تقديم كتاب الصحراء المغربية أرض النور والمستقبل بدوسلدورف ألمانيا    من المسؤول عن تعطيل عملية تسليم الشقق للمنخرطين في مشروع القدس 1 المنتهية أشغاله بودادية النجاح للسكن بأكادير    المنتخب المغربي يصل إلى فرانسفيل    السياحة المستدامة والتحول الرقمي محور الدورة الثالثة لملتقى المقاولة بالحسيمة    "الفعل الاجتماعي" في المغرب .. مسؤولية الحكومة وانتظارات المواطن    المغرب والسعودية يتفقان على تسهيل عملية ترحيل المحكوم عليهم بين البلدين    مسؤول برئاسة النيابة العامة يوضح النطاق المحمي بمقتضى قانون الصحافة وموجبات تطبيق القانون الجنائي    الولايات المتحدة.. ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    جهة الداخلة تعزز الشراكة مع إسبانيا    هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة غدا الخميس بعدد من أقاليم المملكة    باليراريا" تنقل فرق مغربية ومعدات شفط المياه لدعم جهود الطوارئ في فالنسيا            رقم قياسي.. المغرب استقبل 14.6 مليون سائح حتى متم أكتوبر الماضي    أمن العيون يطيح بشبكة إجرامية تنشط في سرقة الأسلاك الكهربائية    تقرير: 16% فقط من المغاربة يعيشون حياة "مزدهرة" و69% يفكرون في تغيير وظائفهم    جمعية ثاويزا آيث شيشار تكتشف و ترصد دولمن مدفني بجماعة بني شيكر يعود لألاف السنين    لجنة المالية تصادق على مركزية الأجور والمناصب المالية وصفة موظف عمومي لمهنيي الصحة        المغرب يستقبل أكثر من 14 مليون سائح في 10 أشهر    في لقاء إعلامي قبل التوجه إلى الغابون : الركراكي يؤكد أن المنتخب الوطني يشهد تنافسية كبيرة وزياش يغيب بسبب ضعف الجاهزية    شاحنات مغربية تصل إلى إسبانيا للمساهمة في إزالة مخلفات "دانا" بفالنسيا    المغاربة يواصلون الاحتجاج ضد الإبادة في غزة ومطالب بتوضيح حكومي حول سفينة متجهة لإسرائيل    لأول مرة.. "حزب الله" يعلن استهداف وزارة الدفاع الإسرائيلية بتل أبيب    تقديم 21 شخصا أمام وكيل الملك بتارودانت على خلفية أحداث شغب مباراة هوارة وأمل تزنيت    المغرب يحتضن المرحلة الأولى من الدوري الإفريقي لكرة السلة    أخنوش يبرز تجربة المغرب في "كوب29"    فيضانات جديدة تجتاح جنوب وشرق إسبانيا    هذا ما قرره وكيل الملك بتارودانت في حق المتورطين في أحداث شغب ملعب هوارة    بعد قطع عملية الإعدام الأولى .. إعدام رجل شنقا "للمرة الثانية"    "ذي غارديان" تتوقف عن نشر محتوياتها على "اكس"    ظاهرة "السليت والعْصِير" أمام المدارس والكلام الساقط.. تترجم حال واقع التعليم بالمغرب! (الجزء2 فيديو)    بمناسبة اليوم العالمي لداء السكري…كيف نقي أنفسنا من داء السكري؟ غزلان لحرش تجيب عبر "رسالة24"    الركراكي يستدعي رضا بلحيان لتعويض أمير ريشاردسون المُصاب        ملف الطالب بدر يعود للمحكمة وهذه تفاصيل أولى الجلسات    صندوق النقد الدولي يشيد ب"التقدم المطرد" الذي يحققه المغرب    الدوري السعودي يضم 7 لاعبين بين أعلى الأفارقة أجرا عالميا ب 2.9 مليون إسترليني أسبوعيا    وليد الركراكي: لن نبكي على أحد.. من يريد تمثيل المغرب عليه بالصبر    حميد زيان ينهي تصوير الشريط التلفزيوني "بنت العم"    فيلم "مورا يوشكاد".. يجوب قاعات السينما المغربية ويكشف مآساة الاستغلال القسري للعمال المغاربة بفرنسا    واقعة الصفعة تحيل الفنان عمرو دياب إلى محكمة الجنح    احتفاء بالمنتخب الوطني للملاكمة بعد احرازه بطولة إفريقيا بكنشاسا    فوز البريطانية سامانثا هارفي بجائزة بوكر الأدبية العريقة للعام 2024    اختبار أول شبكة اتصالات تجمع الذكاء الاصطناعي وتقنية الجيل الخامس    إفريقيا تعتمد اختبار "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    أسعار صرف العملات العالمية مقابل الدرهم .. التحليل الكامل    كابوس النظام الجزائري ماركو روبيو.. المرشح الأبرز لمنصب وزير للخارجية الأمريكية في إدارة ترامب    "أجيال" ينقل الجمهور إلى قطاع غزة    حملة توعية بضرورة الكشف المبكر عن سرطان الرئة    تقارير.. المغرب من أكبر مستوردي الأدوية الروسية في إفريقيا    دراسة: تناول الدهون الصحية يقلل من احتمالات الإصابة بالسرطان    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تسليح المعارضة السّورية: الإفلاس الكبير!
نشر في هسبريس يوم 03 - 03 - 2012

إنّه ابتداء ضرب من الحمق السياسي وتأكيد على خراب العقل الاستراتيجي للمجموعة التي تقود الحرب الدّروس ضدّ سوريا، حيث باتت سوريا قبلة حرب لمن لا حرب له. وتماما كما يقول المثل: "من يجرب المجرّب عقله مخرّب". فلقد فشلت سياستهم تلك في العراق حيث جنّدوا لها خيلا ورجالا من كل حدب وصوب، وسلّحوا فيها الإرهابيين وفعلوا الأفاعيل ولم يغيّر ذلك من الخريطة السياسية شيئا ولا هو حال دون بلوغ المسار الطبيعي للأشياء مبلغه. في العراق وقبلها في أفغانستان لم تكن سياسة التسليح الكيدي للمقاتلين ناجحة.
وهي اليوم واضحة الفشل ما دام المستهدف بها أعلم بطرقها من الملوّح بها. اليوم لا شيء أسهل وأغرى من الإساءة لسوريا. فكلّما دافعت عن أمنها ازداد خصومها حنقا وكلّما تقدّمت في الإصلاحات ازدادوا احتقانا. بالأمس كنّا نذكّر بموقف سوريا الممانع وأهمّيته التّاريخية، ولكنّنا في أكثر من محطّة ومناسبة قلنا لا بدّ أن نعترف بضرورة الإصلاحات ومساعدة سوريا على تخطّي الإصلاحات من دون إضرار بمكتسباتها الوطنية. اليوم بعد أن رأينا سوريا تتغيّر إلى ما لم نكن نظنّ أنها قادرة أن تفعله نظرا لخطر الظرفية غير المشجّعة على الإصلاح، لا مناص من الاعتراف. فسوريا اليوم لا تعرف فقط إصلاحات بل تشهد تغييرا مسّ كما قلنا بنية النّظام نفسه. إنّ سوريا لم تفرّط في موقف الممانعة. بل إنّ تنازل النظام عن البند الثامن يعني أنّ الممانعة بالنّسبة للدولة أهمّ من قيادة حزب للدّولة والمجتمع. أمام هذا الوضع لم تقدم المعارضة شيئا ولا استطاع خصوم سوريا أن يقرؤوا التغيير في الدستور الجديد. إنّنا ندرك أن ما من دستور إلاّ ويتضمّن ما نسمّيه بوحش البنود التي يدور حولها الجدل وتقوم ضدّها الاحتجاجات. وفي الدستور السوري السابق كان البند الثامن محور ذلك الجدل. ولقد تم تعديل هذا البند. مما يعني من منظور دستوري وسياسي أن النظام تغيّر. ليس أسهل اليوم بل ليس أكثر مرغوبية أن يعلن الإنسان بغضه وكراهيته لبشّار الأسد ونعته بكلّ صنوف التّهم. ثمّة مهرجان للهزيمة توزّع فيه النعوت القدحية بوقاحة. لم تعد تجدي هنا الأقنعة. فأفضل ما تتمنّاه النّظم لنفسها بات هو أسوأ ما يزعجهم في سوريا؛ أي القوة والمنعة والصّمود. وقد تناسى كثيرون أن الموقف المبدئي الحقيقي ليس في التطاول على رئيس دولة يقود الممانعة والإصلاحات في بلده وسط ضوضاء إقليمي ودولي مزعج. الأصعب اليوم هو امتلاك قدر من الشجاعة والمروءة لقول كلمة حقّ في رجل أبلى البلاء الحسن من دون ضوضاء. لقد كانت الأحداث الأخيرة فرصة تاريخية مهمّة لسوريا وأيضا لإظهار المعدن الأصيل لبشّار الأسد. لقد أظهرته أسدا حقيقيا لم يخضع لأقوى الضغوط التي تنهدّ بها الدّول. لقد مانع وقاوم وحافظ على سوريا منيعة صامدة أكثر مما يحاول أن يحوّلها مجموعة من الموتورين إلى دولة تافهة على هامش معادلة الشرق الأوسط. في كلّ تحدّي ومع كلّ محاولة للضّغط يقفز الأسد إلى القمّة دون أن يفرّط في مكسب واحد من مكاسب الممانعة. لم يجبن ولم يضعف ولم ينكسر ولم يفرّط في ورقة صغيرة ولم يخضع للصّفقات. وسيكون من المعيب واللاّأخلاقي أن تردّد جموع من الغفل والجهلة شعارا بليدا لطالما تردّد على مسامعنا: أسد على الشعب ونعامة أمام إسرائيل. إن كانت النعامة تستطيع أن تواجه كلّ هذا التّحدي برباطة جأش، فاللّهم ارزقنا قوّة النعامة؟! قالوا يوما: الحمية تغلب الأسد. وكنت أكره هذا المثل وأبحث له عن دليل يدمغه. ومع بشّار انقهرت الحميّة نفسها ولم يعد من معنى للمثل المذكور. فالحمية إن كانت على باطل ولا تملك ذكاء تحوّلت إلى بناة آوى. لقد كانت لحظة تاريخية لكي يظهر الأسد أسديته. فلا أغرب أن الذين نعتوا الأسد لا سيما من رهبان "إشلاميينا" بتلك الصفات، هم اليوم يسكنون في بيت الطّاعة الأمريكي وقد تعمّدوا في الأيباك وأعلنوا ولاءهم الإشلاموقراطي بهزيمة وجبن. يستطيع الأسد اليوم وحده في هذا الربيع الأعرابي أن يقول: لا لواشنطن.هل سمعت لها ركزا في الربيع الأعرابي؟! فطبيعي أن لا يرى الكيديون في زمن الربيع الأعرابي كلّ هذه الصّفات.لأنهم أصيبوا بعمى الألوان وما دامت الثّورة اليوم لعبة وما دامت الديمقراطية خدعة وما دام هذا هو أول هدف يرضي واشنطن وإسرائيل ودول النفط والقاعدة في آن معا ، فهي إذن محور استقطاب كلّ مسوخ الطيف الأيديولوجي والسياسي.
فلقد تشكّلت عصيدة من المواقف اختلط فيها كلّ منفّر. لم ترتفع درجة الحماسة في مؤتمر القدس إلى حدّ حماستهم ضدّ سوريا. بل حتّى حرافيش حكومة الرّبيع الأعرابي و"إشلامييها" الجبناء والانتهازيين طال لسانهم ضدّ دمشق. كنّا ولا زلنا أمام بازار من المواقف المزركشة وعطارين لا يفتئون يستعرضون من صنوف الميتات ومن كلّ ناب ولسان وقرن لا يصلح إلاّ للشعوذة لا للسياسة. فالعرب بعد سوريا لن يكونوا هم العرب بعد خروجها صامدة. وهذا هو منشأ الخوف عند المجموعة النفطية التي تخشى أن يميط الربيع الأعرابي غثرته ليصبح حقا ربيعا عربيا يجتاح البيداء العربية ويعلن التعددية في مدن الصّمت السياسي ويعلن الدستورانية في عوالم الجاهلية السياسية وينقل التجربة السورية في الإصلاحات إلى المجموعة النّفطية وبلسان "عربي نبيل" مبين! الأسد اليوم أكثر شعبية في بلده. بل لقد ازدادت شعبيته بشكل كبير مما منحه مزيدا من القوّة في الموقف. إن شعبية الأسد في تركيا باتت أقوى من أودوغان نفسه. لا يمكن أن نتخيّل سوريين يهتفون بحياة أوردوغان داخل سوريا، لكن قبل فترة رأينا مسيرات داخل تركيا تهتف بحياة بشّار الأسد. من هنا اعتبرنا حديث المرزوقي عن منح الأسد حق اللجوء السياسي في تونس دعوة وقحة وفيها الكثير من التّطاول والتّنكّر للتّاريخ. فهي دعوة سيكشف الزمان عن تفاهتها،لأنها لم تخرج من صميم الثورة التونسية بل خرجت من صميم الثورة المضادة وهي تعبّر عن السياسة القطرية وليس عن السياسة التونسية. هذا في حين كانت المعارضة التونسية تجد ملاذها الآمن في دمشق أكثر من أي بلد آخر: أكبر جالية عربية في دمشق كانت من أبناء تونس في زمن القمع والديكتاتورية.
وكانت دمشق أوّل من استبشر رسميّا خيرا بالثورة التونسية. بينما ابتلع المرزوقي وأبناء راشد الغنوشي ألسنتهم للمطالبة بمحاكمة زين العابدين بنعلي من منفاه الخليجي. ترى من جرّأهم على الأسد وسوريا ومن أخضعهم وزادهم مسكنة تجاه القطر النفطي؟ ما يجهله أو يتجاهله المرزوقي وأمثاله ممن أفقدتهم السلطة صوابهم ونسوا حظّا من الثورة وباتوا بوقا صدئا لكيد الخليج الذي لا يتمتع فيه مواطنوه بحقوق سياسية في الحدّ الأدنى، هو أن شعبية الأسد أكبر من كلّ هؤلاء المتحذلقين. هناك عدد من المحلّلين نعرفهم ونعرف أهدافهم وطبائعهم يتحدثون اليوم عن حقوق الإنسان في سوريا بمخيال كاريكاتيري. وهي عيّنة تعطينا انطباعا عن بؤس الوضعية الإعلامية الطاغية اليوم على المشهد العربي. بكل المقاييس ليس هؤلاء المخادعون هم أكثر إنسانية ولا أكثر غيرة على كرامة الشعوب. فالمتاجرون اليوم في القضية السورية كثيرون. يتحدّث هؤلاء عن الأحداث السّورية كما لو تعلّق الأمر بتحليل نظري وليس انطلاقا من معطيات. وأغلب المعطيات التي يستند إليها هذا السّرب مختلف الغايات والمآرب، هي من قناة الجزيرة وأخواتها أو من فلول المعارضة العدمية الخارجية التي هي أقرب إلى مجموعة من هواة الكاركاتير. يقاطع هؤلاء التلفزيون السوري وحلفاءه بدعوى التّحرّي والتماس الحياد الموضوعي ولكنهم يسلّمون عقولهم إلى إعلام الخصوم. ويتجاهل هؤلاء أنّهم يسلّمون عقولهم لإعلام هو جزء إن لم نقل طليعة الحرب ضدّ سوريا. سيكون من المفارقة أن نبحث عن الموضوعية في إعلام جعل من تحريف الحقائق وسيلة للحرب على سوريا. فهم يسلّمون بإحصائياته وتحليله ويردّدون تلك الحقائق مثلهم مثل عوام النّاس. والغريب هنا أنّ المحلّلين أنفسهم الذين رفضوا كلّ الحقائق التي قيلت عن صدّام حسين والتشكيك في مصادرها وعدم الوثوق في القرارات الأممية، باتوا اليوم يمضون على بياض ويقبلون بكل شيء مسبقا ويضيفون على ذلك أشياء من بناة خيالهم. اجتمعت أضداد السّوء في العدوان على سوريا. وجود القاعدة داخل سوريا أمر بات مكشوفا. والحديث السخيف عن ضرورة دعم المسلحين هو بتعبير آخر دعم للقاعدة داخل سوريا. لقد تغيّرت قواعد اللعبة فكان لا بدّ أن تتغيّر لعبة القاعدة. منذ شهور، كان عدد من أبناء الشعب السّوري قد أستفزّتهم الهجمة الإعلامية ضدّ بلادهم. وهؤلاء لا أحد نقل همومهم ، لأنّ الإعلام المعادي لسوريا مهتمّ بشعب افتراضي آخر وليس بالشعب السّوري في واقعه. وإن كانت الأغلبية السورية التي لا تحترمها قنوات التحريض على ثقة بقدرة الجيش السوري على تفكيك العصابات المسلّحة التي دخلت سوريا منذ اليوم الأول لاستغلال الخرجات الاحتجاجية السّلمية الأولى، فإنّ بعضهم أزعجه سياسة البطء في الحلّ الأمني لا سيما في المناطق التي يعيث فيها المسلّحون فسادا. كان بعضهم يتساءل لم هذا التباطؤ من قبل الأخ الرئيس.. ولم نسمح لمجموعة من المسلّحين يقتلون أبناءنا من الجيش؟ قبل فترة قصيرة كان من الصّعب إقناع الرّأي العام بأنّ نزول الجيش السوري إلى بعض المناطق جاء استجابة لمطالب الأهالي بعد أن وقعوا تحت تحكّم المسلحين والقتل على الهوية. كان الجيش ينزل بعد أن تحتل مجموعات مسلحة تلك المنطقة وتسيطر فيها على الساكنة. بدأ الحديث عن منشقين أفرادا ثم سرعان ما تحدثوا عن منشقين بالجملة بعدها بقليل نفاجأ بعشرات الآلاف من المسلحين سموا بعدها الجيش الحر ثم أخيرا نسمع بوجود عناصر ومسلّحين غير سوريين كانت قطر قد سارعت لنفي مسبق أن يكون من بينهم قطريين. ونحن نصدّق هذا التكذيب الذي جاء من دون اتهام من أحد، ذلك لأنّ الجنود القطريين لن يزهدوا في التواجد داخل سوريا إن هي خضعت للتّدخل الخارجي، لكنهم ليس من عادتهم أن يكونوا فاتحين. لكن حتما هم لا يخفون حلمهم بأن يجدوا أنفسهم يقلبون صفحة سوريا الممانعة من داخل دمشق. سيكون ذلك إن حدث افتراضا استثناء غريب في تاريخ سوريا؛ البلد الذي يعني سقوطه دائما تحوّلا في تاريخ وجغرافيا المنطقة، كما اعتاد أن لا يتمكّن منه إلى حين سوى القوى العظمى في التّاريخ وليس من لا عهد لهم بالحرب. هذا العدد من المسلحين لو كان في بلد غير سوريا لهدّ نظمها. ولم تكن المدة كافية لكي تسمح بأن تطول لحى بعضهم إلى هذا الحدّ. فالجيش في سوريا ليس ملتحيا، فمن أين استنبت هؤلاء لحاهم في ظرف وجيز. الأمر يتعلّق بما لم يعد اليوم يخفى على أحد مثلما أصروا في السّابق على نكرانه. إنهم فلول القاعدة ودعاة إقامة الإمارات وبقايا الأفغان العرب والمستقطبون إلى سوريا قصد الجهاد والانتحار وكثير من الهاربين من العدالة والفارين من الخدمة العسكرية وهؤلاء هم الأغلبية ثم ينظمّ إليهم بعض المغرر بهم وكذا المستفيدين من الدّعم الخارجي والمرتبطين بالاستخبارات الإقليمية والدّولية. هذا قوام الجيش الحرّ الذي ملأ صيته الدنيا وشغل النّاس منذ أصبحت له في إعلام خصوم سوريا وصلات إعلانية.بعد فشل المجموعة النفطية في استدراج التّدخّل الغربي نتيجة الاعتراض الروسي والصيني، وبعد فشل مؤتمر"أعداء سوريا" في تونس في أن يأتي بجديد، وبعد أن لم يعد في جعبة هذه المجموعة ما تضغط به وإحساسها بالإفلاس، أصبحت تتحدّث اليوم عن تسليح المعارضة السورية. الذين يدركون رعونة مثل هذه القرارات من داخل الجامعة العربية عبّروا عن أنّ مواقفهم تتحرّك في إطار قرارات الجامعة وهي لم تقرر دعم المسلحين في سوريا. هذا يعني أن هناك مجموعة إقليمية تتحرّك خارج إطار الجامعة العربية لمزيد من تأزيم الوضع في سوريا. ولم يكن من سياسة الجامعة العربية ومقتضى العمل العربي المشترك تأزيم الأوضاع في دولة عربية عضو في الجامعة، بالأحرى عضو مؤسس. لم يكن همّا لدى المجموعة النفطية داخل الجامعة العربية الحفاظ على مصداقية الجامعة العربية. فلقد سعت قبل ذلك لكي تعزّز من مجموعتها وتوسّع من نفوذها لكي تفرض مشروعها على الجامعة العربية بثقل المعادلة الجديدة. وذلك قبل أن تدرك أنّ المال لا يغيّر العالم بل قد يغيّر ما لا قيمة في تغييره. وكان نبيل الأعرابي قد صرّح هو الآخر بأنّ تسليح المعارضة ليس في أجندة الجامعة العربية. إنّ الخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه دعاة تسليح المعارضة هو أنهم تجاهلوا إمكانات الجيش السوري وخبرته في تدبير هذا النّوع من الأزمات. يتجاهل هؤلاء أنّ الجيش السّوري مدرّب على مواجهة الأعمال التخريبية والانقلابات المسلّحة كما هو خبير في مواجهة الحروب الأهلية. هل ينسى هؤلاء أن سوريا هي من وضع نهاية للحرب الأهلية في لبنان وتعامل مع الوضع اللبناني منذ سنوات بكلّ تعقيداته بما في ذلك الغزو الإسرائيلي للبنان سنة 1982م.
اليوم وقع بابا عمرو في حمص تحت السيطرة الكاملة للجيش السوري. وهذا خطوة صغيرة في مسار الحسم السّوري كما كان يتمنّى أغلب الأهالي السّوريين. وهو أيضا رسالة إلى اللاّعبين بنار التعويل على تسليح المعارضة الخارجية المتواطئة مع المشروع الأمريكي والإسرائيلي القاضيين بالتّدخل في سوريا. لقد تم الاستفتاء على الدستور الجديد. وكانت أغلبية الشّعب قد صوّتت بالإيجاب على التعديل الدستوري. فالمسلحون اليوم يسعون لإقامة إمارات متطرفة في الحارات وبعض الأرياف عبثا. لكنهم لا يطالبون بشيء غير هدم النّظام. إن تسليح المجموعات المقاتلة داخل سوريا فقد مبرره السياسي والأخلاقي. فالإصلاحات بلغت ذروتها في سوريا. ولم يعد هناك سوى حديث الثّأر والعدمية والمشاعر التي تنتمي إلى عصر ما قبل الدّولة وإلى معجم سياسي فارغ لا يمكن تفسيره إلاّ على قواعد المؤامرة. لكن هذا التسليح سوف يحمّل أطرافا كثيرة مسؤولية هذا التّدخّل الخطير في شؤون دولة ذات سيادة. إحدى الآثار الممكن ترتّبها عن مثل هذه المساعي أنّ سوريا ستواجه عمليات تسليح المقاتلين عبر الحدود وما شابه ذلك بالمقاتلات والقوات الجوّية. وهذا يسهّل المأمورية على الجيش السوري. هذه المرّة تجد سوريا نفسها قادرة على المواجهة الاستخباراتية والإلكترونية لأي عمل من هذا القبيل لا سيما وحلفاء سوريا قادرين ومستعدين لتزويدها بإمكانات ومعلومات تفيدها في إفشال عمليات تزويد المسلّحين بالسلاح من الخارج. هذا أيضا يعطي سوريا حقّا إضافيا للمعاملة بالمثل مع الدّول الإقليمية التي ستتورّط في هذا النوع من العمل. سوريا هي الأخرى قادرة على تسليح معارضين في تلك الدّول ونقل الفتنة إلى داخل تلك البلدان. فكرة تسليح المعارضة هي تعبير عن إفلاس سياسي وفقدان للرّشد الاستراتيجي وطلقة فارغة في الهواء. لقد انفضحت اللعبة الإعلامية وأصبحت سوريا في مرحلة الحسم حيث لا زالت كما كانت منذ شهور هي المسيطر على الأزمة وصاحب الرصيد الأكبر في التحكم بالمبادرات. يحقّ لأغلبية الشعب السوري التي تقف اليوم في مواجهة المؤامرة الإقليمية والدولية على سوريا، أن يفخروا بقوة نظامهم وحنكة قيادتهم وصمود جيشهم، وهي للأسف، الميزات التي لا ترضي خصوم سوريا اليوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.