أعلن تقرير اللجنة الوطنية الجزائرية لمراقبة الانتخابات التشريعية الدي عرض يوم 02/06/ 2012 على الصحافيين : "أن الانتخابات الجزائرية كانت غير شفافة وغير دي مصداقية... واعلنت اللجنة انها تعتبر الانتخابات فاقدة للمصداقية" جرت الرياح في الجزائر بما لا يشتهيه الربيع العربي، ففي الوقت الذي عصفت هذه الرياح بأنظمة استبدادية، وزحزحت أنظمة أخرى فسارعت إلى ترقيع ما يمكن ترقيعه، جاءت الانتخابات التشريعية في الجزائر لتثبت أن النظام في هذا البلد لازال يعيش على هامش التاريخ. فلا زالت عقلية الحرب الباردة سائدة ولازالت جبهة التحرير الوطني، ورموز الماضي تتشبث بالسلطة وكأنها تقول: الجزائر لنا لا لغيرنا. والتعددية الحزبية ما هي إلا واجهة يستغلها النظام لتلميع صورته وإعطاء المصداقية لوجوده من خلال ديمقراطية مبتورة، وإلا كيف يفسر تربع الحزب الحاكم على السلطة على امتداد نصف قرن؟ قراءة سريعة لنتائج الانتخابات التشريعية تؤكد على أن لا شيء تغير في الجزائر. لقد حصل الحزب الحاكم، جبهة التحرير الوطني على 220 مقعدا من أصل 462، يليه حليفه في التحالف الرئاسي، التجمع الوطني الديمقراطي الذي حصل على 68 مقعدا أما الأحزاب الإسلامية مجتمعة لم تحصل سوى على 59 مقعدا، نتائج تكرس وجود حزب جبهة التحرير الوطني وتقليص حجم المعارضة. لقد جاءت النتائج لتؤكد الاستمرارية بنفس السياسات ونفس الوجوه، كأن العالم العربي لم يعرف أي زلزال، وكأنه لم تقم في الجزائر مظاهرات واحتجاجات. لقد بذل النظام الجزائري، كل ما في وسعه لمحاربة رياح التغيير التي هبت على الوطن العربي، فعلى الجبهة الخارجية سارع إلى دعم نظام القذافي المنهار وتأييد بشار الأسد، وذلك لتحصين النظام الجزائري من الخطر الداهم من الخارج. أما على الجبهة الداخلية فقد عمل على قمع المظاهرات وحركات الاحتجاج. كما لجأ إلى استعمال كل وسائل المراوغة والتمويه والدهاء السياسي الذي يتقنه رئيس الجمهورية، وهو المتمرس في فنون السياسة التي خبر دهاليزها على امتداد نصف قرن. إن النظام الجزائري يتقاطع في نقاط كثيرة مع النظام السوري والنظام الليبي السابق، فكل هذه الأنظمة عبرت عن عدائها للربيع العربي، واعتبرته ليس فقط خطرا عليها بل على الأمة العربية كذلك، كما سعت إلى فرض هيمنتها على محيطها الخارجي، وهي تستند في حكمها إلى قوة خفية تحرك الكراكيز فوق الخشبة، ففي سوريا وليبيا هناك عائلة الرؤساء، وفي الجزائر، المؤسسة العسكرية هي القابضة بزمام الأمور، وهي التي أجهضت التجربة الديمقراطية في عهد الرئيس الشادلي بن جديد، و ليست مستعدة الآن لترك الساحة للإسلاميين الذين حاربتهم بالأمس. إن النظام الجزائري، كالأنظمة السابقة الذكر لم تتحرر قط من عقلية الحرب الباردة، فلمواجهة المشاكل الداخلية تسعى دائما لإيجاد عدو خارجي مفترض وتقديمه على أنه يهدد البلاد والعباد، محاولة بذلك صرف أنظار الشعب على المشاكل الحقيقية. لقد ذهب الأمر ببعض المسؤولين إلى إلصاق غلاء البطاطس في الجزائر إلى قوى أجنبية تستهدف البلاد. لعبت الأحداث الأخيرة في مالي لصالح النظام الجزائري، لقد جاء التغيير في ليبيا بوضعية جديدة في مالي، وذلك بسيطرة الطوارق على شمال البلاد، وماذا كان سيحدث في المنطقة لو جاء تغيير آخر في الجزائر؟ إن مباركة عملية الانتخابات من طرف الدول الغربية وشكر وزير الخارجية الإسبانية الله على عدم فوز الإسلاميين في الجزائر ما هو إلا تعبير عن رضا هذه الدول عن النظام الجزائري، وهي التي أتت بالتغيير في ليبيا على ظهر الدبابات، وتسعى بكل الوسائل للإطاحة بالنظام السوري. إن المقارنة هنا بين النظام في ليبيا سابقا وفي سوريا وفي الجزائر يحيلنا إلى السؤال التالي: هل ستسلك الجزائر نفس الطريق للوصول إلى التغيير؟ ألم يصرح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في إحدى خطبه قبل الانتخابات التشريعية بأن " نجاح هذه الانتخابات سيحول دون التدخل الأجنبي؟ وهل بالفعل نجحت الانتخابات في الجزائر؟ (أنظر التقرير أعلاه). لقد شهد شاهد من أهلها حينما توعد عبد الله جاب الله، رئيس حزب العدالة و التنمية باعتماد "الخيار التونسي" من أجل التغيير في الجزائر بعد نتائج الانتخابات. إن التغيير آت إن عاجلا أم آجلا وذلك لسبب واحد هو أن الشعوب تتطور والمشاكل تتراكم والأنظمة جامدة.