قررت التعليق على مسلسل "عمر"، الذي بثته قناة الإم بي سي، خلال شهر رمضان الفضيل، إلا أن الأفكار تأتي في بعض الأحيان بطيئة لتتحول إلى نص مكتوب، فالأمر يتعلق بالعمل الدرامي الوحيد الذي أثارني للمتابعة، وسط زحمة سير على الفضائيات العربية في العام الثاني للربيع العربي، فالأمر يتعلق بثاني الخلفاء الراشدين، عمر بن الخطاب، وبظهور تاريخي وغير مسبوق، لهذه الشخصية في عمل درامي على التلفزيون العربي، بعد نجاحات سابقة للدراما العربية بإظهار شخصيات إسلامية تاريخية كان آخرها مسلسل عن سبطي رسول الله، الحسن والحسين، ولو أن المسلسل لم يتسم بالجرأة في مقاربة التاريخ الإسلامي وبقي حبيسا الروايات الشفوية لأبطال العمل وعانى من فقر في الرواية عبر الصورة. وبموضوعية نجح مسلسل عمر في الخروج من وادي من أشواك الرفض السائدة في المخيلة الجماعية في العالم العربي، وقدم صورة مقربة عن شخصية الفاروق، بالموازاة مع الفضاء العام الذي عاش فيه الخليفة ما قبل إسلامه وما بعده، وخلال توليه أمور المسلمين في الزمن الإسلامي الأول. وبلغة النقد الفني، قدم المخرج السوري، حاتم علي، برفقة الطاقم التقني، دراما ستظل مرجعا في العالم الإسلامي، ولتنضاف لما قدمه الراحل مصطفى العقاد، في فيلم الرسالة، في تقديم صورة حضارية راقية عن الإسلام، فالمخرج حاتم علي، وظف الديكورات الرائعة المتواجدة في عاصمة الصناعة السينمائية العربية، في الجنوب المغربي، في مدينة ورزازات، حيث صور كبار هوليود أفلاما تاريخية كمملكة الجنة وألكسندر والمصارع، والذي كان للعربية سبق تصوير تقارير حصرية عنها خلال العام الماضي. وكان النفس سينمائيا في مسلسل تلفزيوني، في عمر، وفق المعايير المعمول بها في الإنتاجات الدرامية العالمية، فزوايا التصوير أمسكت بالإيقاع ما بين اللقطات المقربة والشاملة، وتحركت الكاميرا بعيدا عن كل عشوائية لتتحدث الصورة، ولتنقل لنا بلغة تلفزيونية ما لا يمكن للكلام نقله. ومن جديد عمر، اللقطات الجوية غير المسبوقة في الدراما العربية، وتصوير المعارك استعمل أسلوب المونطاج البطيء لإبراز الانقضاضات التاريخية لخالد بن الوليد، بواقعية الصورة بعيدا عن الأسلوب الإنشائي الوصفي المعمول به من قبل في الدراما التاريخية، لتتحدث الصورة ويكون للحوار ما بين الممثلين توازنه في المسلسل، ولتكمل الموسيقى التصويرية الفرجة، ومن جديد المسلسل استعمال تقنية جديدة في البداية التقديمية للمسلسل، فعوضا عن الاستهلال بنجوم العمل، كان العمل هو الأهم، وتراجعت الأسماء الكبيرة، لتبرز أهمية الجغرافيا لمكة مهبط رسالة الإسلام. ومسلسل عمر، في تقديري، هو لبنة أخرى في تكسير الخوف المنتشر في المخيلة الجماعية في العالم العربي من أداء درامي للشخصيات الرائدة في التاريخ الإسلامي، خاصة في عالم يعاني فيه الإسلام من صور نمطية تتهمه بالإرهاب، والغرب لا يفهم إلا ثقافة الصورة، ليواجه المسلسل دعاوى التوقيف من قبل علماء متشددين لا دور لهم إلا إطلاق الصورايخ ضد كل تنوير عبر الشاشة لما عاشه الإسلام في بداياته، فالصورة اليوم أصدق نبأ من روايات الكتب. واستخدم المخرج السوري حاتم علي، خلال حلقات المسلسل، تجربته في تقديم أعمال درامية جميلة للمكتبة الدرامية العربية، في تقديم صور مقربة جدا عن حياة الفاروق، فتقنية الفلاش باك التذكر التي اعتمدها المخرج منذ أول حلقة، أعطت للعمل لمسة إخراجية عوضا عن السرد الخطي التقليدي، بالإضافة إلى الانتقال السلس بين أحداث العمل الدرامية، وسيكون للمسلسل مكانة عالمية في حالة عرضه على القنوات الدولية باللغة الإنجليزية، لأن الصورة اليوم سلاح ناعم يمكن توظيفه للذوذ عن صورة التسامح وتقبل الآخر في الإسلام في عالم ما بعد تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر في نيويورك. فطيلة شهر رمضان المبارك، تزامن عرض مسلسل عمر، مع آذان المغرب في المغرب، ما شكل فرصة مواتية للمتابعة المتأنية للمسلسل الذي أقنعني كمقاربة درامية لجزء من تاريخ الإسلام، واستعمل سلاح الموضوعية من خلال الصورة.