فوجئ المتتبعون لآخر جلسة مسائلة لرئيس الحكومة أمام مجلس النواب، بادعاء عبد الإله بنكيران بأن الحكومة السابقة تلاعبت بأرقام ميزانية عام 2011، و بالتالي لم تكشف حقيقة الوضع الاقتصادي ببلادنا. رئيس الحكومة يفتح بذلك نقاشا بحماسة زائدة، ربما قد تخونه في الأيام المقبلة، و هو ما يستلزم تقديم بعض التوضيحات، و التذكير ببعض المعطيات لكل غاية مفيدة. يجب التذكير أولا بأن الحكومة الحالية كانت قد سحبت مشروع قانون مالية 2012 من البرلمان، تحت ذريعة الرغبة في "تحيين" فرضياته. و لكم كانت المفاجئة كبيرة عندما اكتشف الجميع مسودة مشروع قانون مالية 2012 القديم/الجديد، و الذي لم يأتي بجديد، بل أكثر من ذلك، لم تتم الإشارة بأي حال من الأحوال إلى إجراءات مالية أو فرضيات استثنائية لمجابهة مظاهر الأزمة التي بدأت تظهر معالمها في الأفق. نبهنا حينئد الحكومة إلى هشاشة الفرضيات المؤسسة للمشروع، أبرزها هزالة الميزانية المرصودة لصندوق المقاصة، نسبة النمو الطموحة المتوقعة و توقع استقرار ثمن المحروقات في السوق الدولية ؛ كانت تلك المؤشرات تعطي الانطباع بأننا بصدد ظرفية اقتصادية وطنية و دولية جد عادية، في حين كانت الأزمة تطرق أبوابنا بعدما عصفت باقتصاديات دول أوربية عديدة. حينئذ، تجاهلت الحكومة كل الملاحظات المنبهة، بل تفهت بعضها و اعتبرتها مجرد محاولات لتبخيس المشروع المقدم للمناقشة و التصويت من لدن البرلمان. انطلاقة كانت تنذر بلا شك بأن الوضع سيزيد تدهورا، بالنظر لغياب رؤية واضحة من طرف الحكومة، و جهلها/تجاهلها للواقع الاقتصادي، و هو ما انعس جليا من خلال قرارات غير مدروسة و لا تندرج في أي نسق إصلاحي، كالرفع من أسعار المحروقات. هذا يعني أن كل فرضيات و توقعات المشروع السابق الذي أعده صلاح الدين مزوار وزير المالية الأسبق، لم تأخذ بعين الاعتبار، و بالتالي فالحكومة الحالية تتحمل كامل المسؤولية فيما يخص القانون المالي الحالي و معطياته، لسبب بسيط، هو أن وزيرها في الاقتصاد و المالية و زميله المكلف بالميزانية هما اللذان تكلفا بإعداده. أكثر من ذلك، فإن المعطيات التي اعتمدها الوزير السابق لإعداد مشروع قانون ماليته ستكون في جميع الأحوال قد أصبحت متجاوزة لكون الظرفية الاقتصادية تتغير بشكل متسارع، و لا مجال هنا للاعتقاد بأن فرضيات صالحة خلال شهر أكتوبر قد تبقى ذات معنى في دجنبر أو يناير. كل حديث إذن عن "تزوير" معطيات، أو "فرضيات هشة" تركها مزوار للحكومة الحالية لا يعدو أن يكون مغالطات ليست ذات معنى، بل هي تمس في الصميم مصداقية الدولة المغربية و أرقامها و معطياتها، خصوصا بعلاقة بشركائنا الخارجيين. في هذا الإطار لا بأس من التذكير بأن حكومة الأستاذ عبد الإله بن كيران قد ورثت وضعية اقتصادية سليمة مقارنة مع ما هو عليه الحال بدول الجوار. لقد تمكنت الحكومة السابقة و في ظل "الربيع العربي" من المحافظة على استقرار المؤشرات الاقتصادية، في ظرفية غير مستقرة إقليميا و دوليا كانت من أبرز تداعياتها الارتفاع الصاروخي لسعر البترول، و تزامنت كذلك مع حراك شعبي على المستوى الوطني و ما رافقه من تضخم في الطلب الاجتماعي. كل ذلك لم يمنع من تحقيق نسبة نمو تعادل 5 بالمائة عوض 4.8 المتوقعة سابقا، و تأمين خمسة أشهر من الواردات، و عقد اتفاق اجتماعي مع النقابات حمل خزينة الدولة ما يعادل 1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام كنسبة عجز إضافي لميزانية الدولة. و مع أن الحكومة السابقة لم تباشر إصلاحات عميقة و هيكلية في مجالات حيوية و أساسية، كالنظام الضريبي و صندوق المقاصة و أنظمة التقاعد، فإن ما يشفع لها على الأقل هو حفاظها بالأساس على مصداقية الاقتصاد الوطني على المستوى الدولي، و هو ما تجسد في تحسين التنقيط السيادي للمملكة. بالمقابل، يبدو أن الحكومة الحالية قد أتبثت عجزها الاستثمار في الثقة تجاه الفاعلين الاقتصاديين، بالنظر للارتباك الكبير في تدبيرها لملفات عدة و تكريسها لواقع الأزمة في أذهان الشركاء الاقتصاديين و عامة المواطنين، عوض أن تكون عامل استقرار و تطمين.