طبعا، من حق أي حزب سياسي أن ينظم ما يشاء من الندوات وغيرها. ومن حقه أيضا أن يختار من يشارك في هذه الندوات، وأن يختار الوقت المناسب لذلك. كما بدون شك، من حق أي حزب آخر أو أي متتبع أو أي مهتم سياسي أو أي مواطن مغربي، أن يعبر عن رأيه بخصوص هذه الندوات وخلفياتها وسياقاتها، خاصة وأن الدعوة لحضور ندوة "وحدة اليسار... الآن" مفتوحة أمام العموم. ومعلوم أن هذه الندوة منظمة من طرف الكتابات الإقليمية لتحالف اليسار الديمقراطي بالرباط، وهو تحالف مكون من أحزاب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي واليسار الاشتراكي الموحد والمؤتمر الوطني الاتحادي. أما المشاركون في الندوة، حسب الملصق الدعائي، فهم الحزب الاشتراكي الموحد وحزب المؤتمر الوطني الاتحادي وحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي وحزب النهج الديمقراطي وحزب التقدم والاشتراكية، وليس كما جاء في الدعوات الموجهة الى وسائل الإعلام "بمشاركة كل التنظيمات وفعاليات اليسار المغربي". إن هذه الصيغة الأخيرة تنفي أو تخفي وجود فعاليات يسارية فعلية وحاضرة في الميدان، وتؤدي ضريبة الانتماء الى اليسار الحقيقي، اليسار الجذري. ويهمني بهذه المناسبة التوقف عند نقطتين اثنتين، وهي: - الظرفية السياسية التي تنظم فيها هذه الندوة؛ - الأطراف السياسية المشاركة في الندوة؛ الظرفية السياسية الراهنة والندوة: تمر بلادنا من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة، رغم تستر النظام المغربي عن ذلك، بالإضافة الى كل من لهم مصلحة في استمرار الأوضاع على ما هي عليه، وفي مقدمتهم مكونات الحكومة الحالية، وخاصة أحزاب العدالة والتنمية والاستقلال والحركة الشعبية والتقدم والاشتراكية (المشارك في ندوة "وحدة اليسار... الآن"). وقد يعفيني من إبراز مؤشرات هذه الأزمة التي تعبر عن احتداد الصراع الطبقي ببلادنا، بعد التدهور المهول في الخدمات الاجتماعية (التعليم، الشغل، الصحة، السكن...) والزيادة "الماكرة" في المحروقات (وهي زيادة، في واقع الأمر، في العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية)، اقتراض ما يزيد عن ستة (06) ملايير دولار من صندوق النقد الدولي. وبدون شك، ستدخل بلادنا نفقا أكثر قتامة من ذي قبل، من حيث الخضوع للامبريالية وإملاءات مؤسساتها المالية التي يعرفها الشعب المغربي أدق المعرفة (أسوأ حتى من "برنامج التقويم الهيكلي" لسنوات الثمانينات من القرن الماضي) ومن حيث الإجراءات القمعية المصاحبة لها من طرف النظام (انتفاضة يناير 1984 وانتفاضة دجنبر 1990 كأمثلة ساطعة). وستكون الجماهير الشعبية المضطهدة، وفي مقدمتها الطبقة العاملة، الضحية الأولى لهذا النفق المظلم، وكما دائما. ويتابع الجميع الآن، وفي أغلب الأحيان في صمت مخجل، الحملات القمعية المسعورة (حملات انتقامية واستباقية) التي تستهدف بالأساس مواقع الفعل النضالي الجذري (الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب، حركة 20 فبراير...)، والتي ترمي الى إسكات الأصوات المناضلة التي تفضح الإجرام والتردي الحاليين والى توفير شروط الهدوء والاستقرار لتمرير المخططات التدميرية للنظام. إن أعداد المعتقلين السياسيين الآن يذكرنا بالأعداد المماثلة لسنوات الرصاص وكذلك أشكال التعذيب والاختطاف وأوضاع السجون، في تجاهل تام لشعارات حقوق الإنسان المتعارف عليها عالميا ولشعارات الديمقراطية ودولة القانون... إن المرحلة، مرحلة مواجهة وفضح واستمرار معارك الكادحين المغاربة (عمال وفلاحين وطلبة ومعطلين...) من اجل التحرر والانعتاق. الأطراف السياسية المشاركة في الندوة: قد يقول قائل: إن ندوة "وحدة اليسار... الآن" ستطرح الوحدة من أجل مهام المرحلة (النضال من أجل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، الانخراط الفعلي والقوي في حركة 20 فبراير من أجل تقويتها وتطويرها، التصدي لمخططات النظام في مجالات التعليم والصحة والشغل والسكن...). قد نصدق ذلك لولا مشاركة حزب التقدم والاشتراكية، المشارك في الحكومة الرجعية الحالية المسؤولة بدورها عن معاناتنا، وقد نصدق ذلك لولا مشاركة حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الذي شارك، بل قاد الحكومات السابقة التي أسست للتناوب على ركوب جراحنا ومآسينا. إنه من المستفز المراهنة على حزبين "متلاشيين" لا علاقة لهما باليسار، فبالأحرى "وحدة اليسار... والآن"!! وماذا عن "تجمع اليسار الديمقراطي" الذي يضم الى جانب مكونات تحالف اليسار الديمقراطي حزب النهج الديمقراطي؟ لماذا تجاوز "التجمع" والدعوة للندوة باسم "التحالف"؟ ولماذا الانفتاح على أحزاب أثبت التاريخ والواقع الراهن "عدم صلاحيتها"؟ إن غير المقبول، نظريا على الأقل، هو مشاركة النهج الديمقراطي في هذه الندوة، وذلك لسبب واحد على الأقل، وهو الحضور الى جانب "الحزبين المتلاشيين" البعيدين عن اليسار وهموم اليسار (في الوحدة أو في النضال) وعن مصالح الجماهير الشعبية، والقريبين بالمقابل من النظام وخدام مصالحه الطبقية. أ ليس ذلك شكلا من أشكال العبث السياسي؟