ارتدى محمد الساسي، القيادي البارز في الحزب الاشتراكي الموحد، جُبّة المحلل المتخصص في خطاب رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، حيث أفرد لهذه الغاية مقالات نشرها أخيرا في بعض الصحف والمنابر الإعلامية، واستعار فيها بعض أدوات تحليل الخطاب التي شرَّح من خلالها طريقة تواصل زعيم "المصباح" مُذْ صار رئيسا للحكومة قبل أشهر خلت. نجم السياسة ووصف الساسي بنكيران، في مقاله الذي وسمه بعنوان "من أجل الاعتراض"، بكونه " نجم الحياة السياسية المغربية الراهنة بلا منازع، حيث تطل علينا صوره من خلال أغلفة المجلات، ويتردد صدى تصريحاته وخطبه في الصحف والنشرات وتستضيفه الفضائيات، وتملأ أخباره الدنيا وتشغل الناس". وسجل الأستاذ في كلية الحقوق بالرباط بأنه لم يسبق للشخصية الأولى في حكومة المغرب أن توَفرَ لها ما يتوفر اليوم لبنكيران من حضور إعلامي قوي ومثير؛حيث إن بنكيران خلق الاستثناء، فتكلم أكثر مما تكلم الذين سبقوه قياسا إلى المدة الزمنية التي تولى فيها رئاسة الحكومة..". ويرى الساسي، في مقاله ذاته، بأن "الطريقة التي يُحدث بها بنكيران المغاربة جديدة عليهم، ولم يعهدوها من الآخرين، فهو لا يشبه أحدا ممن تحملوا المسؤولية على رأس الهرم الحكومي، وهم لا يشبهونه"، لافتا إلى أنه مع ذلك "هناك دائما خطر يتهدد الوجوه السياسية البارزة في أي مجتمع من المجتمعات، وهو أن يؤدي ظهورها الإعلامي الكثيف إلى تبرم الناس منها، وشعور المتلقين بأن تلك الوجوه تكرر نفسها ولا تقدم جديدا". وأقر الكاتب بأن بنكيران شخصية مرغوب فيها إعلاميا، تسعى إليها وسائل الإعلام، ولكن هذه الشخصية أيضا تسعى إلى وسائل الإعلام، فهو يريد الحديث مباشرة وبدون وسائط، إلى درجة أنه أصبح عمليا هو الناطق الفعلي باسم الحكومة"، يقول الساسي قبل أن يردف بأن النتيجة العملية لكل ذلك هي أن "الحكومة كادت تغدو هي بنكيران، وبنكيران كاد يغدو هو الحكومة". وشدد الساسي، في مقاله لتحليل الخطاب التواصلي لبنكيران، على أن "أهم تحول طرأ على المسار التواصلي لرئيس الحكومة هو انتقاله من استعمال ضمير المتكلم الجمع في مرحلة سابقة، إلى الإكثار من استعمال ضمير المتكلم المفرد في المرحلة الحالية. بنكيران يتحدث بالمفرد وأفرد القيادي اليساري لهذا المعطى تحديدا مقالا، نشره في عدد أمس الخميس من جريدة المساء، حيث أوضح بأن بنكيران انتقل من الحديث بضمير المتكلم الجمع للتعبير عن شعارات كبرى "تاريخية" سيثير اهتمامات الدارين والباحثين، إلى مرحلة استعمال المتكلم المفرد بشكل لافت وطاغ. واستدل الساسي بعدد من العبارات الشهيرة التي تفوه بها بنكيران، من قبيل مخاطبته الأسر الفقيرة "لا يجب أن تنتظروا مني أن أرسل إليكم ثمن أضحية العيد"، أو "لا أريد أن أرفع سعر السكر القالب حتى لا يقال إني أستهدف الفقراء"، وأيضا قوله" أنا ما كنخافش من الأزمة..واش درتها أنا؟..و"أنا عاهدت المغاربة أنني ماغاديش ناخذ، ولكنني لن أحمي أحدا إذا أخذ..". وعزا الساسي جنوح بنكيران إلى الاستعمال المفرط في خطابته لضمير المتكلم المفرد إلى دلالات وعوامل عديدة، من ضمنها الرغبة ربما في تحمل المسؤولية الشخصية عن "التجربة" برمتها، أي أن بنكيران هنا يعبر عن استعداده لتقديم تضحية سياسية كشخص بدل ان يتحملها الحزب أو الحكومة، وبهذا المعنى يضيف الكاتب ينطوي مبدئيا على شجاعة سياسية". ومن دلالات لجوء بنكيران إلى المتكلم المفرد أيضا، وفق الساسي، "شعور رئيس الحكومة ربما بأنه كشخص هو صاحب الفضل في كل هذا، فهو صانع الحدث ومنشطه الأساسي ومهندس المرحلة"، كما أن "الضرورة العملية الناجمة عن الانتقال من المعارضة إلى الحكومة في ظل وضع معقد وصعب ومحفوف بالمخاطر يصبح فيه استعمال ضمير المتكلم الجمع جالبا للمتاعب".