رغم أن الاتحاد الدولي لكرة القدم، سمح رسميا يوم الخميس الماضي وبالإجماع، لأي لاعبة أن ترتدي الحجاب أثناء لعب المباريات الودية والرسمية على الصعيد الدولي، بعدما كان هذا الأمر ممنوعا داخل الملاعب، وينضاف هذا القرار إلى رياضات أخرى، مثل الروغبي والتايكوندو التي سبقت إلى السماح للاعبات بارتداء الحجاب، إلا أن فرنسا الحرية وفرنسا الأنوار، ممثلة في اتحادها الوطني لكرة القدم، أكد في بيان رسمي له، أنه لن يسمح بتطبيق القرار ضمن منتخبه الوطني أو في البطولات المحلية، وقد أشهرت فرنسا بهذا الصدد ورقة الخصوصية والاستثناء متذرعة بحرصها على احترام المبادئ الدستورية والتشريعية للعلمانية السائدة في البلاد، إلى جانب ذلك، عبر حزب الجبهة الفرنسي واليميني المتطرف، عن رفضه للقرار وقال بأن الإجراء سيفتح الباب أمام التطرف. القرار وتفاعلاته يحمل مرة أخرى العديد من الإشارات التي من الضروري التوقف عندها: أولا: على الرغم من كون "الفيفا" مؤسسة دولية تعد قراراتها ملزمة للاتحادات المحلية، فإن فرنسا الحرية والأنوار والتعايش تشهر اليوم ورقة الخصوصية والقوانين المحلية والهوية العلمانية للدولة الفرنسية في وجه الاتحاد الدولي، ضد إجراء لا يتجاوز وضع قطعة ثوب على الرأس وفيه من الحق والحرية للأفراد ما لا يطعن في أحقيته، كما أنه قرار لا يمس ولا يضر المجتمع الفرنسي في شيء، خاصة بعد أن أعدت "الفيفا" دراسة تهم الجوانب الطبية المحتلمة لاستعمال اللاعبات للحجاب بالملاعب منذ سنة من تسلمها رسميا طلب السماح لهن باللعب بالحجاب. ثانيا: يحدث هذا من طرف فرنسا في الوقت الذي تثار فيه الحروب المباشرة أو بالوكالة الإعلامية أو الحقوقية أو الفنية بالمغرب، كلما نادى الإسلاميون والقوى الوطنية والديمقراطية بموضوع الخصوصية القانونية والهوياتية والثقافية والقيمية الذي تكفله المواثيق الدولية نفسها، وذلك وفي قضايا حساسة واستراتيجية بالنسبة للمجتمعات الإسلامية وتمس أمن واستقرار المجتمع، ومنها موضوع الحرية الجنسية وحرية تملك الجسد. إن الموقف الفرنسي وبغض النظر عن الاختلاف معه فهو يوجه صفعة قوية للأبواق المأجورة بالمغرب، التي تدعي الذود والغيرة عن المواثيق الدولية، وتجعل من النموذج الفرنسي مثالا لها. كما يطرح سؤالا عريضا حول تضخيم خطاب المواثيق الدولية وانتهاج سياسة الكيل بمكيالين في التعاطي مع الموضوع، كلما تعلق الأمر بدول العالم العربي والإسلامي، مما يكرس منطق الهيمنة والتبعية حتى في القضايا ذات الصلة بالحقوق والحريات. ثالثا: إن الموقف الذي عبر عنه حزب الجبهة الفرنسي اليميني المتطرف، يعد خطابا واضحا لإذكاء الحقد والكراهية واتهام الدين الإسلامي بالتطرف، ويدفع في اتجاه نسف ما بني من مشترك ومن مساحات تعايش بين الشعوب والحضارات، كما أن الخطاب يشكل تهديدا واضحا للمسلمات بفرنسا، وخاصة الجاليات المسلمة ومنها المغربية بالنظر إلى نعت الحجاب ومرتدياته بالتطرف. بهذا القرار، تكون "الفيفا" قد وضعت حدا لأحد أوجه الحيف والتعدي على حقوق وحريات المسلمات مورست لعقود في حقهن، في انتظار إنصاف كامل لمن اختارت ارتداء الحجاب في كل العالم.