صوته الجهوري المؤثر يملأ أرجاء وجنبات مسجد "المحسنين" بمقاطعة يعقوب المنصور في الرباط، فيأتي مئات المُصلين من كل حدب وصوب بالمدينة لأداء صلاة العشاء والتراويح خلفه، مستمتعين بتلاوته للقرآن الكريم وترتيله الشجي الذي يملأ القلوب خشوعا وحضورا. هسبريس حضرت صلاة التراويح في أحد الأيام الأولى من رمضان الجاري، وسجلت تجاوبا ملموسا لدى أغلب المصلين الذين وجدوا في صوت القارئ "أبو بكر" شيئا من صوت القارئ المعروف الشيخ عمر القزابري، حتى بات يلقبه البعض ب"قزابري الرباط". مساره مع القرآن وفي دردشة لهسبريس مع القارئ أبو بكر، 30 عاما، حول مساره مع حفظ القرآن الكريم، قال إنه درس في المدرسة العادية قبل أن ينتقل إلى حفظ القرآن في دار القرآن بمسجد الموحدين في طنجة، حيث درس على يد العديد من الشيوخ والأساتذة؛ منهم على وجه الخصوص محمد شفراد ومصطفى البويحياوي ومحمد الجردي وغيرهم. وانتقل قارئنا، بعد إتمام حفظ القرآن الكريم، إلى جمعية الحافظ ابن عبد البر بمراكش حيث درس على يد الشيخ الحسين آيت سعيد وأحمد عبادي ومحمد الولالي، كما درس روايتي قالون وورش عن توفيق العبقري صهر القارئ المعروف عبد الرحيم النابلسي. وأضاف أبو بكر بالقول: "بعدما حصلت على شهادة الباكالوريا دخلت الجامعة ونلت درجات متفوقة، ثم ولجت المدرسة العليا للأساتذة لأتخرج أستاذا في قطاع التعليم، وأدرس حاليا مادة التربية الإسلامية في ثانوية مولاي ادريس بنيابة مولاي رشيد بالدار البيضاء". هذا القارئ المتعلم المتواضع صلى بالناس في كثير من المدن، فهو القارئ الرحالة الذي صلى كثيرا في طنجة، وفي مراكش، ووارزازات، وفي مسجد الكوثر بالدار البيضاء، ثم شاء القدر أن يأتي للرباط ليؤم المصلين في صلاتي العشاء والتراويح في مسجد المحسنين منذ أربع سنوات، حيث يتنقل يوميا من البيضاء إلى الرباط من أجل هذا الغرض كل شهر رمضان. قبول الناس والتأثر بالمشاهير وحول سؤال بخصوص شعوره عندما يسمع عبارات المديح والإطراء على حسن أدائه، أجاب أبو بكر إنه يشعر بسعادة غامرة تملأ صدره حين يسمع المصلين يثنون عليه، ويدعون لوالديه اللذين ربوه بالرحمة والمغفرة، وللعلماء الذين درسوه وعلموه كلام الله. وتابع القارئ بأنه عندما يشعر بترحاب الناس وبشاشتهم في وجهه، يعلم حينئذ أن كلام الله تعالى وصل إلى شغاف قلوبهم، مردفا بأن الإمام عندما يكون في المحراب لا يجب أن ينظر إلى المصلين الذين خلفه، بل ينظر إلى أمامه حيث يقف بين يدي الله تعالى، وهو الأمر الذي يعكسه الله سبحانه على المصلين. وحول من تأثر بهم في مسيرته القرآنية، قال أبو بكر إنه تأثر ولاشك بالقارئ الشيخ عمر القزابري باعتبار احتكاكه المباشر به، حيث كان يقطن في المنزل الذي يوجد فوق المدرسة التي كان يدرس فيها القرآن الكريم. ولم يُخف أبو بكر تأثره بالقزابري في بداياته، مبرزا أن أكثر الشباب تأثروا بالقزابري في تجويدهم لكتاب الله، وزاد بأنهم وجدوا القزابري جاهزا فأخذوا عنه الشيء الكثير، كما أنه تأثر من المشرق العربي بعدد من القراء الكبار، من قبيل المشايخ اللاهوني والطبلاوي والمنشاوي ومحمد عبد الباسط والليثي. وبخصوص تقليده لصوت القزابري قال القارئ إن البعض كان يسأل عندما يصلي خلفه التراويح إن كان القزابري هو من يصلي بالناس، مضيفا أن الإمام يحاول أن يغير من نبرة صوته حسب الآية التي يتلوها، فالعلماء أكدوا أن الإمام عليه أن يُشعر الناس كأنه يعظهم، فالموعظة بالقرآن أشد نفاذا من الموعظة العادية. وفي ما يخص المسابقات القرآنية، حصل أبو بكر على الجائزة الثالثة في المسابقة الوطنية لحفظ وتجويد القرآن سنة 2002، وبعدها انشغل بالدراسة والبحث العلمي باعتبار تهييئه للدكتوراه في السنة الثالثة بجامعة القاضي عياض بمراكش، بعد أن حصل على شهادة الماستر في جامعة المحمدية. وينصح أبو بكر القراء الشباب بالإخلاص في قراءة كتاب الله، لأن الإمام القارئ الذي يخلص لله تعالى يصل إلى قلوب الملايين من المؤمنين، كما ينصح بأن يُجدَّ المرء في حفظ كتاب الله ولا يدعه يتفلَّت منه، وأن يكثر من سماع القراء حتى يتحصل على المقام لأن المقام لا يُحفظ بقدر ما يأتي من كثرة التلاوة وتبعا للتدرب عليه.