في الجزء الأول من هذا الموضوع، وهو المعنون ب "هل تسعد مهنة التمثيل ممتهنيها بالمغرب؟"، تعرضنا لممثلين المغاربة يعانون الفقر، أو على الأقل لا يحققون الاكتفاء لحاجياتهم رغما عن مكانتهم الاعتبارية لدى المغاربة، واستعرضت في ذات السياق شهادات جواد السايح ونعيمة بوحمالة ومصطفى الزعري وعائشة ماه ماه وفاطمة وشاي. في هذا الجزء نستعرض طينة أخرى من الممثلين السينمائيّين حققوا ذواتهم في الميدان.. ليس بحضورهم الدائم في أدوار فيلميّة قوية فقط.. لكن أيضا بتجاوزهم لمهنة التمثيل والبصم على مشاريع في نفس المجال ليغدوا مخرجين ومنتجين ومنشطي برامج تلفزيّة.. كيف حقّقت هذه الفئة النجاح في مسارها؟ وهل كان نجاحها مبنيّا على الكفاءة والجدّ في العمل أم أن الفضل يرجع لكتلة المعارف والوساطات..؟ وإذا كان الأمر كذلك فلم لم يكتب لغيرهم من المجدّين الفلاَح؟.. هسبريس التقت مجموعة من الممثلين المغاربة الذين غدت المهنة بين أيديهم "عصا موسى" التي شقت الطريق نحو النجاح.. سعيد الناصري: الممثل الذي يحترم نفسه.. ينجح. بالنسبة للممثل والمخرج سعيد الناصري فإن وضعية الفن في بلد كالمغرب "معروفة منذ زمن بعيد"، وذلك لما يراه غيابا لمنتجين حقيقين في ظلّ وجود منتجين حاليين "سماسرة يقتاتون من الفنانين ومراكز الدعم". وقال الناصري إن الفنان الحقيقي، الذي يؤطر نفسه ويحترم ذاته، يلاقي النجاح في الميدان.. معطيا أمثلة بمسارات رشيد الوالي ومحمد البسطاوي و حسن الفذ.. أمّا تدهور حال الممثلين، حسب الناصري، فيتحملها هؤلاء من القابلين العمل في أي إنتاج كيفما كان نوعه ودون أي احترام للذات و الجمهور، خاصة المواد الإشهارية التي يتم التنقل بينها ب "دعارة فكرية" حسب تعبير الناصري الذي يرى في هذه الفئة كونها "غير باذلة لأي جهد لتغيير أوضاعها وسط أداء نقابي ضعيف وشجاعة غير كافيّة". ونفى الناصري أن تكون له "معارف ووساطات" ضمن المجال الفني.. مستدلا ب "نجاح أفلامه وتحقيقها لأعلى الإيرادات" وبشكل لا يمكن أن يسهم فيه أي وسيط لأنّه لا قدرة له لدفع الناس لمشاهدة أي فيلم. وزاد الناصري أنّه "ممنوع من التلفزيون المغربي منذ 4 سنوات"، وأنه لم يستخلص بعد جميع تعويضاته من المركز السينمائي المغربي عن فيلمه الأخير، كما يعاني من "التفضيل بينه وبين كوميديين، كجمال الدبوز، بشكل برز في عدد من المهرجانات". وأضاف الإطار البنكي السابق أنه "الفنان المغربي الوحيد الذي يؤدي من أجله المواطن المغربي 300 درهم كي يرى عروضه الكوميدية"، وأنه لا يحتاج لدعم المركز السينمائي المغربي ولا للقنوات الوطنية كي يحقق نجاحه الذي "بناه بماله الخاص".. ذاكرا بيعه لشقّته من أجل إنتاج فيلم "البانضية" الذي حقق أكبر نجاح تجاري في تاريخ السينما المغربية. وصرح الناصري أنه كان قد اقترح سابقا إنشاء صندوق "جمع تبرعات" للفنانين يموّل بمساهمات الفنانين كل حسب دينامية اشتغاله، وذلك لمساندة محن الفنانين بعيدا عن الاستجداءات والتشكّي.. كما دعا إلى خلق "إطار للعمل" يضم ملحقين صحفيين ومكلفين بالاتصال، تسدد أجورهم من طرف النقابة، ويعملون على بالتنسيق م أجل جلب عروض عمل للممثلين.. زيادة على التحرك لدفع وزارة السكنى صوب إجبار المنعشين العقاريّين على بناء مسارح ودور سينما بالتجمعات السكنية المقترح تشييدها. سهام أسيف: قدراتي الفنية كانت من الممكن أن توصلني لهوليوود سهام أسيف، الممثلة الجميلة ذات الحضور الفني القوي، أوردت لهسبريس بأن وضعية الممثل المغربي "تبقى غير مريحة" ومصيره "صار مخيفا".. موردة بأنّ عددا كبيرا من مهنيّي التمثيل توفّوا ولم تتواجد لديهم حتّى مصاريف الدفن. وقالت أسيف إنّ بطاقة الفنان توفر قسطا من التغطية الصحية دون ضمان التقاعد، وتكريمات بعض الممثلين تبقى "عملا سطحيا هديّته صِينِيَّة وبَرَّاد وكؤوس شاي". وتابعت ذات الممثلة باعتبار انتمائها للجيل الجديد من الممثلين يدفعها لتحاشي بعض الظروف السيئة التي لاقتها الأجيال السابقة.. موردة بأنّ الفنان يجب أن يعيش حياة كريمة تليق به كنجم، وهو ما تقوم به هي شخصيا يتواجدها وسط بيئة ترف يتطلبها وضعها ك "نجمة سينمائية" شأنها شأن العديد من الممثلين الآخرين. واستطردت سهام: "أنا من بنات الشعب، وجرّبت حتّى أكل أقدام الدّجاج التي يعافها الكثيرون.. وتجاربي الفنيّة من الغناء إلى التمثيل جعلتني أنوّع من مداخيلي حتّى لا أسقط في براثين الجوع بمعيّة عائلة أعولها بها شابان عاطلان". أمّا عن تجربتها التمثيليّة قالت عنها أسيف "هي عن كفاءة وليس عن وساطة.. والدليل أن أول مشاركة سينمائية لي مع المخرج عبد الكريم الدرقاوي جعلتني أتوج بجائزة تنويه.. كما حزت على جوائز مهمة في مهرجان كَانْ ومهرجانات عالمية أخرى"، واسترسلت: "قدراتي الفنية كان من الممكن أن تجعلني أصل لهوليوود، ما دمت أغني وتتحدث أربع لغات، وهي نفس القدرات التي لم أبينها لحد اللحظة". ومثل باقي الممثلين، حملت سهام أسيف الكثير من المسؤولية لشركات تنفيذ الإنتاج التي "تصرف القليل من الأموال المقدمة لها من طرف المنتجين وتنادي فقط على معارفها"، مثيرة أنّها "تؤدي نصف أجرتها على ملابسها في الأعمال التلفزيونية والسينمائية". فركوس عبد الله: من يبحث عن الفرص يجدها حتما الممثل والمخرج عبد الله فركوس صرّح لهسبريس بأن تحوله إلى الإخراج يعود بالأساس إلى "ملكاته الإبداعية التي يحس أنها قادرة على إضافة الجديد في هذا المضمار.. شأن محمد نظيف وسعيد الناصري".. وتابع في اتصال هاتفي مع هسبريس، أن هناك العديد من الفرص في المجال الفني، وعلى الممثل أن يستغل هذه الفرص في المسرح والسينما والتلفزيون عوض أن التشكّي. "يجب على الممثل ألاّ يبقى في المقهى منتظرا مجيء الفرصة، هذا يجعل الميدان يتحوّل إلى مُوقْفْ" يقول فركوس قبل أن يزيد: "سر غياب بعض الممثلين عن العمل هو سلوكهم السيّء مع المخرجين ومشاكلهم المتعدّدة مع دور الإنتاج". وتحدث عبد الله فركوس عن نجاحه في الميدان السينمائي باعتبارها تعود إلى "تنوع طرق اشتغاله داخل السينما من المحافظة العامّة إلى الديكور والإنتاج إلى جانب التمثيل ل30 سنة في الإنتاجات الوطنية والأجنبية، إضافة للعلاقات الجيدة مع جميع المخرجين والمنتجين".. منهيا تصريحه بقوله: " كُلْ وَاحْدْ وْرْزْقُو". لطيفة أحرار: أنا أدرّس بالمجان لدى وزارة الثقافة قالت الممثلة المثيرة للجدل لطيفة أحرار إنّها، إضافة لعملها كممثلة، تشتغل لدى وزارة الثقافة مدرّسة للتعبير الجسدي ضمن مراكز التكوين المسرحي، إضافة لأدائها كمخرجة مسرحية ومقدمة برامج تلفزية.. وزادت أحرار أنّها لا تكتفي بتلقّي دعوات المخرجين للعمل بل تبادر لخلق فرص الشغل لها وللعديد من الممثلين المغاربة، مضيفة أن التمثيل لوحده في المغرب "من الصعب أن يحقق الاكتفاء الذاتي للفنان بالنظر إلى عدم هيكلة الميدان واعتبار الدولة للفن مجرد وقت ثالث، إضافة لعدم وجود قوانين حقيقية تنظم المجال وتمكن الفنان من حقوقه كمواطن وكفنان". وفي رد لها عمّن يوردون كونها شبحا بوظيفة وزارة الثقافة أجابت أحرار أنها تدرّس ب "المجان"، وأنّ أداءها يمتدّ إلى السجون والمعاهد، وأردفت: "أتوفر أيضا على مشروع شخصي يتعلق بتنمية الذوق الفني لدى الجمهور المغاربي من خلال مسرح متنقل سيزور عددا من جهات المملكة". وطالبت أحرار بقانون يحتم على المخرجين تشغيل نسبة مهمة من الممثلين المغاربة المحترفين والخريجين الجدد للمعهد العالي للفن المسرحي و التنشيط الثقافي عوض تشغيل ممثلين غير معروفين "يستقدمون من الشارع لتقليل المصاريف"، غير أنها عادت لتؤكد بأنّه يتوجّب على الممثل المغربي تطوير أدائه كي يطور من تواجده داخل الساحة، وأوصت أيضا بتوحيد صفّ الفنانين داخل نقابة واحدة ينخرط فيها الجميع كي "تتم مأسسة قضيتهم عوض طلب المعونة والاستجداء والدخول في حسابات شخصية قصمت ظهر الفن بالمغرب". وضعية الممثل بالمغرب: ماذا بعد؟ من خلال 9 شهادات متفرقة ومتبايته، ضمن الجزئين المتطرقين لهذا الموضوع، يتبين أن أوضاع الممثل المغربي متغيرة من ممثل لأخر، وتغيب عنها معايير قابلة للتطبيق على الجميع.. كما يبرز بأنّ طموح كل الممثل، ورغبته في تطوير ذاته وتنويع طرق اشتغاله بما يتوفر له من إمكانيات، يفتح أبواب عديدة في عالم السينما رغما عمّا يثار عن غلبة الوساطات في هذا الميدان. أغلب الشهادات أجمعت أيضا على ضرورة تصحيح تعاطي شركات تنفيذ الإنتاج مع الفنانين، باعتبار الغالبيّة حمّلتها جزءً كبيرا من المسؤولية عن أوضاع الممثلين، وهنا يبرز التساؤل عن الدور الرقابي الذي يمكن أن يلعب رسميا على هذه الشركات باعتبار أكبر 3 منتجين بالمغرب ينتمون للقطاع العام بتواجد "الأولى" و"دُوزيم" و"المركز السينمائي المغربي". *[email protected]