سنة على تصويت الشعب المغربي على التعديل الدستوري الأخير، وشهور على تشكيل حكومة بنكيران ؛ومع كل دخول سياسي جديد تواجه المتتبع للشأن العام الوطني اسئلة مقلقة بل حارقة في سياق سوسيوسياسي صعب سماته الأساسية الضبابية والارتباك والبطئ في تطبيق الدستور وتفعيل مضامين التصريح الحكومي والتردد في اتخاذ القرارات السياسية والاستراتيجية والجريئة التي ينتظرها الشعب . والمتأمل في المشهد السياسي العام يلاحظ ان قيادات ومؤسسات ونخب البلاد مشغولة بقضايا ثانوية على حساب القضايا الجوهرية التي تهم الشعب المغربي، ومن المؤسف ان ينخرط بعض الإعلاميين والأكاديمين في هذه اللعبة المكشوفة ناسين ان دور الإعلام والنخب يبقى في كل محطات الانتقال الديمقراطي حاسما في إنجاح التجارب الانتقالية.ان انشغال الأحزاب والحكومة والمحيط الملكي بتصفية الحسابات في ما بينهم على حساب معالجة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية يرهن حاضر ومستقبل المغرب،ويجعله قابلا للانفجار في كل لحظة وحين، ومن يعتقد ان مثل هذا الكلام هو مجرد لغو فهو مخطئ وواهم. فشعارات المغاربة التي حملوها في احتجاجاتهم وما زالوا يحملونها تزداد قبولا عند كل فئات الشعب المغربي ، بل وحتى أولائك الذين كانوا مختلفين مع أهداف ومنهجية حركة 20 فبراير وغيرها أصبحوا اليوم متعاطفين معها بعد شعورهم باليأس وبالقلق عن الأوضاع العامة المزرية التي تعرفها البلاد وكيفية تدبير السياسات العمومية واتخاذ القرارات. فجل المغاربة يشعرون بالغبن وبخيبة الأمل لكونهم صوتوا على الدستور بقناعة قوية مفادها ان النظام ومؤسساته سيقومون بالقطيعة التامة مع سلوكات ومناهج العهود السابقة عن الدستور الجديد وذلك بإقامة دولة الحق والمؤسسات الملتزمة بمبدأ فصل السلط وترسيخ الحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة،بل انهم صوتوا على حكومة بنكيران اقتناعا منهم – أيضا-على أنها ستمارس اختصاصاتها الدستورية كاملة دون أي انبطاح لأي مؤسسة اوالخضوع لضغوطات المحيط الملكي ولوبيات الفساد .لكن شهور بعد التصويت على الدستور وتشكيل حكومة بنكيران وأيام على انطلاق الدخول السياسي عرفت الساحة السياسية أحداثا لها دلالاتها الخطيرة على الدستور وعلى حكومة بنكيران .من بين هذه الأحداث تصريحات حسن أوريد حول انتخابات 2007 وانتخابات 2009 حيث صرح الناطق الرسمي السابق بالقصر الملكي والوالي السابق لجهة مكناس تافيلالت أن جهات عليا في الدولة هي التي كانت وراء إنشاء حزب سياسي في إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة، مكنته من تبوأ مكان الصدارة في مجلس النواب رغم عدم وجوده خلال انتخابات شتنبر 2007. كما تحدث أوريد، حسب الرسالة، عن قيام نفس الأجهزة بإجراء حركة انتقال واسعة للولاة والعمال خلال يناير 2009 من أجل تمكين ممثلي الإدارة الترابية على المستويات الجهوية والإقليمية من التحضير الجيد، وإعداد الظروف المساعدة لفوز حزب الدولة عن طريق التحكم في إرادة الناخبين بهدف تعبيد الطريق إلى المؤسسات المنتخبة بالنسبة لرموز هذا الحزب الجديد , وهنا لا ندر لماذا لم تتحرك وزارة الداخلية لإصدار بلاغ يؤكد او يكذب ما جاء في تصريحات حسن اوريد؟ لماذا لم يصدر أي بلاغ عن حزب الاصالة والمعاصرة في الموضوع ؟ لماذا لم يقم وزير العدل والحريات بفتح تحقيق في هذه النازلة في الوقت الذي نددت جل الاحزاب السياسية بنتائج انتخابات 2009؟ ولماذا صمت حسن أوريد هذا الوقت كله ليخرج بهذا التصريح القنبلة؟.. وبعده مباشرة خرج أستاذ جامعي و أحد أعضاء لجنة إعداد الدستور الجديد، ليؤكد ويفاجأ الرأي العام بقوله على أن النسخة التي سلمتها اللجنة إلى الملك كمسودة للدستور، لم تكن هي نفسها التي عرضت على الاستفتاء، والدستور الذي صوت عليه المغاربة لم يكن هو نفسه الذي نشر في الجريدة الرسمية، مضيفا أن بل هناك اختلافًا بين النسختين العربية والفرنسية، وهنا نتسائل لماذا سكت الكل عن هذا التصريح الخطير ؟ لماذا لم يصدر عن الديوان الملكي أي بلاغ رسمي في الموضوع؟ لماذا التزم المجلس الدستوري الصمت؟ اين هم أعضاء اللجنة من هذا التصريح؟ وماذا يقول رئيس لجنة اعداد الدستور في الموضوع؟ بل ان البعض يتساءل لماذا سكت الاستاذ الجامعي هذه المدة ليخرج بهذه القنبلة؟ لماذا لم يقدم استقالته من اللجنة مباشرة حين علم على أن النسخة التي سلمتها اللجنة إلى الملك كمسودة للدستور، لم تكن هي نفسها التي عرضت على الاستفتاء؟ وهل صوت المغاربة على دستور وتم نشر دستور آخر؟ لماذا لم يفتح تحقيق في ما قاله الطوزي لأنه صرح بكلام خطير ؟ وفي عز هذا العبث السياسي يخرج وزير منتم لحزب لرئيس الحكومة بتصريح آخر يؤكد فيه أن شيئا لم يتغير في المغرب، بل إن شبيبة العدالة والتنمية اعتبرت قرار وزير الداخلية بمنع تنظيم نشاطها في ساحة عمومية نوعا من تجاوز صلاحيات رئيس الحكومة وكأن بنكيران لا سلطة على وزيره في الداخلية. وقبل ذلك بأيام وصف أحد قيادات حزب العدالة والتنمية اجتماع الملك بوزير الداخلية وإعطاء أوامر بفتح تحقيق حول الاختلالات التي تشهدها المعابر الحدودية بالمغرب باللا دستوري ، بل إن بعض الباحثين اعتبر ذلك رسالة من محمد السادس إلى من يهمه الأمر، وعلى رأسه رئيس الحكومة بأن الملك هو صاحب السلطة السياسية والتنفيذية الحقيقيين، وهو ما جعل عدد من المهتمين بالشأن السياسي بالمغرب يقتنعون أكثر بان الالتزام بمقتضيات الدستور الجديد المتعلقة بفصل السلط والانتقال إلى مرحلة دولة القانون والمؤسسات امرا صعبا في الوقت الراهن. وسيزداد العبث السياسي مع الدخول السياسي حيث أن ثلث أعضاء مجلس المستشارين، باتوا في وضعية غير دستورية بسبب انتهاء ولايتهم التشريعية المحددة في دستور 1996 في تسع سنوات وبالتالي فمن الناحتين الدستورية والقانونية ستصبح هذه الفئة من المستشارين البرلمانيين في حالة تنافي حتى مع المقتضيات الانتقالية للدستور الجديد، ما يقتضي اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة لمعالجة الوضع، ووضع حد لصرف مبالغ مالية مهمة كتعويضات للمستشارين برلمانيين انتهت ولايتهم التشريعية الدستورية. وأمام هذا الوضع المقلق الذي من سماته الضبابية والتردد والارتباك أصبح الشعب أكثر اقتناعا بان التغيير المؤسساتي بالمغرب ليس مسالة سهلة ولا تتحقق بالقوانين او بالدساتير ولكن بتوفر فاعلين مقتنعين بالتغيير ومؤمنين بان كل اصلاح حقيقي يتطلب تنازلات وتكلفة. لذلك نقول إن ما يتابعه الشعب وما يسمعه ويعيشه قد يدفع به إلى فقدان الثقة في كل شيء لأنه أصبح لا يفهم ما يجري بل إنه أصيب بالدوران ولم يعد يعرف من يمتلك الحقيقة في زمن ضاعت فيه الحقيقة. فكثرة التصريحات المتناقضة وتعدد التطاحنات المكشوفة والسرية بين أكثر من جهة بين المحيط الملكي ورئيس الحكومة وبين الأحزاب في ما بينها يوحي بأن المغرب يمر بمرحلة غير مريحة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا تفرض على مؤسساته ضرورة تجاوز هذه الوضعية المقلقة بكثير من الشجاعة والجدية. يؤكد المؤرخون بان تاريخ الشعوب لا يتوقف ولا يمكن ان توقفه أي قوة ، ويؤكد علماء علم الاجتماع أيضا بأن الشعوب قد تتحمل الكثير من الصدمات وخيبات الأمل لكنها تبقى تحت عوامل الضغط قابلة للانفجار إذا ما تراكمت انتكاسات والصدمات لذلك يشير أكثر من مركز وأكثر من باحث أن هذا الوضع إذا ما استمر بالمغرب فان مستقبله سيبقى مفتوحا لكل الاحتمالات ، و منطق التاريخ علمنا انه لا يوجد استثناء في تاريخ الشعوب والأنظمة. انقسم المغاربة والنخب حول قدرة الدستور وحكومة بنكيران في إحداث التغيير.منهم من يدافع عن "الاستثناء المغربي"مبرهنين على ذلك بكيفية تفاعل المؤسسة الملكية مع احتجاجات الشارع. وآخرون متردون في عدم إحداث التغيير الحقيقي دون تحديث النظام ومؤسساته، غير أن المقلق في الأمر، هو عدم اتفاق المغاربة حول مفهوم التغيير ومن أين يجب ان ينطلق وهل يمكن أن يحدث دون أن يبنى على تقاسم السلط والحكامة الجيدة وربط المسؤولية بالمحاسبة وأن يسير المغرب بحكومة وليس بأكثر من حكومة. لذلك لا غرابة ان يطرح في لحظات الأزمات عدة أسئلة مقلقة ومشروعة من بينها : أين يتجه المغرب؟ إلى متى سيستمر الاستقرار السياسي والاجتماعي؟ وما هي آفاق الحراك الاجتماعي بالمغرب؟ وهل صناع القرار بالمغرب واعون بدقة المرحلة وصعوبتها؟ من وجهة نظرنا نقول كل الاحتمالات تبقى ممكنة، فعوامل اتساع دائرة الاحتجاج تبقى قائمة وشروط الاحتقان الاجتماعي تبقى واردة، وبالتالي فإمكانية عودة الحراك الاجتماعي تبقى قوية وان كانت تبدو أنها مؤجلة. هناك شبه إجماع بين المغاربة اليوم بان العنوان البارز في المشهد السياسي المغربي هو العبث السياسي والاهتمام بالقضايا الثانوية ورهن مستقبل البلاد بحسابات شخصية آو سياسوية، ومع الدخول السياسي الجديد فالمغاربة الذين ناضلوا من أجل الديمقراطية لا يفهمون لماذا يفشلون في ممارستها؟ ولماذا يقاومون آليات السيطرة ومقاومة الاستبداد فتزداد آليات القهر والتحكم ؟ ولماذا يحلمون مع كل دستور وحكومة جديدين ليصدما بالحقيقية المرة ؟ تلك مجرد أسئلة نطرحها للنقاش. [email protected]