ينتمي الدستور المغربي لفئة من الدساتير التي قد يجوز تسميتها بالدساتير المفتوحة.إنه نص غير مكتمل ،يحتاج للممارسة لإختبار نقط قوته وهشاشاته،كما يحتاج للتجربة لملء بياضاته. ولأنه توافقي في هندسته العامة و في تمثله للعلاقات بين السلط و للعلاقة داخل السلطة التنفيذية،فالمؤكد أن النص الذي أدار ظهره قليلا للملكية التنفيذية ووقف في منتصف الطريق الى الملكية البرلمانية،سيكون عرضة لتنافس التأويلين الرئاسي والبرلماني. أكبر من مجرد حروب في البلاغة أو تفاوت في القراءات،ولا حتى مجرد استراتيجيات فردية للفاعلين،هذه التأويلات هي في العمق خلاصة جوهرية لموازين القوى ولتدبيرها السياسي. الدستور الذي تمت صياغته تحت دوي سقوط أنظمة الاستبداد العربي،وعلى إيقاع هدير شارع مغربي وجد –فجأة- الكلمات الضرورية للانتماء للتاريخ الذي بدا على غير العادة متسارعا،هل سيكون نفسه الدستور الذي سيطبق في سياقات مابعد الربيع العربي،وما بعد 25 نونبر 2011؟ سؤال قد نضطر أسفين لطرحه كثيرا في الأيام القادمة. بعيدا عن التأويل و"الكتابة بالممارسة"،ثمة تحدي أخر :إنه ذلك المرتبط بالقوانين التنظيمية. المشرع الدستوري المغربي في إطار استراتيجية"النص المفتوح"،سيوسع من دائرة الإحالات على القوانين التنظيمية لتشمل عشرين موضوعا تدخل ضمنها عمليا الأوراش القادمة للاصلاح المؤسسي والثقافي والسياسي،مواضيع مثل: الأمازيغية و الجهوية و الديمقراطية التشاركية... وحتى لا تتكرر حكاية القانون التنظيمي للإضراب في الدساتير السابقة،تكلف الفصل 86 من الدستور بالتنصيص على وجوب عرض كل مشاريع القوانين التنظيمية في أجل لا يتعدى الولاية التشريعية الأولى التي تلي تنفيذ الدستور. هذا معناه أننا أمام ولاية تشريعية غير عادية ؛بأجندة تأسيسية واضحة،لنقل انها ولاية شبه تأسيسية سيتكلف خلالها البرلمان بكتابة النصف الأخر من الدستور. الحكومة بدت في الأول متفهمة لطبيعة هذا الرهان الخاص.عندما جاء الأستاذ بنكيران أمام النواب ليقدم برنامجه الحكومي تحدث عن " التنزيل التشاركي و الديمقراطي لمقتضيات الدستور" وعن " اعتماد مخطط للإصلاح التشريعي من أجل تطوير و تحديث المنظومة القانونية لبلادنا على ضوء الدستور الجديد و البدء بالقوانين التنظيمية ذات الأولوية". أربعة أشهر بعد ذلك ، وقبل أن نكتشف مذهولين أن "التنزيل "مهمة ملكية لاعلاقة للحكومة بها،سيقر السيد رئيس الحكومة، داخل مجلس النواب، في أول حصة للأسئلة الشهرية المتعلقة بالسياسة العامة،بغياب التفكير في المخطط التشريعي الخاص بالقوانين التنظيمية.الأكثر من ذلك و في اطار هوايته المفضلة بالخروج عن النص،سيعتبر أن هذه القوانين ستخضع بالضرورة لمنطق الأغلبية و الأقلية،وليس أكثر.وكفى الله المسلمين شر القتال ..و المقاربة التشاركية. في الحقيقة كان المرور الشهير للقانون التنظيمي المتعلق بالتعيين في المناصب العليا،أفصح من كل بلاغة الأستاذ بنكيران. ثمة حاجة مؤكدة اليوم ،لكي تعلن الحكومة مخططها التشريعي مقدمة أجندته وأولوياته،لكن الأهم ان تقدم الحكومة تصورا لمنهجية بلورة هذه القوانين غير العادية. لقد انتج المغاربة دستورا متقدما،بمخاض حقيقي وبعد حوار عمومي واسع وغير مسبوق،لذلك عندما يتعلق الأمر بقضايا مؤسسية و تأسيسية-هي امتداد لهذا الدستور- لا مناص من تدبير تشاركي سليم، قبل الاستسلام لمنطق المسطرة ولجاهزية الأغلبية. المغاربة صوتوا في فاتح يوليوز2011 على دستور واحد.لذلك ليس هناك دستور للأغلبية وأخر للمعارضة.