لم يكن الفعل الإرهابي اليوم الذي استهدف مجلس الأمن القومي في سوريا مجرّد عمل جبان فحسب، بل هو في تقديري عمل اختبأت وراءه نزعة انتقامية تواطأت عليها دول إقليمية. ولا أستبعد أن تكون تلك هي الرّد على إسقاط دمشق لطائرة تركية تتجسس على سوريا لفائدة حلف الأطلسي. تفجير مقر للدولة هو عمل إرهابي ليس إلاّ، أي هو عمل لا يسقط نظاما بل يزيده إصرارا على المواجهة. اليوم باتت دمشق في حلّ من أمرها لكي تلاحق فلول المسلحين المتترسين بالمدنيين. ولا عجب من أمر هؤلاء المسلحين ؛ يفجرون في كل مكان ، لكنهم يبكون مثل النساء حينما يواجههم الجيش. أحد خطباء بمسجد بالميدان الهارب إلى قطر يتحدث عن أن هؤلاء الثوار قبضيات ومجاهدين...لكن لماذا تغيب فضيلة الاعتراف وأخلاقية الحرب.. لماذا لا يقولون أننا نحارب ونقاتل دون أن يتباكوا على الجامعة العربية والأمم المتحدة؟ المشكلة أن هذه الحفنة من المقاتلين الجبناء هي مدعومة أيضا من نظم جبانة. وقبل قليل فقط كان السيد نصر الله قد فضحهم لما تحدث عن أن سوريا هي من يدعم المقاومة بالسلاح والصواريخ. كان أحرى أن تعترف سائر الفصائل المقاومة الأخرى بهذه الحقيقة بدل أن تختار شريعة الشيطان الأخرس وتصلي وراء من غلب. من بعد هذا يشكك في دور سوريا في المقاومة؟ لكن هناك عفاريت التحليل الاستراضلالي سيقولون أن المقاومة أكذوبة...سنذكرهم مرة أخرى ببيت لمظفر النواب:النار هنا لا تمزح..يا قردة. اليوم يطيب للصحافة العربية أن تنشر مقالات مترجمة عن ايديعوت احرانوت تشجب نظام بشار الأسد. في موضوع دمشق تلتقي الأذواق السياسية والرؤى بين إسرائيل وأصدقاء سوريا المارقين...هذا يكفي كمؤشّر على أن الأزمة السورية لم تقسم العالم إلى جبهتين فحسب، بل هي أيضا تكشف الهزيمة والاستسلام في خطاب من نافقوا القضية الفلسطينية أو مارسوا فيها نضال الصالونات والجهاد بالمراسلة. إن المشكلة السورية اليوم، كشفت عن المواقف والسياسات والخفايا ومعادن الرجال. إن الديمقراطية التي يتحدثون عنها كثيرا في سوريا هي الشيء الأبعد في حساباتهم الجيوستراتيجية. ففي سوريا جائز أن تحمل السلاح وتدمر مؤسسات الدولة والمجتمع، ولا يعتبر هذا إرهابا.لأن واضعي المعجم السياسي للإرهاب يؤيدون تدمير المجتمع والدولة السورية. وهل سيغفرون لسوريا دورها في معركة تموز الحاسمة؟ في سوريا جائز أن تقود القاعدة قتالا عشوائيا لكنه يعتبر قتالا من أجل الديمقراطية والحرية.واشنطن تؤيد ذلك وتتصالح مع القاعدة في دمشق.باتت الديمقراطية مفهوما لعبيا، وحكاية فاجرة في زمن بؤس المفاهيم والتباس السياسات.كل شيء محرم على شعوب المنطقة جائز في سوريا.لا توجد شعوب تتوق للديمقراطية في بلدان الخليج، لكن فقط سوريا يجب أن تسقط باسم الديمقراطية ، لتنتج حربا أهلية تأتي ببديل يفرض استبدادا على الشعب السوري ويحرمه من استقلاله ومناعته..شيء من الديمقراطية والإصلاح والحوار الوطني كفيل بأن يقوي سوريا. لكنهم فضلوا أن يكون الحوار ، حوار عنف مسلح. وفي المقابل لا بد أن تتحرك الدول الخصيمة لسوريا والممتعضة من مناعتها أن يضغطوا على الدولة لكي لا تواجه المسلحين وتتركهم يقضمون مؤسسات الدولة ويعربدون. ولكي يخفوا كل هذه الوقاحة ، لا بد من ركوب موجة التضخيم والمبالغة والتهويل والتشويه والتضليل والحرب الإعلامية.والمؤشر كان ولا يزال واضحا منذ البداية، فالجيش الحر بقيادة رياض الأسعد يقدم مثالا للبديل القادم: فرار ضابط بمليوني دولار قبل أن تضع الحرب أوزارها..وأطياف معارضة الريموت كونترل تتصارع على الطارط والكعكة قبل أن تخرج من الفرن. إذا ما تورطنا في معالجة المسألة السورية في إطار الجدل النظري حول مفهوم الديمقراطية، فلن نفهم شيئا ولن نقول شيئا يتصل بالفكر الاستراتيجي. المسألة في النهاية تتعلّق بتصفية القضية الفلسطينية، حتى لو غادرت حماس دمشق إلى حين. لأنّه لا يوجد في الدوحة شروط العمل بالنسبة لمجموعة مقاومة إلاّ لمن كان يرغب في التخلّص من واجباتها.