صحيح بأن أهمية الخبر رهينة بالمتلقي..لنفرض أن نشرة الأخبار أطلت على المشاهدين بخبر كالتالي " :تمكن مواطن اليوم من اقتناء جهازDVD". لا شك في أن البعض سيعتبر الأمر مزحة رديئة و استبلادا مقصودا للمشاهدين..و قد يضحك البعض حتى تدمع عينه..وربما البعض الآخر سيدقق النظر،هل هي نشرة أخبار أم مسرحية هزلية..!! "" أن يشتري مواطن جهازDVD في الكثير من البلدان ،في المغرب مثلا، كأن يذهب إلى السوق ويشتري جزرة أو طماطم أو أن يخرج إلى أقرب مقهى يحتسي الشاي ويتجاذب مع الأصدقاء أطراف الحديث .. لكن أن يتم ذالك في كوبا، فإن الأمر في غاية الأهمية، إلى الحد الذي قد يعتبره البعض مؤشرا حقيقيا على نهاية حقبة من تاريخ شعب رزح ويرزح منذ عقود تحت الحصار أو الحصارين ،الإقتصادي والإيديولوجي ، بل وقد يذهب البعض إلى اعتباره خطوة أولى نحو نهاية هذا الحصار وانفتاحا مهما يبشر فعلا بميلاد عهد جديد ..في بلد كان "انفتاحه" الوحيد هو ذاك التحول المدقع الذي جعل من كوبا وكرا كبيرا للدعارة ، ومن السياحة الجنسية أول مورد للقمة العيش بمباركة من ديكتاتورية البروليتارية وأمام أنظار الرفاق. أتذكر في الجامعة لما كنا نصرخ حتى تبح أصواتنا : فيديل يارفيق ها نحن على الطريق.. كاسترو يارفيق لازلنا على الطريق.. كنا نحلم بالتغيير، بل وكنا نحسبه آت بعد حين..الفتوة وزين الشباب وفارس الفرسان فينا ،كان ذاك الذي يحفظ عن ظهر قلب تاريخ الأوطم والطلبة القاعديين ،وبلا كلل يقحم في معرض الكلام ،إقحاما ، تجربة الحزب الشيوعي في نيكارغوا والثورة الحمراء في الصين ..و لايتوانى في تكبيل يدي وعصب عيني طالب يضبط متلبسا بالإنتماء لأحد الأحزاب البوليسية، كما كنا نسميها آنذاك ،وإدخاله الحلقة بتهمة التجسس والخيانة العظمى..وكثيرا ما يتبجح بمطاردات، بعضها حقيقي وبعضها من صنع الخيال، مع مخبرين تعقبوا خطواته في جنح الظلام ،أواعتقالات وتحقيقات في مخافر الشرطة..و تفاصيل فرار واختفاء في السوق الشعبي على طريقة بييرس بروسنان أو شون كونري ..ويسهب في الحلم بجنات من السفخوزات والكلخوزات ،وأرض تجري من تحتها أنهار الثورة والثروة و الإيديولوجيات..حيث يستوي الأمير بسواق الحمير بالبعير بالشعير..وحيث لا مالك ولامملوك. أول ضربة تلقيت في صميم فردوسي الأحمر،كانت لما هاجرت إلى إيطاليا في آخر الثمانينات،ورأيت الأوربيين الشرقيين ،هاربين من الظلم والجوع ،يهيمون على وجوههم ،متعبين متسخين ،أويقفون إلى جانب أضواء المرور يطلبون الصدقات. وربما لتراجع وتيرة المتابعة لدي أو ضعف اطلاعي أو لسذاجتي ، فإن الضربة الثانية تلقيتها قبل أيام فقط ،حيث تناقلت معظم وسائل الإعلام خبر إباحة راوول كاسترو للكوبيين اقتناء جهازي DVD والحاسوب ،إذ لم أكن أتصور أبدا أن مجرد امتلاكهما يعد فاحشة في كوبا ، أما الإنترنت فإنني أعلم منذ زمن بعيد بأنه من أكبر الكبائرعند آل كاسترو. على كل حال.. شكرا للرفيق راوول أولعقوبة البارابول... عبد الله تاغي-إيطاليا