أظن أنه ليس غاية الإصلاح بالقانون هي معرفة الحقيقة الاجتماعية على غرار العلوم الوضعية، بل غاية الحوار من اجل الاصلاح بالقانون هي تحقيق التماهي ما بين المجتمع والدولة، وذلك بتكريس القواعد القانونية الهادفة الى الدفاع عن الهوية ,و ضمان الحقوق، وحماية مكونات المتخيل الجمعي للمجتمع. ولعل من بين الانتظارات المطروحة على المعنيين بمشروع الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة, مقاربة تحدي إشكالية تنزيل المبادئ, والمقتضيات التي أتت بها الوثيقة الدستورية الجديدة ,ومن بين هذه المبادئ ,مبدأ الإقرار والاعتراف بضرورة إدماج اللغة والثقافة الأمازيغية في قنوات ودواليب الدولة اسوة بتواجدها التاريخي بالمجتمع المغربي و باعتبارها تكريس للتعددية اللغوية المستبطنة في المتخيل الجمعي للمغرب العميق. لذلك فانه إذا كان الدستور المغربي في فصله الخامس قد حافظ على العربية كلغة رسمية للدولة فقد أضاف ولأول مرة في التاريخ ان الأمازيغية تعد أيضا لغة رسمية للدولة باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء وهذا ما يتطلب من المعنيين بالحوار الوطني حول منظومة العدالة استحضار هذا المعطى الدستوري الذي يتطلب وضع الأرضية لإدماج اللغة الأمازيغية في منظومة العدالة باعتبارها لغة رسمية. إن المقاربة الموضوعية تقتضي ضرورة اتخاذ مجموعة من القرارات الجريئة لتكريس داخل جهاز العدالة واقع المغرب المتعدد ومنها استحضار ضرورة إعادة النظر في الترسانة القانونية التي تتحدث عن الأطلس اللساني داخل جهاز العدالة, وهذا لن يتم إلا بإعادة النظر في برامج التكوين داخل مؤسسات ومعاهد التكوين المرتبطة بقطاع العدالة ومنها المعهد العالي للقضاء، وذلك بإدماج اللغة الأمازيغية في المنظومة التكوينية، وإذا كان اشراك المعهد الملكي للثقافة الامازيغية في شخص عميد المعهد في الجهاز المعني بالحوار مؤشر على امكانية الادماج فان القاضي وموظف وزارة العدل وغيرهم ملزمون بالتواصل مع مكونات الثقافة المغربية هدا التواصل الذي يضمن المساواة بين المكونات الثقافية المغربية داخل جهاز العدالة. إن المواطن المغربي الناطق باللغة الأمازيغية من حقه في ظل معطيات الحوار أن يبلغ العدالة والقضاء بواسطة لغته الرسمية الأمازيغية وهذا لن يتم إلا باحترام الدستور الذي ينص على ضرورة إنصاف المغرب الغير النافع وذلك بتغطيته بمرفق العدالة بشكل يضمن استعمال القواعد المعيارية السائدة والمستبطنة في المتخيل الجمعي والتي لا تتنافى مع القواعد الانسانية المتعارف عليها في مجال حقوق الانسان العالمية ,على اعتبار انها المدخل الحقيقي للتنمية من جهة, و على اعتبار ان دلك يضمن استمرار السلطة القضائية في أداء خدمات العدالة بواسطة اللغة الرسمية الامازيغية التي تعتبر اللغة السائدة في العديد من مناطق المغرب من جهة اخرى , وهذا بالأكيد يقتضي أن يكون التواصل المباشر ما بين القاضي والمتقاضين في هذه المناطق باللغة الأمازيغية الشيء الذي سوف يعيد الاعتبار للقواعد العرفية ويفسح المجال لإمكانية إدماجها داخل النسق القانوني الوطني على اعتبار أن الدراسات الحديثة تعتبر أن القانون الأكثر ضمانا للتنمية وحقوق الإنسان هو القانون الذي يعتبر إفرازا للواقع الاجتماعي. إن الحوار الوطني يقتضي الاعتراف بأحقية أن يتلقى مرفق العدالة ملاحظات مرتفقيها واقتراحاتهم وتظلماتهم ويعمل على إدماجها للوصول إلى إشراك المواطن في تدبير المرفق العام وهذا لن يتم الا باستعمال آليات تواصلية قادرة على فهم الخصوصيات المحلية. إن العدالة تقتضي أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته والدفاع عن البراءة يقتضي أن يكون المكلف بإثبات الإدانة متواصل مع المتهم بلغته الرسمية وهذا يستتبع إعادة النظر في آليات تواصل مكونات الضابطة القضائية والنيابة العامة حتى تتمكن من التواصل مع المغاربة الناطقين باللغة الأمازيغية الشيء الذي يستتبع ادماج الامازيغية في مصالح الضابطة القضائية و مؤسسات تكوين ضباط الشرطة القضائية بالشكل الذي يجعلهم يتواصلون مع الناطقين بالامازيغية دون مركب نقص. ان مقاربة عملية إعادة الإدماج داخل السجون وخارجها تقتضي ان نستحضر كذلك الدور الذي يمكن أن تقوم به الثقافة الأمازيغية في إعادة الإدماج،إذا ما استعملت كأداة للتكوين بالنسبة لغير الناطقين بها وإعادة التكوين بالنسبة للناطقين بها وهذا سوف يفتح الباب أمام الجانحين للخروج من المألوف و يؤدي إلى تبني الرغبة في البحث في خصائص المغرب العميق والذي تبث على المستوى الجنائي ان العقوبات البديلة هي أدوات لإعادة الإدماج والتي يمكن أن يعود جدواها ونفعها على الفرد والجماعة مثل التزام المدان بأعمال خيرية أو الخدمة في احد مراكز المجتمعات المحلية التي تؤدي إلى إتقان الأمازيغية والخروج من جو المدينة وما يصاحبه من الميل الى العنف المادي واللفظي. ان المعني بالحوار ملزم كذلك بأن يستحضر ضرورة أن تتخذ الدولة تدابير فعالة لضمان حق الأمازيغية باعتبارها لغة رسمية في أن تقوم بالدور المعهود لها دستوريا وذلك لضمان حق المغاربة الناطقين بالامازيغية في فهم الإجراءات السياسية والقانونية والإدارية وضمان تفهم وضعهم في فهم هذه الإجراءات بلغتهم الرسمية حتى لو استلزم الامر بشكل انتقالي توفير الترجمة الشفوية أو وسائل اخرى ملائمة لضمان التواصل ما بين الناطقين بالعربية والامازيغية داخل جهاز العدالة. إن اللغة تعتبر وعاء الثقافة ووسيلة التفكير الذي يحدد رؤية العالم ونواميسه، لذلك شكلت معرفتها أهم ركيزة لتحصين الهوية والذات و الشخصية وان الدفاع عنها واجب بالضرورة يضمن للأمة استمراريتها ويحفظ لها مكانتها المنوطة بها بين الأمم الأخرى، كما جاء في قانون ابن خلدون اللغوي إن غلبة اللغة بغلبة أهلها، وان منزلتها ببن اللغات صورة لمنزلة دولتها بين الأمم. إن تنزيل التعددية اللغوية المنصوص عليها في الدستور يقتضي من المعنيين بالحوار الوطني حول العدالة ضرورة وضع أرضية للاعتراف بحقوق الأرض وسندات الملكية العرفية من خلال القانون المتعارف عليه والاخد به من طرف المحاكم, دلك إن إدماج الأمازيغية في الدستور الجديد كلغة رسمية ينبغي اعتباره امتداد لليبرالية الحقوق المدنية وليس عائقا لها، و هدا الاعتراف الرسمي ينبغي الا تكون به نفحة من المذهب الثقافي المحافظ ولا من المذهب الأبوي البطريكي ولا المذهب التفكيكي لما بعد الحداثة، فالاعتراف بالثقافة الامازيغية خلاصة ليبرالية لعصر التنوير وحقوق الإنسان العالمية، ان سياسة التعددية الثقافية هي أساس الدعم الواعي لحرية الاختيار عند الفرد، فنحن أحرار في أن نكون أنفسنا ,وإدماج الأمازيغية في منظومة العدالة ينبغي تبعا لذلك أن يتم في تناغم مع احترام الإطار الدستوري والفقه القانوني لحقوق الإنسان وفي انسياب تام مع هذه المعايير بوصفها تجسيدا للحق والقانون وقابلة للعرض من خلال المؤسسات القضائية التي تتمسك توصياتها بتلك المعايير. وإذا كانت الدولة الحديثة تحافظ على إصدار القوانين بغيرة شديدة باعتبارها حقا حصريا للدولة الوطنية فان مطبخ القانون المغربي ينبغي ان يعتمد على منتوجات المتخيل الجمعي للأمة باعتباره المدخل للتطور والتنمية والقضاء لن يجد صعوبة في تطبيقه لاستبطان المواطن لقواعده التي تشكل استبطانا له. إن القانون العرفي ينبغي أن لا يفهم أنه قانون معارض لقانون الدولة بل ينبغي أن يفهم بأنه الاعتياد الذي ينبغي أن يتشكل منه قانون الدولة. *محام عضو مجلس هيئة المحامين بالدارالبيضاء