على الرغم من الاحتجاجات التي أعقبت الإعلان عن تكريم الراحل أحمد بن بلة فإن أصحاب هذه المبادرة أصروا على تجاهل الاحتجاج و نظموها يوم 6 يوليوز بالرباط بمسرح محمد الخامس. وهكذا تناوبت شخصيات مغربية من الحقل السياسي لتذكر بمناقب الفقيد وخصاله، فعلمنا من هؤلاء المختصين في لغة الخشب أنه كرس جهوده لتحقيق حلم المغرب الكبير. ومن لم يستسغ هذا الخبر الغريب فليعد إلى شريط التظاهرة على موقع يوتوب ليقطع الشك باليقين. كيف نجرأ الإقرار أن بن بلة كان يسعى لبناء المغرب الكبير و أنه كان من مساندي المغرب؟ ربما التفسير الوحيد لهذا التخريف هو السن المتقدم لأصحاب تلك الخطب الرنانة و تمكن أعراض الشيخوخة من بعضهم. وإلا كيف نصدق أن هذا الرئيس الذي حكم الجزائر لفترة وجيزة كان صديقا للمغرب وهو الذي ما أن تسلم السلطة حتى تنكر للمعاهدة التي كانت قد وقعت عليها من قبلُ الحكومة المؤقتة الجزائرية مع المغرب ورفض أن يعيد للمغرب الأراضي التي اقتطعتها منه فرنسا وضمتها للجزائر؟ هل خانتهم الذاكرة لهذا الحد ونسوا أنه سنة 1963 أعلن حرب الرمال على المغرب مهاجما مواقع مغربية غير متنازع عليها؟ تلك الحرب التي انتهت بهزيمة الجزائر فنتج عنها كم هائل من الحقد لدى النخبة العسكرية الجزائرية لازالت تجترها إلى اليوم قاطعة الطريق على بناء المغرب الكبير. يكفي أن يصغي المرء قليلا لينتبه أن جدران مسرح محمد الخامس التي شهدت على تلك الكلمات التأبينية البعيدة عن الواقع، لا زالت تردد صدى احتضار المغاربة الذين ماتوا خلال تلك الحرب وآلام الأرامل والأيتام الذين خلفوا وراءهم. دون أن ننسى مآسي مئات الآلاف من المغاربة القاطنين بالجزائر والذين طردتهم السلطة الجزائرية سنة 1975 غداة عيد الأضحى بعد أن جردتهم من ممتلكاتهم، ثم بعد ذلك مآسي آلاف الأسر من البلدين، التي تقطن بالمناطق الحدودية، والتي لا يستطيع أبناءها منذ إغلاق تلك الحدود سنة 1994 حتى التنقل لحضور مراسيم دفن آبائهم أو أمهاتهم. جل هذه المآسي هي نتيجة لهزيمة الجزائر أمام المغرب في حرب الرمال التي أشعل شرارتها هذا الرجل الذي يجند لتكريمه. إذا كان بعض أصدقاء بن بلة قد استفادوا من سخاءه خلال فترة منفاهم السياسي، فلا بأس أن يعبروا عن حزنهم في دوائرهم الخاصة. أما أن يفرضوا علينا تكريما في مكان عمومي متجاهلين كل تلك المآسي، فهذا هو الاستفزاز. على هؤلاء المكرِّمين، رغم عمرهم المتقدم أن لا ينسوا أن تلك المآسي ستبقى مسطرة بأحرف من الدموع والدم في ذاكرة السكان الذين اكتووا بنارها، وستبقى ذكرى تلك المظالم كما سبق وأشرنا له في مقال سابق تتناقلها الأجيال إلى أن يحدث تصالح جاد و مسؤول بين المغرب والجزائر. بن بلة رجل يسعى لبناء المغرب الكبير! يا لها من مزحة. و لكنها ليست غريبة، طالما أن أصحابها عندما تحملوا مسؤولية الشأن العام بالمغرب تميزوا بالقطيعة التامة مع الواقع المغربي، فلن يذكر لهم التاريخ إلا خاصية الصمم السياسي. ذلك أن الشيخوخة وحدها لا تغفر لصاحبها كل التجاوزات. الله يعطينا وجهكم!