من بين ما نص عليه الفصل التاسع عشر من الدستور، سعي الدولة إلى تحقيق مبدإ المناصفة بين الرجال والنساء، مع إحداث هيئة لتحقيق هذه الغاية ومكافحة كل أشكال التمييز. وكما كان الفصل التاسع عشر من دستور1996 مثار جدال ونقاش بين مختلف الأطياف والفاعلين، فإن الأمر يحدث اليوم مع نفس الفصل رغم التغيير الجذري الذي حدث له مضموناً وموضوعاً. وبما أن الحركات النسائية وأغلب المتدخلين في هذا الموضوع يركزون على تمكين النساء من المناصفة في التمثيلية داخل المؤسسات المنتخبة والمعينة، ويجتهدون في إبداع الوسائل والآليات القانونية التي سوف تمكنهم للوصول إلى الهدف الأسمى والغاية المثلى حسب قول بعضهم، فإن إسهامي المتواضع سيعود بنا إلى التأصيل والتقعيد من أجل الكشف عن بعض الملابسات وطرح الموضوع من جديد قصد المصارحة والمكاشفة. مخالفة مبدأ المناصفة بين الجنسين لقواعد الإسلام وتاريخه: لم تكن المرأة المسلمة رغم ما أعطاها الإسلام من حقوق تتساوى مع الرجل فيها، فلا نعلم أن المرأة اجتمعت مع الصحابة في سقيفة بني سعيدة إثر وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم للتشاور في من يختارونه خليفة لهم، ولا نعلم أنها كانت تشارك الرجال في هذا الشأن، ولا نعلم أن الخلفاء الراشدين كانوا يجمعون النساء لاستشارتهن في قضايا الدولة كما يفعلون ذلك مع الرجال، ولا نعلم في تاريخ الإسلام كله أن المرأة تسير مع الرجل جنباً إلى جنب في إدارة شؤون الدولة وسياستها وقيادة معاركها. وكل ما يرويه لنا التاريخ أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من النساء بيعة على أن لا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصين رسول الله في معروف، وقد كانت هذه البيعة يوم فتح مكة، ثم أخذ بيعة الرجال على مثل ما أخذ من بيعة النساء. ومن يزعم أن هذا يدل على المناصفة أو اشتغال المرأة بالسياسة فقد ركب متن الشطط وحمل وقائع التاريخ ما لا تحتمل. ونعلم أيضاً أن المرأة أسهمت في بدء الدعوة الإسلامية بقسط وافر من التضحية والفداء، كما فعلت أخت عمر بن الخطاب ، وأسماء بنت أبي بكر ، وغيرهما. وهذا يدل على أثر المرأة في حركات الإصلاح ووجوب إسهامها فيها ولا يزال هذا الحكم قائماً، أما أن يدل على المناصفة أو الاشتغال بالسياسة بمعناه المفهوم اليوم، فلا. إذاً فمن المؤكد أن المناصفة بين المرأة المسلمة والرجل المسلم لم تتحقق، وأن المرأة لم تشتغل في السياسة، ولم تسهم في كل الأحداث السياسية التي مرت بالمسلمين في كل أدوار التاريخ، مع أن الإسلام رفع مكانتها وسواها في الأهلية القانونية بالرجل ورفع عنها الغبن اللاحق بها في مختلف البيئات والشعوب. إن مبادئ الإسلام وقواعده ترفض المناصفة، لا لعدم أهلية المرأة لذلك، بل للأضرار الاجتماعية التي تنشأ عنه، وللمخالفات الصريحة لآداب الإسلام و أخلاقه، وللجناية البالغة على سلامة الأسرة وتماسكها وانصراف المرأة عن معالجة شؤونها بكل هدوء وطمأنينة. وبهذا الموقف الحكيم صان الإسلام كرامة المرأة فلم يسلبها حقوقها، وصان سعادة الأسرة فلم يلزم الزوجة بترك البيت لتشتغل بشغل آخر مما يعمل فيه الرجال من سياسة أو تجارة أو غيرها. المناصفة بدعة مذمومة وفلسفة غربية: لقد وفدت إلينا عدوى المناصفة واشتغال المرأة بالسياسة من الغرب، رغم أن هذا الأخير لم يعط هذا الحق للمرأة إلا بعد مئات السنين من نهضته، واليوم بدأ هذا الغربي يشعر بعد التجربة أن إعطاء المرأة هذا الحق لا فائدة منه لأنه أدى إلى ظهور جنس ثالث بين الرجال والنساء، ولنستمع لأحدهم وهو يقول: يجب أن تبقى المرأة امرأة..فإنها بهذه الصفة تستطيع أن تجد سعادتها وأن تهبها لسواها، لنصلح حال النساء ولكن لا نغيرها، ولنحذر قلبهن رجالاً، لأنهن بذلك يفقدن خيراً كثيراً ونفقد نحن كل شئ، فإن الطبيعة قد أتقنت كل ما صنعته، فلندرسها ولنسع في تحسينها، ولنخش ما يبعد عن قوانينها وأمثلتها. يقولون : إن تحقيق المناصفة والتنصيص على ذلك في الدستور فيه إثبات لكرامة المرأة واعتراف بإنسانيتها... ونحن نسأل: هل إذا لم تتحقق هذه المناصفة أو منعن من الاشتغال بالسياسة مثلاً يكون دليلاً على أن لا كرامة لهن ولا إنسانية؟.. أفليس في قوانيننا القائمة مواطنون منعهم القانون من الاشتغال بالسياسة كأفراد الجيش مثلا؟ فهل يعني منعهم من حق الاشتغال بالسياسة أنهم دون المواطنين كرامة وإنسانية؟ أليست قوانيننا تمنع الموظف من الاشتغال بالتجارة؟ فهل يعني ذلك أنه فاقد الأهلية أو ناقصها؟ إن مصلحة الأمة قد تقتضي تخصيص فئات منها بعمل لا تزاول غيره، وليس في ذلك غض من كرامتها، أو انتقاص من حقوقها، لماذا لا يكون عدم السماح للمرأة بالاشتغال بالسياسة والوصول إلى مراكز القرار هو من قبيل المصالح التي تقتضيها سعادة الأمة كما تقتضي تفرغ الجندي لحراسة الوطن دون اشتغاله بالسياسة، وهل تفرغ الأم لواجب الأمومة أقل خطراً في المجتمع من تفرغ الجندي للحراسة، وتفرغ الموظف للإدارة دون التجارة؟ وخلاصة القول في هذا الموضوع أننا لا بد أن نختار إحدى الفلسفتين: فلسفة الإسلام الذي يرفض المناصفة، ويصون كرامة المرأة ويفرغها لأداء رسالتها الاجتماعية كزوجة وأم، وفي سبيل ذلك يلزم الزوج وأقربائها بالإنفاق عليها وعلى أولادها، وليس في ذلك غضاضة عليها، ما دامت تتفرغ لأهم عمل اجتماعي فيه سعادة الأمم ورقيها. أو بين فلسفة الحضارة الغربية المادية التي أخرجت المرأة من أنوثتها وأرهقتها بمطالب الحياة وأجبرتها على الكدح والعمل لتأمين معيشتها، وبذلك خسرت نفسها وأولادها وخسر المجتمع استقرار حياة الأسرة وتماسكها والعناية بها. ونحن المسلمين ما رأينا خيراً من فلسفة الإسلام ونظامه: ( أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنمون). [email protected]