"عندما يكون العدل غائب فليس هناك فرق بين الدولة وعصابات الطرق" الحكيم أوغستان الامازيغي. قد يخيل للبعض أن إصلاح القضاء عملية سهلة جدا، قد لا تتطلب إلا بضع إجراءات، وتحتاج لأشهر قليلة فقط، وأن اصلاح العدالة مجاله ينحصر في اصلاح القضاء داخل أسوار المحاكم فقط، لكن الحقيقة والواقع أن اصلاح العدالة عملية بنيوية جد معقدة مرتبطة بثقافة مجتمعية، تتداخل فيها مؤسسات متعددة. فمثلا بسبب غياب ضمانات تبرهن التزام ضباط الشرطة القضائية بالقانون، يمكن اعتقال أي شخص ويحرر له محضر ويمكن ان تنتزع منه اعترافات ، بل ويمكن ارغامه على توقيع محضر لا علم له بمحتواه عن طريق التعنيف وفي بعض الاحيان التعذيب، ويمكن ان يشار بين ثنايا المحضر أن الضابطة القضائية "أعلمت المعتقل أنه له الحق في المساعدة القانونية وحق الاتصال بأقربائه وكذا الحق في التزام الصمت وأن كل ما سيدون عليه في محضر قانوني فأبدى موافقته في التصريح .."، كما يمكن خرق قواعد الشكل في الواقع واثبات العكس في المحررات والمحاضر المحصنة بالمادة290 من قانون المسطرة الجنائية، مما يجعل انعدام قرينة البراءة موجود و يصبح الجميع متهم الى ان يثبت العكس. وبالتالي يتبين أن قضية اصلاح العدالة لا تتوقف عند اصلاح النيابة العامة أو اصلاح رجال ونساء القضاء، بل القضية بنيوية ومترابطة ومعقدة. فإصلاح العدالة يجب أن يؤسس على اصلاح المجتمع أولا، واصلاح المجتمع ليس كفكرة فلسفية، ولكن كمنهجية عميلة، تتأسس على توعية الناس بالقانون وبحقوقهم في حالة السراح وفي حالة الاتهام أو الاعتقال، وذلك يمكن أن يتم عن طريق مادة حقوق الانسان في المدارس الاعدادية والثانوية، وعن طريق الاعلام. وإصلاح العدالة يجب أن يؤسس على تدخل المجتمع المدني ومؤسسات وجمعيات حقوق الانسان كطرف سيما أثناء تحرير محاضر الضابطة القضائية، وذلك حتى تكون هذه الاطراف شاهدة على صحة المحاضر وعلى عدم خرق المسطرة وقواعد حقوق الانسان، وعلى عدم استعمال العنف في أخد التصريحات من المتهمين.. إصلاح القضاء يتأسس على إصلاح المؤسسات المساعدة للقضاء من خبراء وأطباء ومؤسسات الدفاع و مؤسسات التبليغ، وذلك بتكوين قضاء متخصص في بعض الفنون المساعدة حتى يتسنى للقاضي التأكد من صحة المعلومات والخبرات ، وذلك لأن شهادة طبية مزورة أو خبرة كاذبة يمكن ان تجعل القضية مؤسسة على اسس لا علاقة لها بالعدالة. اصلاح القضاء يتأسس على كتابة ضبط مهنية تتوفر لها الوسائل اللوجستيكية و تعمل في اطار مهام محددة بعيدا عن ارهاقها بتكليفها ومهام على الشياع داخل المحكمة. اصلاح القضاء يتأسس على نيابة عامة قوية من حيت الموارد البشرية الكثيرة و الخبيرة تعمل على تمحيص كل المحاضر المحالة اليها من طرف الضابطة القضائية، وذلك حتى يتسنى تصحيح المسطرة لمن اخدت منها تصريحات بالقوة أو من حررت في حقة محاضر كيدية، فدور النيابة العامة أساسي في التأسيس للأحكام العادلة. وفي عمق اصلاح العدالة يأتي دور القضاة باعتبارهم مدار رحى العدالة ومركزها، فقضاء مستقل يتأسس على عدد كافي من القضاة بالمحاكم يلبي حاجيات المواطن، قضاء مواكب بالتكوين المستمر وتتوفر له الاستقلالية المالية والحماية الاجتماعية وممكن من اليات الاشتغال، وبالتالي انتاج قضاء قريب من المواطنين ومتطور وفعال ومؤهل يمكن أن ينتج أحكام عادلة الى حد كبير. ان ضرورة اصلاح العدالة النابعة من عمق نداءات جلالة الملك محمد السادس التي ما فتىء يؤكد عليه من اول خطاب للعرش سنة 1999 الى هذه الايام عند تنصيب الهيئة العليا لإصلاح العدالة، وكذلك عمق تلك النداءات التي كانت تنادي بها فعاليات وجمعيات حقوقية، يجب أن تفضي الى إصلاح شامل للعدالة يحقق العدل والاستقرار للمواطن المغربي وفق منظور شمولي يموقع المواطن المغربي وفق قواعد حقوق الانسان والدستور في صلب حماية دولة الحق والقانون والكرامة. [email protected]