يتردد على مسامع أمة الإسلام يوميا قوله تعالى :" وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا" فهل نقوم بمجهودات من أجل التعارف أم من أجل المجابهة؟. فمعلوم أن التعارف لا يتحقق إلا بالأسفار والسياحة . فهل للمسلم ثقافة السفر والرغبة لاكتشاف العالم الإسلامي ؟ وإن كانت له الرغبة فما المانع من تحقيقهما؟ فبلا شك أن الإنسان -عموما - يتطلع إلى زيارة الأماكن التي يجد راحته فيها أو يكون قد سمع عنها ، متى سمحت له ظروفه بذلك . وسيكون سفره أو جولته السياحية مريحة ومفيدة لو تمت بأحد البلدان الإسلامية يقينا. لأن في أرض الإسلام من المفروض أن يتحقق " السلم والأمان" . فالدين الإسلامي حرم دم المسلم وعرضه وماله على أي مسلم آخر. وهذا مهم جدا ، لأنه يشجع المسلم وغيره على التجوال والأسفار دون خوف . إلا أنه في الأراضي التابعة لغير المسلمين هناك واقع" التأشيرات " وهناك حراسة بحرية دائمة تمنع المغامرين و المتسللين . أما في الأراضي التابعة للمسلمين – فبالمنطق الإيماني- كان من المفروض أن ترفع كل الحواجز بين الدول الإسلامية لتفتح الطريق لهواة المغامرة والأسفار والراغبين في السياحة خارج الوطن. لكن – مع الأسف- هناك بعض السياسات العرجاء وبعض الأخطاء أفسدت كل شيء ، وساهمت في تخريب اللحمة التي كانت تجمع بين المسلمين ، والتي كانت تمكن المسلم قديما من التنقل من الغرب إلى الشرق راجلا أو على دابته كي يحج، فيمر من المغرب إلى الجزائرفتونس فليبيا فمصر فالسعودية وكأنه يمر ببلده وبين أهله . بينما اليوم هناك وسائل جد متطورة تُسهّل السفر والسياحة ، ورغم ذلك لا توجد سياحة تُنشّط الحركة بين الدول الإسلامية ، والسبب هو الخلافات السياسية التي أدت إلى إغلاق الحدود ، مثلا-بين المغرب والجزائر، وبين الجزائر وليبيا وبين ليبيا وتونس وبين ليبيا ومصر وبين مصر وغزة وهكذا.. فأصبحت شعوب الدول الإسلامية سجينة داخل وطنها . فلا الجزائري يستطيع زيارة المغرب والتمتع بجمال طبيعته ، ولا المغربي يلقى تسهيلات واهتمام لزيارة الجزائر أو ليبيا أو تونس أو غيرها من البلدان الإسلامية لقضاء العطلة هناك . لقد أصبحت السياسة تشكل عائقا أمام تطور السياحة وتعارف الشعوب. والسؤال هل المعيقات السياسية وحدها تقف حجرة عثرة أمام الراغبين في زيارة البلدان الإسلامية أم هناك عوامل أخرى لا تُشجع الراغب في السفر وفي السياحة ؟ فبقراءة سريعة لما يُنشر يوميا في الصحف والجرائد يبرز العامل الأمني الذي يشغل بال السلطات في كل البلدان الإسلامية والتي تتخوف كثيرا من مافيات ترويج السلاح والمخدرات والبضائع المهربة وغيرها . ونجد نفس العامل يشغل كذلك بال السائح الذي له تخوفات من أن يتعرض لسرقة أو عنف أو اغتصاب أو قتل أو اختطاف في أي بلدة أو بلد وفي أي لحظة بعيدا عن أعين رجال الأمن. وبما أن قيمة المواطن عند بعض الدول لا تعني الشيء الكثير ، فالسائح المسلم يحترز ويحسب ألف حساب قبل الإقدام على أي خطة سياحية . فهو يعلم – انطلاقا من أحداث معينة- أن دولته لن تقيم العالم ولن تقعده في حالة تعرض أحد مواطنيها للاحتجاز أو الاختطاف أو التعذيب ، ولن ترافع عنه كما تفعل الدول الغربية مع مواطنيها حينما يتعرضون للأذى في أي دولة عبر العالم . فلا ننسى ما قامت به اسبانيا و فرنسا و أمريكا اتجاه رعياها لما تعرضوا للاختطاف. حيث استنفرت -كل منها - كل المصالح الوطنية والدولية من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه . وأدى بها الأمر إلى تقديم فديات من أجل تحرير مواطنيها . فهل أي دولة مسلمة مستعدة لفعل ذلك ؟ أمر آخر ، أن السائح المسلم داخل الأرض الإسلامية لا يلقى نفس الاهتمام والعناية التي يلقاها السائح الغربي- مثلا - من طرف الشعوب أو من طرف السلطات في بلده أو خارجه . فمجرد وقوع حادث لسائح مسلم ولو في بلده ، يبقى هذا السائح ينتظر ساعات طوال من ينقذه ، بينما تهب السلطات وطائرات الهيلكوبتر لإنقاذ الضحايا الغربيين و لتقديم الخدمة لهم. مثل هذه الأمور لا تشجع الشباب المسلم على المغامرة الايجابية . فالأوروبيون يتعاطون للمغامرة الأسفار والسياحة بأعداد كثيرة عبر العالم لأنهم يحسون بأن الحماية متوفرة لهم داخل وطنهم ، ونفس الحماية متوفرة لهم كذلك خارج الوطن عن طريق السفارات والقنصليات . فبإمكان السفارات والقنصليات الغربية تقديم أي خدمة للمواطن الغربي وكل التسهيلات له بمجرد طلبها . فهل سفاراتنا وقنصلياتنا مستعدة للعب نفس الدور وبنفس الحماس ؟. يقول شاب(عربي) وقع له حادث في الثمانينات :" سُرق مني جواز سفري والمال الذي كان معي ، فاتجهت نحو سفارة بلدي طالبا المساعدة ، فما كان من سعادة السفير إلا أن أسمعني كل أشكال الكلام " المباح والغير المباح" ،بعض معناه : (أش جابك لهذ البلاد وأنت غير قادر تحمي نفسك ؟ آش بغيتي تعملك السفارة ؟ تعطيك الدورو باش ترجع؟. فخرجت (يقول الشاب) وقدمت نفسي للشرطة "كي تحميني "وعسى أن تُرجعني إلى بلدي" . فالخوف من عدم المساندة يقتل روح المبادرة والمغامرة في الشباب. فلا يجب أن ننسى علاقة المغامرة (كتربية) مع المغامرة في ميدان الأعمال . فأغلبية أغنياء الوطن الإسلامي غير مغامرين (سياحيا) وبالتالي عاجزين عن خوض أي مغامرة في مجال المال والأعمال، فهم غالبا ما يستعينون بخبراء خاضوا التجربة. وإلى أن تصبح المغامرة السياحية (المحسوبة بالطبع) ثقافة اجتماعية في العالم الإسلامي وكما هي في الغرب ستبقى السياحة الداخلية والسفر نحو دول إسلامية أخرى ضعيفان . وبذلك لن يساهما في إيرادات مالية تدعم خزانة الدول ولا في إيجاد فرص عمل للشباب. وسيبقى الإنسان في العالم الإسلامي حبيس جغرافيته لا يستفيد من وقته في أماكن جديدة، قد تساهم دون شك في تغيير مجرى حياته إلى الأحسن. ويبقى من المفارقات ألا يتعاطى الشباب المغربي بالخصوص للمغامرة السياحية أسوة بأول مغامر سياحي مغربي "ابن بطوطة" الذي زار العديد من الدول عبر العالم . وتعرف على ثقافتها وأسيادها وطبيعة أرضها وتقاليد شعوبها وهو ابن 21 سنة . إذ استغرقت رحلاته على ثلاث مراحل 30 سنة ، فلقبته جامعة كامبردج " بأمير الرحالة المسلمين الوطنيين". والسؤال لماذا لا يُستغل تراث هذا الرحالة المغربي في خلق مشروع ابن بطوطة للأسفار والسياحة داخل الوطن أو داخل العالم الإسلامي، لخلق ديناميكية سياحية وثقافية تستفيد منها الدول وكذلك يستفيد منها السائح ؟. فابن بطوطة لا يستحق فقط قبرا وسط مراكش القديمة ، وإنما "معلمة" أو "متحف " وفي مكان يليق بالشخصية ابن بطوطة ليكون زاوية المغامرين السياحيين عبر العالم " يُذكّر بانفتاح المغاربة على العالم . فابن بطوطة زار مقديشو الصومالية ووصفها خير الوصف ، وزار الهند واشتغل بالقضاء هناك لمدة سنتين ثم زار الصين واشتغل بالقضاء لمدة سنة ونصف . أفلا يصلح إنجاز ابن بطوطة لتعزيز التبادل السياحي والثقافي بين هذين البلدين أو غيرهما ؟ فعدد السياح الصينيين الذين يقصدون الولاياتالمتحدة بالآلاف وهم في تزايد مضطرد ويصرف كل صيني 6800دولار حسب لجنة السفر والسياحة بكاليفورنيا. فالسياحة صناعة إذن ، ومحرك ورافعة اقتصادية وهي كذلك آلية للتقريب بين الشعوب وبالتالي التقريب بين الأنظمة في العالم الإسلامي بالخصوص . ومن خلالها يمكن فتح العديد من الاوراش السياسية والثقافية والاقتصادية التي ستعود في الأول والأخير بالخير على الإنسان . وهي تتطلب تبادل الجهود بين كافة الفاعلين في الميدان وبين كافة السلطات لإعطاء السائح نوعا من الثقة بالنفس ، والاطمئنان على حياته أولا ثم على زاده ومتاعه وعرضه . فلا يمكن لهذا المشروع أن ينجح سواء مع المسلمين أو الغربيين في ظل الفوضى والتقاتل والاختطاف والاغتصاب والعنف وهلم جرا..فالسائح (سهل ممتنع ) يبحث عن الدفء وليس عن الصراع ولا عن الأخطار . من أجل ذلك لابد من منحه مجموعة من الضمانات القانونية والأمنية وبالسرعة والكفاءة المطلوبتان لكسبه كزبون . فأحداث تونس و مصر في الفترة الأخيرة كانت وراء تغيير السياح وجهتهم السياحية . من أجل ذلك أصبح لزاما على السياسيين من أحزاب وجمعيات حقوقية التفكير في مصير السياحة وفي الأضرار التي قد تلحق بها من جراء القلاقل المفتعلة والمظاهرات التي لا طائلة منها سوى خدمة أجندة " ناس " لهم أهداف جد خاصة . هم لا يستحضرون في لحظة " النوبة السياسية" ما تقدمه السياحة للبلد كرافعة اقتصادية ، وما تساهم به من جهود في خلق فرص عمل لآلاف الشباب .