كلما طالب المجتمع بالإصلاح جاء هذا الإصلاح على حساب ذات المجتمع ، وكأنه زبون يطالب وعليه أداء فاتورة ضريبة الإصلاح الذي طالب به. فهو عندما طالب بالمساواة وردم الهوة بين الفقراء والأغنياء ، طلعت -يا مأ أحلى نورها – قانون مدونة الأسرة الذي حمّل الرجل ما لم يحمله الشرع . فعلى الأقل حمل الشرع الرجل" النفقة " ومقابل ذلك حمّل المرأة " الطاعة" . أما اليوم فعلى الرجل النفقة " وأن " يدخل سوق رأسه" وألا يتدخل في شؤون زوجته وإلا قلبت الطاولة عليه . فهي تعلم أن كل الدنيا إلى جانبها . . وتلك الأيام ُتداول بين الناس ليعلم الله الصادقين. عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما عن النبي قال (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء). وحينما يطالب المجتمع بإصلاح القضاء فإنه يطالب بالإنصاف، أي إنصاف النساء من الرجال المارقين، وإنصاف الرجال الصادقين من النساء المارقات المتعديات لحدود الله ( أطيعوا الله (القرآن ) وأطيعوا الرسول (السنة) وأولي الأمر منكم (من يتحملون أمانة عيشكم). وكما يطالب المجتمع مرة أخرى بإرجاع الحقوق لأصحابها . أما النهب والسرقات والقتل فهي من شؤون الدولة التي لها آليات خاصة لمحاربتها ووضع حد لها ، وضمن هذه الآليات القضاء بالطبع. لقد نادى المجتمع بوضع حد لحوادث السير ، وذلك بإصلاح قانون منح رخص السياقة ، وإصلاح الطرق ، ووضع إشارات المرور وتحسين أداء شرطة المرور. فجاء الإصلاح مرة أخرى يستهدف " جيب " المواطن ، عوض أن يستهدف عقليته . فكل الدراسات أثبتت أن غالب الحوادث تأتي عن عدم احترام إشارات المرور، والسرعة الفائقة ، والتعاطي للمخدرات أو شرب الخمور. ذلك هو الداء الواجب التصدي له قبل التصدي – لجيوب-السائقين العاديين الذين قد يرتكبون مخالفات جد بسيطة.فمن منا لم يتابع استنكارات النقل بأنواعه لبعض مضامين مدونة السير، والتي تُعقّد إشكالية المرور عوض المساهمة في حلها . ومن بين الإصلاحات التي طالب بها المجتمع كذلك إصلاح الإدارة سواء الإدارة العمومية أو الإدارة الترابية لجعلها في خدمة المواطن ، وذلك بالرفع من وتيرة المصاحبة والمتابعة والمراقبة والمحاسبة . فتحول الإصلاح بقدرة قادر إلى زيادة في الرسوم، واستنزاف للمال العام بطرق جديدة . وكما طالب المجتمع بمحاربة الفوارق الاجتماعية وردم الهوة بين الطبقات بتشغيل الشباب وتحسين الأجر وتحسين ظروف العمل ، وجعل السكن في متناول الجميع ، والتعليم والصحة مكفولان للجميع . فإذا بمحاربة الفوارق تتحول إلى تشويه للمعمار والهندسة المعمارية المغربية حيث تُطلق مشاريع إسكان فقراء البلد بدور اقتصادية إلى جانب قصور وفيلات الأغنياء. فلا الفقراء ارتاحوا ولا الأغنياء ارتاحوا هم كذلك، إذ ابتلي هؤلاء ببلاء أولئك: وإن آخر تخريجة لإصلاح صندوق المقاصة دُشنَتْ بالزيادة في المحروقات ، فاحترق قلب الطبقات المتوسطة التي باتت ترى بأن تكاليف البنزين أصبحت تشكل حاجزا بينها وبين حق تملك وسيلة نقل سياحية على الأقل. قال أحدهم :" لقد اشتريت سيارتي المستعملة بثمن 40000 درهم ، وبما أنني أزودها ب 50 درهما من البنزين يوميا فإن مصاريف البنزين وحده بعد 3سنوات ستصل إلى 52000 درهما ، أي سأتجاوز ثمن السيارة .وإن هذا لهو الخسران المبين ، يعدوننا بالحداثة والتقدم ويريدون إرجاعنا للوراء وركوب الحمير مرة أخرى!". " ففي الوقت الذي قررت فيه الحكومة الزيادة في أثمنة المحروقات ، ألم يخطر ببالها ولو مرة الزيادة في الويسكي ، والخمور الحمراء والجعة ، والدخان والعطور الممتازة ، والملابس المستورة من أعماق باريس، وفي الضريبة على القصور والفيلات والسيارات الفارهة التي يتعدى ثمنها 800000 ألف درهم ، وتذاكر القطار المكيف وتذاكر الملاهي الليلية ". وهكذا يضيف آخر. لقد حاولت الحكومة فتح نقاش مع أصحاب الثروات لكنها تراجعت لما تبين لها بأن اللعبة كبيرة والفرسان أشداء . وحاولت التصدي لاقتصاد الريع ففتحت باب " الكريمات " والمقالع " فتبين لها مرة أخرى أن الدخول في متاهة لا تثقن مداخلها ولا مخارجها هو نوع من المغامرة الغير محسوبة . وتبين – بعد ذلك- أن هناك من يتمتعون بالثروات الوطنية وهناك من لا يملك قطميرا منها، والحجة جاءت على لسان رئيس الحكومة نفسه الذي رأى في عدم حصول الفنان " عبد الرؤوف " على كريمة فيه نوع من التجاوز والتهميش لبعض المواطنين على حساب مواطنين آخرين. وإن قبلنا- تجاوزا- حجة رئيس الحكومة أمام البرلمان " أن الريع نوع من الحكم" فإن أسئلة مشروعة تطرح نفسها على ضمائرنا بإلحاح . مفادها ، لماذا لم يكن اقتصاد الريع هذا رافعة لدعم البحث العلمي في المغرب؟ ولماذا لم يحصل أساتذة باحثون أو جامعاتهم على "مأذونيات" أو مقالع" لمواجهة نفقات البحث سواء في الطب أو التكنولوجيا أو الصناعة أو الفلاحة مادامت الدولة لم تكن قادرة على الرفع من ميزانية البحث العلمي الذي بدون لن تكون هناك لا تنمية ولا حداثة . وتأملا لهذا المشهد الغريب ،وكأننا نرى صورة مقلوبة تهتم باللحظة فقط عوض الزمان . نهتم – في مغربنا الحبيب وبصدق - بالرياضي لأنه قدم إنجازا (تاريخيا) يَهُمّ بلدا ، ولا نهتم "بِعَالمِ " يخترع أو يكتشف و يقدم إنجازات للبشرية جمعاء: لا غرو بأن المواطنين (سيبلعون) هذه الزيادة في المحروقات وفي الأشياء المرتبطة بها الاستهلاكية ، وهم مدركون الظروف الدولية وإمكانات الدولة في خضم الأزمة الاقتصادية الأوروبية ( الشريك الأساسي للمغرب) . وهم يقظون يقظة تامة للتحولات التي تطرأ على الأسواق يوميا ، وللقرارات التي تتخذها الحكومة لمواجهتها ، وفي مدى استعدادها للاستجابة لمطالب الشركاء الاجتماعين ، خصوصا فيما يتعلق بتناسب الزيادة في الأجر بالزيادة في الأسعار. فمن تم تبدأ الحكمة وإفاداتها، بالتدقيق في الاختيارات والتدخلات الحكومية في المرحلة الراهنة تجنبا " لكل ما من شأنه" إثارة ردود أفعال قوية من طرف المواطنين ، وتجنبا لمنح المعارضة الوطنية إحصاءات موثقة لخطوات غير موفقة للحكومة ، سيكون بإمكانها استغلالها في الانتخابات القادمة. ومما لا شك فيه فإن الرفع من أسعار المحروقات سيؤدي حتما إلى الرفع من أسعار المواد الاستهلاكية ، وبذلك سيصبح الفقراء الذين يستهلكون تلك المواد ويستعملون وسائل النقل العمومية هم من سيتضامن مع من "هم" في يسر ويمتلك سيارة. أي سيتقاسم المغاربة أغنياء وفقراء نفقات المحروقات، بينما كان العكس هو المطلوب، أي أن يتضامن الأغنياء مع الفقراء لمواجهة غلاء المعيشة.