إنّ تقدم الأمم في جميع الميادين الإقتصادية، والإجتماعيّة، السياسية، والرياضية منها رهين بقابليتها للنقذ الذاتي العقلاني البنّاء دون الإفراط فيه حتى لا يتحول هذا الأخير إلى جلد لذّات والبكاء على اللّبن المسكوب، فالواجب المواطنة يستوجب تقديم النصح للمسؤولين في وزارة الشباب والرياضة عن حالة ضعف النثائج العامة للرياضيينا المغاربة فى المنافسات الأولمبية الأخيرة، وكذا تنامي ظاهرة تعاطي المنشطات في ألعاب القوى المغربية، وبأن يجعلوا وبدون حرج من الفشل في الدورة مادة للنقاش، عسى أن يتنبهوا للأخطاء فتُصوّب وللتقصير فيلحق. راودتني فكرة الكتابة عن الرياضة المغربية مذ كنت طالباً لعلم الرياضة في جامعة ماينز، ولم يتحقق حلمي في كتابة مقال إلاّ عند شهر رمضان الكريم، فتعرفت بالأخ الصحفي حسن الأشرف الذي شجعني للكتابة في الموضوع. فالعنوان الذي بين أيدينا هو عبارة عن تحليل موضوعي لدورة لندن الأولمبية ومحاولة فهم واقع الرياضة المغربية من خلال أربعة أجزاء سأتناول كل جزء على حدة في مقال أعتبرها رئيسية وهي كالآتي: 1) مقدمة ونظرة عامة عن نثائج المشاركة المغربية في الدورة ومحاولة تحليلها، وهل يمكن أن نسمي الدورة الأخيرة بدورة الإخفاق عن جدارة واستحقاق أم لا؟ 2) تنامي ظاهرة تعاطي المنشطات في أم الرياضات ،وحالات تعاطي العدائين المغاربة للمنشطات، هل هي فضيحة في المحافل الدولية، أم ظاهرة عالمية ؟ مقاربة من وجهة نظر علم الإجتماع الرياضي. 3) صيام شهر رمضان والألعاب الأولمبية و مصادفة مشاركة 3500 رياضي مسلم في الدورة،وهل للصيام تأثير سلبي أو إيجابي على القدرات الجسمية والنفسية للرياضيين المسلمين؟محاولة تحليل من وجهة نظر علم الطب الرياضي وعلى ضوء مستجدات الدراسات العلمية الغربية. 4) تقيم المشاركة المغربية في الدورة الأخيرة ومحاولة تقديم بعض الحلول لمشاكل القطاع الرياضي، هل المشاكل تكمن في التخيط والتدبير و انعدام الأهداف والرُّؤا، أم قلة الكفاءات الوطنية وانعدام المواهب والطاقات؟ مقدمة ونظرة عامة عن نثائج المشاركة المغربية في الدورة ومحاولة تحليلها لا شك أنّ أُلمبياد لندن لسنة 2012 كانت ناجحة بكل المقايس من حيث التنظيم المُحكم للألعاب من توفير جميع الملاعب والمذامير الرياضية وكذا القري الأولمبية والبنى التحتية ، ولا من حيث الأداء القوي للرياضيّ البلد المنظم اللذين 0حتلوا الرتبة الثالثة من حيث عدد الميداليات المُحصل عليها على المستوى العالم بما مجموعه 65 ميدالية، 29 منها ذهبية، دون أن ننسى العملاقين مكتسحي جميع الرياضات، وهما على التوالي الولاياتالمتحدةالأمريكية بمجموع 104 الذهبي منها 46 ميدالية متبوعة بالصين بما مجموعه 88 الذهبي منها 38 ذهبية، أنظر الجدول رقم 1 أسفله. من خلال إلقاء نظرة على جدول ترتيب حصول كل بلد على الميداليات نجد أن المراتب الأولى في رياضات مختلفة كانت ولا تزال حكرا على دول متقدمة بعينها كالولاياتالمتحدة وإنجلترى وروسيا وألمانيا وفرنسا، مع صعود ملفت للنظر للتنين الصيني في وقت قصير جدا وكوريا الجنوبية بأدائها المتميز في هذه الدورة و0حتلالها الرتبة الخامسة. فالصين على سبيل المثال بدأت في تطوير جميع الرياضات في وقت خرافي بالمقارنة إلى ما تتطلبه برامج إعداد الرياضيين ذوي المستوى العالمي، فكيف تسنى لها ذلك في فترة زمنية وجيزة؟ المتتبعون للشأن الرياضي الصيني يعزون ذلك للسياسات التخطيطية الرياضية الناجحة والفعّالة المتركزة في 3 نقط رئيسية: 1. الإرادة السياسية لتطوير مختلف الرياضات وتحسين صورة الصين على الصعيد الدولية ومن تمة التطبيق الفعلي على أرض الواقع. 2. رصد ميزانية مالية كبيرة لبناء البنى التحتية الأساسية من ملاعب ومراكز التكوين والمعاهد العلمية والجامعات الرياضية وإنشاء الأندية الرياضية في مجمل البلاد وكذا دعمها مباشرة ماديا ومعنويا. 3. توفير العنصر البشري الذي هو محور كل تقدم وإزدهار، من ممارسين رياضيين في مختلف الفئات العمرية إلى مدربين ذوي تكوين علمي رسين مرورا بمسيري الأندية ذوي الإختصاص وربط كل هذه الطاقات بالمعاهد العلمية والجامعات الرياضية ومراكز التكوين من أجل الإستفادة منها في كل ماهو جديد ومفيد. قد يصاب المغاربة بالدوخة وأنا واحد منهم عندما قرأت عنوانا: الرتبة الثانية عالميا لمجموع الميداليات المُحصل عليها في أولمبياد لندن - للإشارة أنظر في الجدول أعلاه- لم توافق الأهداف الرياضية المرسومة لدولة الصين، لتجد مقالا في صحيفة (متروبول خُنان) يصف فيه صحفي الربّاعة( سُّو يُن ) ذات 17 ربيعاً عند إخفاقها في جلب الميدالية الذهبية و0كتفائها بالفضية بالفضيحة وجلب العار للصين وكذا الرباع (فوجينج بياو) الذي أخفق بدوره في جلب ذهبية فوُصف بأنه خذل وطنه في هذه الرياضة. فما عسانا نقول للرتبة 79 بميدالية برونزية يتيمة قيمتها 33 مليار - حسب صحيفة المنتخب- والقبول بأفغانستان جارة للمغرب في نفس الترتيب. هل يمكن أن نسمي الدورة الأخيرة بدورة الإخفاق عن جدارة واستحقاق أم لا؟ فالمتتبع لتاريخ المشاركات المغربية في الدورات الأولمبية الفارطة- أنظر إلى المبيان رقم 1 أسفله - يجد تفاوتا من حيث عدد الميداليات المحصل عليها في كل دورة فمثلا في مشاركته الأولى حصد ميدالية فضية واحدة أحرزها الراحل راضي بن عبد السلام في سباق ماراثون مع الاثيوبي أبيبي بكيلا. وفي 4 دورات من سنة 1964 إلى 1976 على التوالي سجلت أول مشاركة للمرأة المغربية من خلال العداءتين فاطمة الفقير ومليكة حدقي، لكن دون ان يحرز أي ميدالية. وعاد المغرب الى منصات التتويج بعد احرازه ميداليتين ذهبيتين في اولمبياد لوس انجليس 1984 عبر العداءة نوال المتوكل في سباق 400 متر حواجز وسعيد عويطة في سباق 5000 م الذي حطم فيه الرقم القياسي الأولمبي، ومنذ دورة 1984 لم يغب المغرب عن منصة التتويج لكن رصيده من الذهب تجمد عند أربع ميداليات ذهبية، دون أن ننسى أكبر إنجاز للرياضة المغربية في شخص هشام الكروج بميداليتين ذهبيتين في دورة اثينا. فهل يمكن اعتبار الدورة الأخيرة للندن أسوء مشاركة مغربية عبر التاريخ. الجواب سيكون طبعا بالنفي فهناك كما تتبعنا في المبيان رقم 1 أنّ هناك 4 دورات على التوالي بدون ميدالية واحدة تذكرولمدة زمنية ليست بالهينة، وهناك ايضا دورات لم يستطع فيها المغاربة تحقيق سوى ميدالية واحدة أو اثنتين في احسن الظروف، فما السبب يا ترى في نعت الرياضة المغربية بالكارثة الوطنية أليس هناك دول أوربية كبري لم تحصد الثمار المرجوة كإيطاليا المرتبة 8 أو فيلندا المرتبة 60 ومعى ذلك رضيت بالنصيب. أظن أن هناك سببين رئيسيين لسخط الجمهور المغربي عامة وهما: • الحراك العام الذي يعرفه المجتمع المدني و المطالبة بمحاسبة المسؤلين عن تبذير المال العام ومحاربة الفساد الإداري إضافة إلا أنّ الشعب المغربي لم يذق طعم النصر منذ مدة طويلة فالهزائم المتتالية لفريق كرة القدم جعلت هناك شعورا عاما لذى الشعب المغربي بالإحباط ومن تمة إقحام الرياضة في هذه المطالب. • الفضائح المدوية في سماء أم الرياضات لتعاطي فئة من رياضيينا للمنشطات، والإحساس العام بتلطخ سمعة بلدنا وسمعة أبطالنا الرياضيين. فتنامي ظاهرة تعاطي المنشطات، هل هي فعلاً فضيحة في المحافل الدولية، أم ظاهرة عالمية موجودة في الرياضات بأسرها ؟ وما حالة تعاطي Nadeschda Ostaptschuk من روسياالبيضاء الحاصلة على الميدالية الذهبية لرمي الجلة في دورة لندن ببعيد. في الجزء الثاني من موضوعنا بحول الله سأتناول مقاربة تحليلية لظاهرة تعاطي المنشطات من وجهة نظر علم الإجتماع الرياضي تطرح لأوّل مرة على الساحة الريضية للنقاش. إلى ذلكم الحين أستودعكم الله، وعيد مبارك سعيد، وكل عام وأنتم بألف خير. • دبلوم علم الرياضة/ طالب دكتورة • شعبة الطب الرياضي تخصص الوقاية وإعادة التأهيل جامعة ماينز • صفحة الإنترنيت WWW. jouanisports.com