هو أول يوم من العشر الأواخر في شهر رمضان الأبرك٬ لم يكسر هدوءه قبيل آذان الافطار إلا حركة دؤوبة على نغم المديح النبوي والإنشاد في خيمة "فطور من القلب" الذي تنظمه جمعية "مغرب 21" بباحة مدرسة محمد جسوس بحي الليمون بالرباط طيلة أيام الشهر الفضيل حيث عطية الخير ودأب الإحسان يزيدان أثرا في النفوس ويعظمان أجرا. فمع دنو موعد الأذان٬ تسارعت وتيرة الحركة عند المتطوعين بهذه الخيمة حيث يصفف شاب الكراسي حول إحدى الموائد٬ وتحمل فتاة في مقتبل العمر صحن تمر وآخر من حلوى "الشباكية" المغربية٬ وتليها أخرى بآنية مزخرفة بنقش مغربي أصيل٬ تموج في داخلها شربة المغاربة الأولى٬ "الحريرة"٬ فيما يسهر شاب في العشرينات من العمر على تنظيم عمل المتطوعين. هذا الشاب المتطوع٬ بردي ياسين٬ الذي يبدأ عمله التنظيمي في هذه الخيمة مباشرة بعد انتهائه من عمله كإطار بنكي٬ يقول في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء "نحاول أن نوفر إفطارا مكتملا يجمع بين جودة ما يقدم للصائمين وحميمية الأجواء المصاحبة له٬ لخلق جو أسري يندمج فيه جميع من يأتي هنا على اختلاف شرائحهم". على عادة الأيام المنصرمة٬ ينتظر المنظمون مجيء أزيد من 700 مستفيد ومستفيدة للإفطار٬ بعدما كان عدد المستفيدين في الثلاثة أيام الأولى من رمضان يصل إلى 500 شخص. وتستهدف هذه المبادرة الرمضانية أساسا المعوزين وعابري السبيل وعموما الأشخاص في وضعية صعبة. مريم بوعلو٬ المتطوعة في "فطور من القلب"٬ والحاصلة على شهادة باكالوريا علوم رياضية حديثا وتلج هذه السنة سلك الأقسام التحضيرية٬ تعرفت على مبادرة الجمعية عبر موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك"٬ وحرصت على المشاركة فيها منذ انطلاقها. وترى مريم في تصريح مماثل أن " التطوع والمشاركة والحضور في هذا النشاط الخيري أفضل بكثير من البقاء في المنزل" مضيفة "هذه الأجواء التي يمتزج فيها الواجب الديني بالعمل الخيري تمنحني إحساسا جديدا في حياتي كل يوم" . ويؤكد رئيس جمعية "المغرب 21"٬ السيد عبد الغني بنسعيد٬ أن عملية "فطور من القلب" المنظمة هذه السنة بالرباط٬ لاقت نجاحا كبيرا٬ وشعبية وإقبالا واسعين بين الناس٬ مشيرا إلا أن "الجمعية ستسعى إلى تنظيم مثل هذه المبادرة في 12 مدينة من مدن المغرب السنة المقبلة٬ وذلك في أفق تعميمها على مدن وقرى أخرى بالمملكة في المستقبل". السعدية٬ إحدى المستفيدات من هذا الإفطار الجماعي٬ والتي تأتي يوميا من مدينة سلا رفقة بعض أفراد أسرتها٬ تقول إن أكثر ما يترك أثرا في نفسها هو الترحيب الكبير لأعضاء الجمعية٬ والتنظيم الجيد٬ وكونها لا تحس بأي نقص وهي تفطر هنا تحت ظلال هذه الخيمة. وتشهد المنصة المقابلة لموائد الإفطار كل يوم٬ تنظيم وصلات تنشيطية وغنائية وفي فن المديح٬ أبدعت فوق بساطها اليوم٬ فرقة مديح صنوفا من ألحان وترانيم هذا الفن٬ قبل أن تترك مكانها لفرقة أغان شعبية٬ ليزيد التفاعل مع الأنغام وتعلو زغاريد الحاضرات وصلواتهن على النبي الكريم في هذه الاجواء الرمضانية. وسط هذه الأجواء بالغة الأثر في النفوس٬ التحق الممثل المغربي٬ إدريس الروخ٬ الذي حضر إفطار الجمعية هذا اليوم٬ بالمنصة مشاركا الحاضرين لحظات فرح ومسرة تشرح صدور أناس تثنت قسمات وجوههم بفعل الفقر والحرمان. واعتبر الروخ٬ في تصريح مماثل أن مثل هذه المبادرة "تعبر عن نبل القيم الدينية والأخلاقية والتربوية للمغاربة٬ وتعكس مبادئ التآزر والتكافل وآصرة التضامن التي تجمع بينهم٬ كما أنها تجسد روح الأسرة والجماعة التي يمتازون بها". ويكتسي انخراط المجتمع المدني في دعم الفئات المعوزة التي تعيش ظروفا صعبة وتوفير السند المعنوي والمادي لها رمزية خاصة في شهر الغفران. فعلى غرار بادرة "جمعية المغرب 21"٬ نظمت منصة "فكرة.ما" النسخة الثانية من قافلة "فطرو معانا"٬ هذا العام بمدن أكادير ووجدة والرباطوسلا والدار البيضاء وفاس وتارجيست٬ وكذا خارج الوطن بكل مدينتي باريس وليل الفرنسيتين. ويظل الهدف الأسمى لهذه البادرة حسب مؤسس منصة "فكرة.ما"٬ مروان المتوكل٬ هو تحفيز وإشراك مجموعة من الجمعيات والطاقات في العمل الجمعوي٬ الى جانب إدخال البهجة والسرور على قلوب الأشخاص في وضعية صعبة". ويضيف "يوجد استثناء هذا العام٬ إذ لأول مرة ستقام مائدتان للإفطار في فرنسا٬ بكل من ليل وباريس٬ بشراكة مع جمعية "أنوار المغرب" الناشطة في فرنسا٬ بهدف التعريف بمشروع فكرة.ما ورسالتها لدى الطاقات الموجودة هناك". ويبرمج أصحاب قافلة "فطرو معانا" أسبوعيا عدة أنشطة من قبيل الدورات التكوينية والورشات والأنشطة الدينية والرياضية والترفيهية وكذا تحفيز المشاركين والمستفيدين على جعل الانخراط الجمعوي الفاعل٬ على رأس أولوياتهم. وبمثل هذه المبادرات٬ يصير الإفطار الجماعي أكثر من عمل خيري مناسباتي٬ باعتباره يحمل بعدا رمزيا وقيميا٬ ويعكس روح الفاعلية والمشاركة والتطوع بالفكر والمال والعمل من أجل الآخر.