جين جونسون، كاتبة النسخة المصورة الرسمية لرواية «ملك الخواتم» تحكي قصة زواجها بتافراوت جاءت لتكتب رواية عن القراصنة فوقعت في غرام "قرصانها" الأمازيغ كانت البداية مع قصص القراصنة التي روتها لها أمها عندما كانت طفلة، ودارت الأيام ومرت السنون لتجد تلك الطفلة البريطانية نفسها، وهي تقوم ببحث حول متاجرة القراصنة بالبريطانيين في المغرب، قبل أن تشرع في تأليف رواية في الموضوع، لكن عندما سافرت هذه الكاتبة والناشرة البريطانية «جين جونسون»، المعروفة أيضا باسمي «جودي فيشر» و«غابرييل كينغ»، إلى المغرب لم يكن يجول بخاطرها أنها ستجد مستقرها في هذا البلد الإفريقي، وأن 48 سنة من العزوبية ستنتهي عند أقدام جبال تافراوت بالأطلس الصغير. ليس من الصعب تمييز جين جونسون وسط جموع الناس في سوق تافراوت بسبب ملابسها الغربية وشعرها الأشقر، مما يجعلها مختلفة عن باقي النساء اللواتي يتبضعن تحت لفحات شمس يوم قائظ من أيام المدينة المحاطة بجبال المنطقة. لكن "جين" لم تكن، كما قد يبدو من خلال مظهرها، إحدى السائحات الأوربيات اللواتي يبحثن عن اقتناء بعض التذكارات، بل هي واحدة من السكان المحليين، تقوم بدورها بانتقاء الخضر التي تحتاجها لإعداد طاجين العشاء، شأنها في ذلك شأن باقي نسوة هذه المدينة الأمازيغية التي تعتبرها وطنها الثاني. قصة كيف أن "جين"، مديرة النشر بدار نشر "هاربر كولينس" اللندنية الشهيرة، تزوجت من عبد اللطيف باكريم، صاحب مطعم بتافراوت، وأضحت تعيش حياة مزدوجة حافلة بالإثارة ،شبيهة بروايتها الجديدة "عظام متقاطعة" التي سترى النور في الولاياتالمتحدة وبريطانيا بداية هذا الشهر. وفي صميم قصتها، ثمة نوع من تلاقح الثقافات والحب الذي قلب مسار حياتها رأسا على عقب، تجربة لم تكن "جين" المرأة الناجحة في حياتها المهنية تتوقع أن تعيشها سيما وأنها في نهاية عقدها الرابع. تقول "جين": "لقد كانت البداية مع قصص روتها لي أمي عندما كنت طفلة في بلدة "كورن وول" حول أفراد من عائلتي اختطفهم قراصنة شمال إفريقيا. لكن عندما كبرت، اعتبرت تلك القصص مجرد وهم وضرب من الخيال، إلى حدود سنة 2004 حين اكتشفت أن الفترة الممتدة من القرن 16 إلى القرن 19 عرفت اختطاف ما لا يقل عن مليون بريطاني، من بينهم عدد كبير من سكان بلدة "كورن وول"، على يد القراصنة الذين عمدوا في ما بعد إلى بيعهم في شمال إفريقيا". عندما وقعت "جين" في غرام عبد اللطيف، أحبت معه المغرب "القريب جدا من أوربا، والمختلف كثيرا عنها". "لقد فكرت أن مصير أسلافي قد يكون منطلقا مثيرا لتأليف رواية تاريخية. وللبحث أكثر في الموضوع، جئت إلى المغرب". لعدة سنوات تمكنت "جين" من التوفيق بين عملها كمديرة للنشر وشغفها الكبير بالكتابة. تتوفر على منزل في عاصمة الضباب لندن، وكوخ في قرية «ماوس هول» ب «كورن وول»، حيث ألفت العديد من رواياتها تحت اسم «جودي فيشر»، وحيث أعدت النسخة المصورة الرسمية لثلاثية "ملك الخواتم"، والتي اعتمدها المخرج «بيتر جاكسون» لإنجاز فيلمه الشهير الذي يحمل نفس اسم الرواية. في فبراير 2005، غادرت «جين» لندن في اتجاه المغرب لتنجز بحثا في موضوع القراصنة قبل مباشرة تأليف الرواية، وفي نفس الوقت لممارسة رياضتها المفضلة المتمثلة في تسلق الجبال. رافقها في تلك الرحلة صديقها، بروس كيري، الذي وافق على مساعدتها في إنجاز البحث مقابل خوض مغامرة تسلق جبل وجه الأسد بمنطقة تافراوت. انتهت «جين» من جمع المعطيات التي جاءت لأجلها، وحان موعد الاستمتاع بتسلق الجبال. تقول «جين»: «خلال اليومين الأولين، كان الجو على غير عادته ممطرا، فاضطررنا لتأجيل خروجنا إلى الجبال. وذات مساء، وجدنا نفسينا أمام مدخل مطعم، فُتح بابه بتلويحة مرحبة من رجل يعتمر عمامة ويرتدي جلبابا. كان شخصية مثيرة وكاريزمية، فقلت لرفيقي «بروس»: «واو! لقد عثرت على قائد القراصنة لروايتي الجديدة». عبرت «جين» مدخل المطعم إلى حيث سيرتسم منحى جديد لحياتها. تقول إنها شعرت في تلك اللحظة وكأن شيئا ما يربطها بذلك الشخص، رغم صعوبة التواصل بينهما، لأنه لا يتحدث الإنجليزية بحكم أن دراسته الجامعية كانت باللغة الفرنسية. أما هي فلا تجيد من لغة موليير إلا ما تعلمته في أيامها الدراسية الأولى. عندما توقف هطول الأمطار في اليوم التالي، غادرت «جين» و«بروس» نحو جبل وجه الأسد الذي يوجد على ارتفاع 1500 قدم. كان تسلق ذلك الجبل أصعب وأبطأ مما توقعاه، وعندما بلغا أحد مرتفعات الجبل، كانت الساعة تشير إلى الخامسة مساء، وكان من المستحيل مواصلة التقدم بسبب انزلاق التربة الطينية، وعندها قررا العودة من حيث قدما، لكن كان الظلام قد لف المكان. ولسوء حظهما أنهما لم يضعا في حسبانهما قضاء ليلة باردة فوق الجبل،مما اضطرهما إلى إقامة مخبأ فوق حافة صخرية بالاستعانة بأوراق النباتات المنتشرة في المكان. تقول «جين»: «كان رقم هاتف المطعم هو الرقم المحلي الوحيد الذي كنت أتوفر عليه، اتصلت به، وأخبرته بمكاننا ووضعيتنا التي لا تسمح لنا بالعودة. كان مذعورا وقال إنه سيجمع بعض الأصدقاء وسيصعدون الجبل لمساعدتنا، لكنني أخبرته ألا يفعل بسبب الظلام وصعوبة تسلق الصخور الجبلية على غير المتمرسين، وأقنعته بعدم المجيء وبأننا سنعود مع أول خيوط الشمس». "أعتقد أنها كانت ليلة حالكة السواد بالنسبة لنفسيتي، وعندما اقترب الفجر، بدأ البَرد يتساقط علينا بقوة، حينها فكرت أننا سنموت من شدة البرد. وفي نفس الوقت، ساعدني ذلك الوضع على إعادة التفكير في الكثير من الأمور، إذ توصلت إلى أن ثمة أمورا في الحياة أهم من الجلوس خلف المكتب، وقررت أنني إذا ما تمكنت من النزول من الجبل، فسأخصص وقتا خاصا لكتابة تلك الرواية، والأهم من كل ذلك، أنني سأتعرف أكثر على «قرصاني» الذي ظلت صورته مرتسمة أمامي طيلة الوقت». ولحسن الحظ، توقف سقوط البَرد، وتمكنت «جين» و«بروس» من مغادرة الجبل بأمان. وفي اليوم التالي، وقبيل مغادرة «جين» نحو لندن، قام عبد اللطيف على نحو لم تتوقعه بأخذها إلى إحدى زوايا المطعم، «أمسك بيدي وألبسني خاتما تقليديا في أصبعي، وقال إن الخاتم يحمل شكل خيمة كرمز للاستقرار والأمن. ومنذ ذلك الحين لم يحدث لي شيء من ذلك القبيل. كانت الخيمة تعني أيضا أنني سأعود إليها مرة أخرى. تأثرت كثيرا بذلك الموقف وتلك اللحظة التي كانت تعني لي الشيء الكثير. لم أقو على التفوه ببنت شفة، سوى ترديد كلمة الشكر. وعندما كنت على متن الطائرة المتوجهة إلى لندن، أخبرت «بروس» بما حدث، انفجر ضاحكا قبل أن يقول إنني قد أكون بذلك قد أصبحت زوجة عبد اللطيف الثالثة». لكن الحقيقة أن عبد اللطيف (44 سنة) لم يسبق له الزواج، شأنه في ذلك شأن «جين»، كما أن هدية الخاتم كانت بداية للتقارب بين الطرفين، «عقب عودتي إلى لندن بيومين، اتصل بي عبد اللطيف ليسأل إن كنت قد وصلت بخير. وبعد ذلك بدأنا نتحدث عبر الهاتف كل ليلة. كان ذلك رائعا، إذ ناقشنا مختلف الأمور، وشيئا فشيئا تسنى لنا التعرف على بعضنا البعض بشكل أفضل مما لو كنا ننتمي إلى نفس الثقافة ونفس التقاليد. كنت على الدوام إنسانة عملية، وكنت أؤمن بالحب رغم أنني لم يسبق لي أن عثرت عليه. وقبل التعرف على عبد اللطيف، كنت قد فقدت كل الآمال في أن أعيش الحب في يوم من الأيام». بعد ذلك، أوفت «جين» بالوعد الذي قطعته على نفسها عندما كانت فوق جبل وجه الأسد بتافراوت، إذ اقتطعت أياما من عطلتها من أجل التفرغ لتأليف روايتها الجديدة «عظام متقاطعة» التي تدور أحداثها خلال القرن السابع عشر حول مصير فتاة تنتمي إلى بلدة «كورن وول» البريطانية بعد أن تم اختطافها على يد القراصنة وبيعها في شمال إفريقيا. مر شهران على لقاء عبد اللطيف و«جين»، قبل أن تعود هذه الأخيرة إلى تافراوت لقضاء أسبوع، «كان كل شيء تقليديا، ونادرة هي اللحظات التي نكون فيها لوحدنا. ومع نهاية الأسبوع، قال لي عبد اللطيف: «أين ومتى سنتزوج؟» وحينها قلت لنفسي، «أجل، هذا ما ينبغي أن يحدث بالفعل. لكن لم يكن من الهين أن يرى حب حقيقي من هذا النوع، النور بالنظر إلى الفجوة الكبيرة بين طرفيه، جغرافيا وثقافيا. وتطلب منهما تجاوز المشاكل المترتبة عن ذلك أكثر من ستة أشهر، ليقيما بعد ذلك زواجهما في حفل عائلي صغير، «ما عشناه قبل الزواج كان أمرا لا يصدق، فبغض النظر عن باقي المثبطات، كان عملي متمركزا في لندن، في حين كان عبد اللطيف يشتغل في تافراوت. غير أن دار نشر «هاربر كولينس» كانت ذكية وساعدتني على إعادة ترتيب حياتي من خلال ممارسة عملي وأنا في تافراوت، اعتمادا على شبكة الإنترنيت عبر الأقمار الصناعية. لكن كان علي مرة أخرى انتظار استكمال بعض الإجراءات الإدارية كتقديم ملفي الصحي وسجلي العدلي. إلى جانب ذلك، كان علي تحمل حرارة الشمس المرتفعة في هذه المنطقة من جنوب المغرب، إذ زرت المغرب في 2005 حوالي أربع عشرة مرة، وعانيت كثيرا من ضربات الشمس. وفي كل مرة، كان الشك يتسلل إلي، وكنت أتساءل مع نفسي إن كنا فعلا سنتزوج أم لا». ولعل أصعب موقف عاشته «جين» هو عدم تصديق أصدقائها اللندنيين لها ولقصتها، رغم أنهم جاؤوا في دجنبر 2005 رفقة أختها لحضور حفل الزواج. تفهمت «جين» سبب ذلك، فقرارها بالعيش في بلد مسلم مع شخص أمازيغي بالكاد تتعرف عليه، يحمل في طياته علامات الجنون أو هو أحد مظاهر أزمة منتصف العمر. لكن «جين» تقول إن علاقتها بعبد اللطيف تتسم بالمساواة والتوازن في كل شيء، حتى أنها تقوم بدورها في مساعدة زوجها في المطعم بتقشير البطاطس، وتنظر إليه وكأنه الطباخ البريطاني الشهير «غوردن رامسيي». «عندما تحب شخصا ما، فلا يتعين عليك أن تحاول تغييره. وهذا ما قمت به، فأنا لا لم أحاول يوما تغييره وكذلك هو، أنا لم أعتنق الإسلام، وهو لا يزال يعتمر عمامته. نحن نحترم بعضنا البعض. عندما نكون في تافراوت من شتنبر إلى أبريل، فإن عبد اللطيف يكون ملكا في مملكته، وعندما ننتقل إلى بريطانيا، فإنه يتأقلم مع نمط الحياة الأوربية. يعيش الزوجان في منزل صغير وأنيق يجاور مطعم عبد اللطيف، وعندما تشتد حرارة الصيف بتافراوت، ويقل عدد السياح الذين يزورون المدينة، يغلق عبد اللطيف المطعم، ويتوجه الإثنان إلى بريطانيا، حيث يعيشان في ضيعة "جين" ببلدة «كورن وول». تقول «جين»: «عندما أكون في تافراوت، فإنني أحن كثيرا إلى أسرتي وأصدقائي...» تتبادل نظرة مع زوجها قبل أن تبتسم، وكأنها تقول إنها وجدت في سفوح جبال الأطلس الصغير ما هو أهم مما تركت خلفها في بريطانيا. من هنا لزيارة موقع الكاتبة جين جونسون الشخصي