراهيم إلى اليوسفي الذي كرر نفس الدرس والخروج والاعتزال، لكن اليوم ليس كالبارحة، والسيناريو الأردني يفتح موجة أخرى في الملكيات العربية لن يكون لها ما قبلها، لكن لها ما بعدها. قد يكون غباء وحذلقة أن نحول الصراع الموجود إلى صراع بين الملك ورئيس حكومته، ويصنع المغرب فوضاه الخلاقة فيستفيد من " التحكم في التوقعات " وإدارة الوضع والقدرة، لكن اللعب على الحافة كما يكرره علي الهمة ويدفع إلى التشبث بالملك، قد يأتي بنتائج عكسية. وإلياس العماري الذي يحترم إرادة الدولة على إرادة الشعب ينتقم من جماهير لم تطلب الجمهورية، فيطلب تكريس " الملكية التنفيذية " من أجل الانتفاضة على الحكومة وقد تكون على الحكم والحكومة معا في المهلة التي سلمها الشعب للأصالة والمعاصرة والنظام كله. المغرب يختلف، لكن لا يخرج عن قوانين التاريخ والمجتمع البشري، فالذي دعا إلى إسقاط النظام ليس الاخوان والإسلاميون في الأردن، بل الأحزاب اليسارية والتقدمية، وفي اليوم الموالي دعت الجماهير لإسقاط 111 نائبا وتركت 9 أسماء. الشعب يعرف كيف يقاتل لأجل ديمقراطيته، ويجب على حكومته أن تدرك أن المغاربة يرغبون في حل مشاكلهم الاقتصادية، لأن سوءات البلد: الفساد، الريع والإدارة، في أجواء فقدت فيه الإدارة صيتها الأخلاقي، عندما يطالب الحلفاء وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية بمراقبة حقوق الإنسان في الصحراء وباقي التراب المغربي، وجمهور المؤيدين يؤكدون عودة الأمن إلى سائر عهده قبل الربيع العربي، من أجل أن يدفع بن كيران ثمن هذا التراجع. فوضى النظام، تحت دعوى صراع رئيس الحكومة ومحيط الملك، وسوء الإدارة عنوانان لمرحلة تشكل بوابة لأزمة أكثر استفحالا، أو أزمة طويلة ومتدرجة تنتظر إشعالها في الشارع. قد ينظر المتفائلون، أن بن كيران لم يحقق شيئا، ويمكن الدعوة إلى انتخابات مبكرة، دون أن يسمح النظام لهذه الحكومة بتنظيم أي انتخابات، لأن رئيس الحكومة يريد الاشراف عليها وعدم تزويرها. والتفريط في إدارة الداخلية لورش الانتخابات " كارثة " للوبيات وتوزيع النفوذ وإدارة الخرائط، والخلاف حول هذه النقطة كبير بين الحكومة والحكم، ومحاولة وضع رئيس الحكومة تحت آخر قدم في وزارة الداخلية يكشف إلى أي حد يرغب الحاكمون في كسر نفسية رئيس الحكومة الراغب في إدارة الانتخابات، وفي هذه النقطة يريد إلياس العماري أن يدفع أستاذ العلوم السياسية حسن أوريد ثمن ما صرح به حول الانتخابات... كما يدفع بن كيران ضريبة الرغبة في إدارة الانتخابات. وهذه المعركة التي يخوضها كاتب الدولة السابق في الداخلية ومستشار الملك علي الهمة يستثمر لأجلها كل الامكانيات التي تحت تصرفه، وهي نفس المعركة التي يعمل عليها الملك الأردني في قانون الانتخابات، ويعمل ديوانه حاليا على عرقلة ترك الانتخابات " حرة " والصناديق دون توجيه استراتيجي. عندما يظهر السبب يبطل العجب، فالراغبون في تقدم الأوضاع يعرفون أن سيادة الشعب لن تمر دون انتخابات نزيهة، بدستور متقدم أو بدونه لأن أكبر ديمقراطية ملكية في بريطانيا بدون دستور مكتوب، والسلطة يصنعها الرجال. ويظهر خوف البلاط الملكي في الأردن والمغرب من إدارة رئيس الحكومة للانتخابات، لأن اليوسفي خسر الرهان عندما قرر تصدر حزبه لانتخابات 2002، أما بن كيران فيريد إدارة لانتخابات وقد لا تأتي بنتائج أولى لحزبه. وعندما سيسلم بن كيران هذا الورش إلى أجهزة الأمن أو يصل إلى صفقة، سينتهي الخلاف، وقبل هذه اللحظة قد ينفجر الوضع دون أن يدري أحد آثاره ؟