في البداية اسمحوا لي قراء جريدة هيسبريس الأفاضل أن أعبر لكم عن مدى شكري وامتناني لتضامنكم الرائع مع مبادرتي المتواضعة التي حاولت من خلالها أن أقوم بشيء ولو بسيط لاسترداد كرامة المغاربة التي يحاول البعض تمريغها في التراب. واسمحوا لي أن أقول لكم بأني مغربي حتى النخاع مثلكم، أغير لما تغارون، وأحزن كما تحزنون، وأفرح بما تفرحون، لذا لم أستطع من موقعي كحقوقي أن أقف ساكتا أمام عصابة المرتزقة التي ما فتئت تسيء لنا جميعا كمجتمع وأمة وحضارة، وذلك منذ بداية عهد الدولة الجديد. إنها نفس العصابة التي باعت حقوق المرأة المغربية وخصوصياتها وقيمها في مزادات المنظمات النسائية الدولية، وأطلت علينا بخطة إدماج المرأة في التنمية، لولا ألطاف الله بالوطن والتدخل الحكيم لمؤسسة إمارة المؤمنين. إنها نفس الأقلام التي استغلت أحداث إرهابية قام بها مجرمون قتلة لتصب جام غضبها على ديننا الإسلامي الحنيف وعلى كل المؤسسات المتحدثة باسمه، حتى أصبح الفقيه الجليل غريبا في وطنه، خائفا بين أهله وعشيرته. إنها نفس الأصوات التي خرجت مدافعة عن الحق في الإفطار العلني، والحق في ممارسة الشذوذ الجنسي. إنها نفس الوجوه التي خرجت متزعمة حركة العشرين من فبراير، مطالبة بإسقاط الأخلاق والدين والقيم والتاريخ والحضارة والمؤسسات، وحالمة بدولة نعيش فيها كالحيوانات بلا قانون ولا ضوابط ولا حدود، دولة يسودها الفساد وكل أصناف الرذيلة. وها هي نفس العصابة والأقلام والأصوات والوجوه تتوحد من أجل دعوة المغاربة إلى البغاء والانحلال الأخلاقي و "التحرر" من قيمهم وحضارتهم وتاريخهم وتعاليم دينهم وقوانينهم التي ارتضوها منذ آلاف السنين. إنه لمن المؤسف أن نرى ما بلغت إليه الحركة الحقوقية بالمغرب من إسفاف ودناءة وانحطاط وعمالة مفضوحة لجهات أجنبية، بعد أن كانت في طليعة المدافعين عن العمال والصيادين والفلاحين والفقراء من أبناء هذا الشعب العظيم. إنه لمن المخجل أن نرى مغاربة مثلنا استنشقوا هواء هذا الوطن معنا، ويعيشون تحت سمائه بيننا، لكنهم في كل مرة يطعنوننا في ظهورنا وكأننا أعداء لهم، خدمة لمصالح إستعمارية تسعى لأن تجعل من المغرب نموذجا في الانفتاح والحداثة أي بالمعنى الحقيقي نموذجا في الانحطاط الأخلاقي والابتعاد عن تلك القيم والمبادئ التي تأسست عليها الأمة المغربية منذ آلاف السنين، ليكون بذلك فأر تجارب لباقي الدول العربية والإسلامية. هل يعلم مرتزقة الحرية أن المادة 29 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص في فقرتها الثانية على أن الفرد يخضع في ممارسته حقوقه وحرياته لتلك القيود التي يقررها القانون، لضمان الاعتراف بحقوق الغير وحرياته واحترامها ولتحقيق المقتضيات العادلة للنظام العام والمصلحة العامة والأخلاق في مجتمع ديمقراطي. هل يعلم مرتزقة الحرية بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان قد جعل من الزواج النظام الوحيد لتكوين الأسرة بين الرجل والمرأة وذلك بنص المادة 16 منه. هل يعلم مرتزقة الحرية بأن الدستور الذي صوت عليه المغاربة ينص في فصله 19 على أن الرجل والمرأة يتمتع على قدم المساواة بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، كما وردت في الدستور والإتفاقيات والمواثيق الدولية، كما صادق عليها المغرب، وكل ذلك في نطاق أحكام الدستور وثوابت المملكة وقوانينها. هل يعلم مرتزقة الحرية بأن دستور المغاربة ينص في فصله 32 على أن الأسرة القائمة على علاقة الزواج الشرعي هي الخلية الأساسية للمجتمع. هل يعلم مرتزقة الحرية بأن في أوروبا يمنع على الصحفيين الإشادة بالنظام النازي أو التشكيك في مذبحة الهولوكوست أو التعرض لليهود بالإهانة أو السخرية، سواء عبر الإعلام المرئي أو المكتوب تحت طائلة المعاقبة بجريمة معاداة السامية، ألا يعتبر هذا حدا من حرية التعبير إذا ما سايرنا منطق منظري الحداثة في المغرب، والذي بلغ به الجهل والتخلف درجة لم يعد فيها يفرق بين حرية التعبير، واحترام القوانين التي تضعها المجتمعات لنفسها حماية لها من نظام عنصري أو جرائم تهدد سلامتها. أليس من الواجب على مرتزقة الحرية أن يناضلوا من أجل حرية المحتجزين المغاربية بتيندوف والذين يعانون يوميا من أبشع صنوف التعذيب والتنكيل، ويعيشون في ظروف أقل ما يقال عنها أنها غير آدمية. أليس من المفروض على دعاة حقوق الإنسان أن يسلطوا الضوء على ما يقاسيه المغاربة من عنصرية وبطالة وتهميش في سبتة ومليلية السليبتين. لكن يبدو أن هذه المواضيع النضالية النبيلة غير مدفوعة الأجر من أسيادهم، وبالتالي فلا حاجة لهم بها ما داموا قد باعوا الوطن والشعب والقيم والمبادئ ابتغاء دراهم معدودة. بيد أن ما يدمي القلب حقيقة هو أن يجد الشعب المغربي الأبي نفسه غريبا في وطنه، مهزوما في أرضه، محاصرا بين بحاره الواسعة، وهو يرى ويسمع إعلامه الرسمي يقف إلى جانب الرذيلة وينتصر للمجرم، ويتنكر لمبدأ الرأي والرأي الآخر، ذلك المبدأ الذي يقوم عله الإعلام النبيل، ومن هنا أشد بحرارة على جريدة هيسبريس التي أعطت الدرس الحقيقي لجميع المؤسسات الإعلامية التي تدعي الاستقلالية بأنها نموذج يحتذى به في احترام هذه القاعدة، حيث فتحت جدرانها وصفحاتها للجميع دون خوف أو تعصب أو تخندق مع جهة معينة ضد أخرى. لقد سقط القناع أخيرا عن المرتزقة وكل الذين يريدون سوءا بالوطن والأمة والشعب، والذين طالما اختبئوا وراء أقنعة الحرية وحقوق الإنسان ليداروا وجوههم الخبيثة الماكرة. لقد افتضح أخيرا عجز الحكومة التي توسمنا فيها خيرا لأجل إصلاح إعلامنا، و حمايتنا من هذا الخطر الذي يتهددنا في ديننا وقيمنا ومبادئنا وحضارتنا وتاريخنا. لقد سقطت ورقة التوت الأخيرة عن الجميع حكومة وإعلاما ومجالس علمية وبرلمانيين بشيبهم وشبابهم، وأصبح من الضروري على الشعب أن يبحث عن جبهة جديدة لحماية مؤسساته ومواجهة الاستعمار الذي ما فتئ يطرق بابه بشدة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوكم إسحاق شارية المحامي بهيئة الرباط