في تقرير أمريكي، لم تؤكد معطياته أي جهة مغربية إلى الآن، دعا بن كيران إلى اجتماع للمجلس الأعلى للأمن ( مجلس الأمن القومي ) من أجل مناقشة تطورات الوضع بعد أزمة " روس " مع أمريكا، واتهام تقارير أمنية، في وقت سابق بتجسس المغرب، على الأقل، ولمرة واحدة على المينورسو ( بعثة الأممالمتحدة إلى الصحراء ) واستعدادات " عملانية " للبوليساريو في الأراضي العازلة، خصوصا في " بئر لحلو " لم يندد بها المغرب كما ندد سابقا بأحداث تفاريتي، وهدد وقتها، بعملية عسكرية ضد الإجراءات الأحادية والخارقة لاتفاق وقف إطلاق النار. وفي حقيقة الأمر، إن لم يكن اجتماع المجلس الأعلى للأمن في هذا الظرف، فمتى يكون خصوصا بعد إعادة النظر في لفظ المادة السابعة المثيرة للجدل بخصوص حصانة العسكريين في مشروع القانون 01/12. ورسالة القصر واضحة منذ أشهر، وتتضمن مناقشة أول مشروع قانون في حكومة بن كيران حول حصانة العسكريين، خارج المجلس الأعلى للأمن، وبعد ساعات من تعيين علي الهمة مستشارا للملك، رفض الجنرالات حضور الهمة هذا المجلس حسب معلومات فرنسية فرد المستشار بتسليم ما يريده العسكريون أي الحصانة بعيدا عن المجلس المذكور. واليوم، وضعية المجلس الأعلى للأمن في حالة " جمود "، كي لا يتمكن القرار الأمني من وضع نفسه تحت أي رقابة مدنية، تشمل مستشاري الملك، ويعيش كل " مستشار أمني " في القصر تحت ضغوط " شديدة " من جانب حماية شخص الملك بعد تحديات صنعها اختراق " أفراد " للقصور، وضغوط أخرى خلقتها حالة الجمود في العلاقات الأمريكية المغربية، وتأثيرها على تطور العمل الأمني المشترك، ونعرف أن خطة المديوري الذي ورث الجنرال مولاي حفيظ العلوي عادت للعمل، كما عاد جزء من خطط الدليمي في وريثه بناني للاشتغال في الصحراء بعد الأزمة الأخيرة مع أمريكا. وتزيد واشنطن الضغوط على المغرب، إلى جانب بان كي مون الذي رفض اقتراح أي إسم غير كريستوفر روس، وأن الدعوة إلى جلسة لمجلس الأمن ستكون قريبة، إن لم تقرر مجموعة " أصدقاء الصحراء " عقد قمة لها بعد الصيف. قد يكون للتقارير الأجنبية طابع الضغط ضد المملكة بعد تسرع الرباط في خطوتها ضد روس، لأن جزءا من الخطة قضى بوضع المملكة في عهد بن كيران والإسلاميين في مواجهة أمريكا والغرب، من خلال أزمة روس في الصحراء وأزمة اقتصادية مع المؤسسات الدولية، يعاد فيها تدوير الأوراق لإسقاط الحكومة الحالية ... وهذا السيناريو ملغوم ومباشر ضد بن كيران، وفي حال بقاء رئاسة الحكومة الحالية، وعدم رغبة حزب العدالة والتنمية في أي تصعيد، تفكر هذه المؤسسات في خطة من ثلاث مراحل: أولا، دستور الفاتح من يوليوز يعطيها نهاية للمرحلة الانتقالية في 2016 بعد إنجاز 40 في المائة من القوانين المنظمة للجهات والإضراب ... وغيرها. ويشكل تركيز المرحلة الانتقالية الثانية على عمل البرلمان، بعد التصويت على الدستور وتعيين رئاسة الحكومة من الحزب الأول في الانتخابات التشريعية، خطوة تشبه رؤية مصر بعد حل البرلمان نحو برلمان ثان، لسرعة تصويته على القوانين، وخوف الجميع من " أسلمة " الدولة، فأخذ المجلس الأعلى للقوات المسلحة مكان البرلمان. وفي حالة المغرب، قرر الدستور إبقاء المرحلة الانتقالية مفتوحة إلى 2016، في ثورة مضادة تعيد إنتاج خارطة القوى الموجوة. ويظهر أن المرحلة الأولى مكشوفة في مسار الثورة المضادة، لا تتحول فيها مصر إلى جمهورية ثانية تقطع مع الجمهورية الأولى، ويعرقل أنصار الثورة المضادة في المغرب من خلال المدة المفتوحة إلى 2016 واقتراح حكم ذاتي في الصحراء، ودستور فاتح من يوليوز إما أن يذهب بنا إلى ملكية ثانية أو إلى الكارثة. ثانيا، إبعاد الإسلاميين عن أي دور أمني، وإقصاء رئيس الحكومة عن أي رقابة له أو لحزبه على أي جهاز أو استراتيجية أمنية، ويصبح إقصاء البرلمان من أي رقابة على الجيش والأجهزة الاستعلامية، هو الثابت الثاني في هذه الخطة. ثالثا، تجميد مؤسسات التنسيق الأمني ودفعها إلى " الشلل "، وفي هذا الإطار يحاول الأمني " عدم دمقرطة " مجاله، والذهاب بعيدا في إدارة الوضع من خلال الصراع و" التنافس " بين الأجهزة، وليس عبر مجلس أعلى للأمن يشارك فيه المربع القوي: الجيش، الاستخبارات، الملك ورئيس الحكومة، لأن ما يريده، المدافعون عن الهندسة القديمة للأمن، تحسين الوضع الديمقراطي وليس الذهاب بعيدا في مسلسل الإصلاحات. ويجد المراقب أن الخطة " الممنهجة " في الثورات المضادة، تطبق تماما في المغرب، لحمل دستور محمد السادس ممارسات المرحوم الحسن الثاني، خصوصا على أساس: توازن المؤسسات الأمنية وتنافسها، فلا يكون القرار الأمني واحدا ودولاتيا، وقابلا للمراقبة. تعدد المؤسسات الاستخبارية. وللخروج من هذه الوضعية ولعلاج الأزمة السياسية المركبة من وجود إصلاحيين في موقع القرار وثورة مضادة يجب: أولا، الخروج من حالة الاستقطاب الظاهر والمستتر بين عبد الإله بن كيران رئيسا للحكومة، وعلي الهمة ممثلا قويا لمصالح القصر. ثانيا، الصراع بين فئات المحافظين، لأن بن كيران أو رئيس الحكومة الحالية أو السابقة ينتمون إلى فئة واحدة، فكرية وروحية مع اختلافات في زاوية النظر. فالحكومة السابقة رأسها ممثل للمحافظين التقليديين وخلفه بن كيران عن المحافظين المتدينين وفي المرحلتين حكم المشهد علي الهمة من المحافظين الجدد من خلال حزب " الدولة " أو تمثيل القصر. واللعبة استمرت في انتقال " دستوري " من عباس الفاسي إلى بن كيران، وفي انتقال للمواقع، وفي كل الأحوال، لن يتمكن المغرب من " تجريب الهمة " في الحكومة، لأنه اليوم مستشار الملك. وستبقى هذه العقدة قائمة إلى حد بعيد، ما دام الوضع بهذا السوء. وللتاريخ، لو رأس الهمة الحكومة قبل الربيع لدفعنا الثمن كتونس أو مصر، واليوم يدار الوضع في المغرب على أساس ثورة يقودها بن كيران وثورة مضادة يديرها الهمة، وهذا التشويه للحقائق يصنع زيفا في الواقع، فليس وصول حزب العدالة والتنمية من إرث عبد الكريم الخطيب إلى حكومة إئتلافية بالثورة، ولا الثورة المضادة ضد بن كيران بالشئ الهام. والصادم أن الحسن الثاني قبل بالتناوب وتسليم الوزارة الأولى للإسلاميين منذ تسعينات القرن الماضي، في نصيحة مفتوحة لجنرالات الجزائر، وقد أدمجت المؤسسة العسكرية جزءا من هؤلاء المتدينين في حكومتها، وقد قال محفوظ نحناح: عندما أخذنا جميعا بنصيحة ملك المغرب، خف التوتر. عندما ذهبت الأمور بعد الربيع العربي نحو حكومة لبن كيران، أصبح من الطبيعي قبول نتيجة عادية، وعدم إعطاء وجه آخر لثورة مضادة تناهض من الأساس إصلاحات خفيفة ( لايت ) بكل ما تحمل الكلمة من معنى. إن فرض مرحلة انتقالية ثالثة بعد 2016 هو السر الذي يحيط بالمحافظين " الأمنيين " وغيرهم من أنصار الاستقرار، بعد مرحلة أولى من وفاة الحسن الثاني إلى خطاب 9 مارس 2011، والثانية إلى 2016 نهاية هيكلة كل القوانين. ونعتقد أن إرساء أسس متينة لفترة ما بعد 2016 يتطلب من الفاعلين السياسيين والأمنيين القيام بما كان ينبغي أن يقوم به البرلمان الحالي، لأن تعطيل حكومة بن كيران والأغلبية قد يربح معه النظام مزيدا من الوقت، ولكنه قد يخسر كل شئ، إن تطورت الأزمة إلى آفاق غير محسوبة. والتوصل إلى اتفاق حول حزمة مشاريع القوانين في 2012 بين كل الفاعلين سيكون له مفعول على الاستقرار بما يفضي إلى انتقال جدي، لا نكون فيه كمن يخرج من مرحلة انتقال إلى أخرى في حالة " تبئير " ممنهج يعيد إنتاج المرحلة لا أكثر ولا أقل. ما كان للأوضاع أن تأخذ هذا المنحى، لو لم يعتبر وصول بن كيران إلى الحكومة " ثورة " ولا اعتبر الهمة وغيره أن النظام يحتاج إلى ثورة مضادة. وفي الحالتين نقرأ نجاح المغرب الدائم في إدارة عملية انتقالية تعطي مرحلة انتقالية أخرى، وقد حكم بحكومة مؤقتة تدوم، حيث يتسم الوضع بافتقارنا إلى البوصلة لتحديد الاتجاه العام والهدف النهائي، لكن على صعيد النظام تبقى أن الغاية هي إبقاء خارطة القوى الحالية كما هي. في الأونة الأخيرة اشتد الخلاف بين الأطراف إلى حدود وضع معها الجميع أسئلة فارقة: من يريد إظهار الإصلاحات خطرا على أمن الدولة ؟ من يقامر على جعل العلاقات الفرنسية المغربية غير استراتيجية فقط، بل وجودية لمراكز معينة، رغم أن هولاند يخدم بلاده خارج هذه الاعتبارات. من يريد أن يوقف ويجمد العمل بالمجلس الأعلى للأمن، كي يكون مجرد بند غير مفعل. من يعطي الأمر الملكي، التوازني والتحكيمي، بعدا أيديولوجيا. إن الإجابة عن هذه الأسئلة سيكشف إلى أي حد نعيش أزمة مفتعلة، ومضادة ضد إصلاحات " خفيفة "، لأن الخوف من تمكين بن كيران والشعب من المطالبة بالتقدم مادة قائمة، وعدم السماح لمرحلتنا الانتقالية إلى 2016 أن تعود إلى نقطة الصفر عمل استراتيجي للإصلاحات. إذا بقيت الأمور على ما هي عليه ستتصاعد احتمالية هيمنة المنافسة والتنازع بين المؤسسات الرسمية المغربية، إلى جانب تنازع المفاهيم والصلاحيات التي ترغب في إبقاء ثوابت الوضع الدستوري ل 1962 في ممارسات الدولة بعد وثيقة الفاتح من يوليوز. وللعلم، لا تقتصر الثورة المضادة على إعادة إنتاج ميزان القوى الموجود في مشاريع القوانين الجديدة، وباسم التغيير والإصلاح، بل أيضا على إضعاف موقع رئيس الحكومة ليكون الانتقال لفظيا من الوزارة الأولى إلى رئاسة الحكومة، في ظروف أزمة اقتصادية خانقة وبالنظر إلى سلوك الكثير من الأطراف، فمن الصعب أن يثق المواطن المغربي بهم عشية 2016، لأن القضية ستحمل إما تواطؤا على النجاح أو توجها رأسيا إلى فشل الكل، قد يبدأ اقتصاديا مع أكتوبر القادم وينتهي سياسيا كلما تقدمت عرقلة الإصلاحات. " الانقلاب الناعم " على دستور فاتح يوليوز هو الجزء الصلب والقاسي في المعادلة التي نعيشها، وعلى بن كيران أن ينسحب من اللعبة، أو يفكر في جمع الإصلاحيين في مقابل الآخرين لتمكينه من حسم المعركة. ما يجري من حرق الأوراق، وصل حدا طالب فيه حزب العدالة والتنمية بضرورة فك الارتباط بين مزوار والأجهزة التي تدعمه بأي ثمن، وإعلان نهاية رئيس حكومة الظل بهذه الطريقة أدهشت القصر، وقرر الملك وقف " حرب الوثائق " و " حرب الملفات الشخصية "، بمعنى إخراج الأجهزة الاستخبارية من اللعب بشكل كامل. وهذا التطور له ما بعده، إما نحو المصالحة وفرز الأولويات في اتفاق بين الهمة باسم القصر وبن كيران باسم الأغلبية الحكومية مع وقف التكاذب السياسي ولعبة القط والفأر، وإما نحو اصطراع " مدروس " لإبقاء رئيس الحكومة وزيرا أولا مكررا لما سبق، وباقي ميزان القوى كما هو، لكن أي مفاجأة، قد تجعل " الثورة ممكنة ليس على الريال "، بل على مستقبل العيال ...