مشروع قانون المالية ارتكز على توقعات متفائلة، مشروع موروث عن مزوار ويبدو أنه من الصعب تمويله. ومابين الافتراض الخارجي والتخلي عن الاستثمارات والعفو الضريبي، يتعين على الحكومة أن تختار. وأخيرا وصل مشروع قانون المالية امام مجلس النواب، أخيرا لأن الاجال الدستورية لم تحترم بسبب الأجندة السياسية، وسحب مشروع مزوار كان ضمن منطق الاشياء. لم يكن ممكنا بدء المناقشات بانتخابات في خضم مسلسل تشريعي. و حكومة بن كيران لم تأخذ كثيرا من الوقت. انها أغلبية جديدة عمادها الاساسي، حزب العدالة والتنمية، وليست لها أية أجندة في تدبير الشؤون العامة ومجبر على الوفاء بعدة تعهدات. وبالتالي التأخير سيكون محاكمة سيئة. بالمقابل هناك مؤاخذات يمكن ان نوجهها لأول ميزانية في عهد حكومة الاسلاميين، -لم يلتزم بتعهداته الانتخابية، ولم يجدد كثيرا، والاجراءات الاجتماعية التي يقترحها كانت مضمنة في معظمها في مشروع مزوار -الفرضيات المتفائلة جدا تلقي بظلال الشك حول مسألة التمويل. ولكن قبل انتقاد الحكومة الحالية، لابد من الاشارة إلى مسألة مهمة جدا. حتى النهاية ظلت حكومة عباس الفاسي تكذب بخصوص وضعية المالية العمومية. كمان يقال بأن عجز الميزانية سيكون في حدود %3.5 من الناتج الداخلي الخام. فوجدنا انفسنا امام عجز في مستوى %7 أي الضعف، حكومة العدالة والتنمية لا تفعل ذلك ولكن من حقها ان تقول انها قدمت تعهدات انتخابية على اساس مالية سليمة وتجد نفسها امام ضرورة اعادة توازنات اساسية، لقد اعلنت عن سياسة لإعادة التوزيع غير قابلة للتنفيذ بالنظر لحالة الحسابات. وهذا الأمر يقلل من المؤاخذات الاولى، «فوق طاقتك لا تلام كما يقال»، وسيكون من انعدام المسؤولية، الدفع بالمغرب نحو برنامج جديد للتقويم الهيكلي. لننتقل الآن الى دراسة الاجراءات الاجتماعية حسب اهميتها. اولا التشغيل، فإحداث 26 الف منصب، تشمل جزئيا تعويض 10ا لاف احالة على التقاعد، والباقي مرتبط بحاجيات حقيقية للادارات المعنية، مرتبطة بتوسيع المرفق العمومي وبناء وحدات جديدة، مدارس، محاكم ومستوصفات اساسا. وبشكل خاص للاستجابة للتنظيم الاداري الجديد لوزارة الداخلية هذه التوظيفات كانت مضمنة في مشروع مزوار كما هي تقريبا. وهذه نقطة تحسب للحكومة التي لم تضعف امام الاغراء، لاسيما وانه بالرغم من هذا الالتزام فان كتلة الاجور ستمتص 95 مليار درهم بزيادة ù8 في المائة بالمقارنة مع السنة المالية السابقة. تعميم نظام التغطية الصحية RAMED مكسب حقيقي. وهذا ايضا كان من ضمن اقتراحات الاغلبية السابقة, انه اصلاح يستفيد منه المواطنون والنظام الصحي والصناعة الدوائية. تمويله متفرد، سيتم عبر مساهمة بنسبة %1.5 من ارباح الشركات التي حققت مشاريع بقيمة 200 مليون درهم. ويبدو ان الكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب اعلنت موافقتها لهذه المقاربة، لكن القطاع البنكي سيجد نفسه موضع انتقاد من الناحية الضريبية. وليس مستحيلا ان نرى تعزيزا لسياسات المؤونة. الاجراءات لفائدة السكن الاقتصادي وحضيرة الكراء بدورها موضوع انتقاد منذ مدة. فهي تسير في اتجاه تسهيل الوصول الى سكن لائق لفائدة ذوي الدخل الضعيف. والعقبة الوحيدة هي الضريبة المرتقبة على الاسمنت التي سترفع تكلفة البناء. وعموما نحن امام اجراءات مقررة منذ وقت طويل، اجراءات ليست مكلفة بالضرورة، والتي تم البحث لها عن موارد اضافية. والعملية سليمة على العموم, لكن الامور تبدو اشكالية عندما نصل الى الكتل الكبرى في الميزانية. فالاستثمارات العمومية يتوقع ان تبلغ 188 مليار درهم. وقد تصبح المحدد لتقويم معادلة الميزانية لان الميزانية، ومن اجل بلوغ نسبة عجز في حدود %5 تراهن على نسبة نمو %4.2 زيادة المداخيل الضريبية %7 بالنسبة للضريبة على الشركات و %4.2 بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة, تقليص اعباء صندوق المقاصة.. الخ لنبدأ بنسبة النمو, فالسنة الفلاحية سيئة بشكل لا رجعة فيه. وهذا يعني انه خارج قطاع الفلاحة, فإن القطاعات الانتاجية الاخرى يجب ان تحقق نمواي فوق %6 من اجل بلوغ فرضية %4.2 الاولية. لكن ماذا تقول التحليلات الظرفية؟ فهي تراهن في احسن الاحوال على نسبة نمو في حدود %3 دون احتساب قطاع الفلاحة. واوربا السوق التقليدية للصادرات المغربية تعيش انكماشا على الاقل خلال النصف الاول من سنة 2012 وفرنسا واسبانيا وايطاليا، اهم شركائنا ستسجل ادنى المستويات و القاطرات الداخلية،و خاصة البناء، لا تتوفر على امكانية لا محدودة للنمو. وقطاع السيارات، رونو مثلا يوفر ارباحا في مستوى الناتج الداخلي الخام، لكنه يبقى بعيدا على تعويض الباقي. ولدعم تفاؤلهم نشر المسؤولون ارقاما تتعلق بالسياحة وتحويلات المغاربة المقيمين بالخارج خلال شهر يناير. الطريقة ليست علمية تماما. والمقارنات الشهرية غير ناجعة. مثلا شهر يناير 2012 كان شهرا مشمسا خلافا لشهر يناير 2011 الذي كان ممطرا. وهذا يمكن ان يفسر الفوارق الملاحظة فيما يخص مداخيل السياحة ونسبة نمو%4.2 سيكون انجازا خارقا على جميع المستويات. وكما لاحظنا، سيعني ان الحكومة بلغت نسبة %6 التي وعدت بها في نهاية الولاية. لكن الحذر يفرض نفسه بالنظر الى الظرفية الدولية، فالأزمة هذه المرة أزمة الاقتصاد الحقيقي وليست أزمة فقعة مالية، وأيضا أزمة بالمقارنة مع مؤشرات محلية، فمساهمات المؤسسات العمومية أقل من التوقعات. والنقل البحري يوجد على حافة الإفلاس والفلاحة تضررت كثيرا وهذا وحده كاف للجم الحماس. لكن الأمل في بلوغ هذه النسبة من النمو هو الذي ينعش الأمل في تحقيق زيادة في المداخيل رغم انخفاض الرسوم الجمركية. وتحسين تحصيل الضرائب قائم من عدة سنوات، وبالفعل فلأن فعالية إدارة الضرائب تحسنت، فمن الطبيعي القول بأن إمكانيات التحسن تتقلص. فالضريبة على الشركات والضريبة على القيمة المضافة مرتبطان بالنمو. فإذا ما تقلصت نسبة النمو، وهو أمر محتمل. وإذ لم تتحر النسب لا نرى كيف يمكن تحقق الزيادة. على مستوى النفقات، يبقى أحد أهم ا لمجالات هو صندوق المقاصة، يتوقع غلافا ماليا يصل إلى 49 مليار درهم منها 36 مليارا فقط برسم سنة 2012. فالسنة المالية 2011 امتصت أكثر من 45 مليار درهم. ما الذي تغير؟ النظام مازال كما كان دون أي تغيير. والأسعار على الصعيد الدولي تستعر. والمحروقات كلفت صندوق المقاصة 27 مليار درهم السنة الماضية. ومنذ بداية هذه السنة، تشهد الأسعار ارتفاعا بفعل عاملين. عامل لا رجعة فيه ويتعلق الأمر بحاجة الدول الصاعدة من الطاقة. وعامل ظرفي سياسي في المناطق المنتجة للطاقة. فإيران توجد تحت ضغط العقوبات ومخاطر اندلاع حرب. والعراق يغرق في العنف ولم يستعد حتى الآن مستوى انتاجه نفس الأمر بالنسبة لليبيا أو نيجيريا، ويتوقع الخبراء أن تصل أسعار النفط مستويات قياسية. وبالتالي هناك حل من اثنين: - إما أن الحكومة ستحمل المستهلك ثقل هذه الزيادة وهو أمر منطقي، لكن بالنظر إلى الظرفية السياسية الحالية المعقدة جدا مع تزايد أوضاع التوتر والاحتجاجات, فإن هذا الخيار يبدو خيارا صعبا. - وإما أن الحكومة تعول على تموينات بأسعار تفضيلية بفضل علاقات »الأخوة« مع دول الخليج العربي وإلا فإن الحساب خاطئ بالضرورة. ويتعين أيضا مسايرة أسعار الحبوب في الأسواق العالمية. فأسعار القمح في تزايد مستمر منذ عدة سنوات, لأن الآسيويين ادمجوا هذه المادة في عاداتهم الإستهلاكية وأيضا من خلال استعمالاتها الصناعية. والمغرب هذه السنة سيستورد الحبوب من أجل تعويض آثار الجفف, وإذا ما استثنينا ارتفاع الأسعار عند الاستهلاك، وبما أنه تم الإبقاء على نظام المقاصة كما هو فإن الميزانية المخصصة لهذا الصندوق تمثل خطرا كبيرا، يتمثل في ترك متأخرات ضخمة أخرى على ذمة الميزاانية المقبلة. ومن أجل تمويل الميزانية، علينا البحث عن سبل أخرى. سبل الاقتراض الخارجي مطروح، وهناك مشروع من أجل اقتراض 20 مليار درهم. هذه الفرضية ممكنة على مستوى السوق الدولية ولكن بأي ثمن؟ لأن الأطراف المانحة لها استعدادات إيجابية تجاه المغرب، لكن قروضها مشروطة ومرتبطة بمشاريع وهو ما يأخذ وقتا أطول ويحد من هامش المناورة لدى الحكومة. تبقى إمكانية الإعفاء الضريبي. والعديد من كبار المسؤولين يرفضون حتى سماع الحديث عن الموضوع. لكن ربما الحاجة تفرض منطقها كما حصل قبل 15 سنة، وسيقال أنه من أجل إرساء الثقة، نعيد العدادات الى الصفر.